حوار: إياد عبدالله
الرسالة ملحق اسبوعي لجريدة المدينة
* الأمة الإسلامية الآن تمر بمنعطف خطير في تاريخها وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها» .. كيف ترى حال الأمة الآن؟
** الرسول صلى الله عليهم وسلم قال: «ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الاكلة إلى قصعتها فقالوا : أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله ؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل «،واعتقد أن هذه التداعيات حدثت كثيرا منذ فترات طويلة حيث احتلت الأمم منذ 200 سنة كل العالم الإسلامي ما عدا جزء صغير في المملكة واستعمر العالم الإسلامي الانجليز احتلوا أجزاء والفرنسيون احتلوا أجزاء والايطاليون فالأمم تداعت علينا منذ 200 سنة ونحن أخرجناهم عسكريا وسياسيا، ولكن بقوا اقتصاديا وبقوا اجتماعيا وبقيت أنظمتهم مطبقة إلى يومنا هذا ثم احتلوا أرضنا في فلسطين والعراق وأفغانستان كل هذه جزء من التداعيات التي اخبرنا عنها الرسول، ولكنى أعتقد أن الأمة الإسلامية حاليا تعيش مرحلة الصحوة ولذلك نحتاج إلى وضع خطة وبرامج لكيفية النهوض بهذه الأمة بحيث تكون امة قوية قادرة سياسيا وعسكريا واقتصاديا تستطيع أن تدافع عن نفسها وتدير نفسها بنفسها.
* لماذا فى رأيك يستمر وصم الإسلام بالإرهاب والتطرف في الغرب؟
** لاشك في أن هناك جهات يزعجها انتشار الإسلام في الغرب سواء من ناحية الأقليات الإسلامية التي وجدت في كل العالم أومن خلال انتشارالإسلام بين السكان الأصليين في هذه الدول الأوروبية، لهذا حاولت هذه الجهات أن تستغل أحداث 11 سبتمبر لتشويه صورة الإسلام وبعد هذه الأحداث نفذوا المخطط المعروف باسم «الإسلام فوبيا « الخوف من الإسلام وذلك من خلال اتهام الإسلام بالتطرف واتهامه بالتوحش والعنف ومعاداة الآخرين، ولكن الحقيقة هذه النظرة تغيرت وقد لمست هذا الأمر من خلال زياراتي لأكثر من دولة أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا، حيث شعرت بعد هذه الأزمة المالية أن معظم الناس عادوا إلى سماحة الإسلام وتأكدوا أن الإسلام صالح وبريء من التهم التي وجهت إليه وأن هذه مؤامرة كان يراد منها تشويه صورة الإسلام وأن الإسلام طوق إنقاذ ونجاة للعالم وخاصة وتساءل الناس إذا كان الإسلام قادر على حل مثل هذه المشكلة فكيف يكون دينا وحشيا أو إرهابيا وأنا ابشر المسلمين الآن أن هذه الأزمة ساعدت على إزالة شيء من التراب على هذا الوجه المشرف المتمثل في الإسلام .
قضايا المرأة
* دائما وأبدا تثار قضية المرأة وحقوقها المختلفة على الساحة العربية والإسلامية ويشهد النقاش حولها شد وجذب بين التيارات المختلفة .. كيف ترى وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ .. وهل هو كما يريده الإسلام؟
** وضع المرأة الآن في معظم مجالاتها ليس الوضع الأمثل الذي يريده الإسلام فالإسلام حقيقة أعطى للمرأة حقوقها بالكامل ورفع من شانها بشكل كبير جدا وركز على بيان أهم وظائف المرأة وهى تربية الأجيال وأن الأم مدرسة يتعلم منها الأولاد القيم والمبادئ إضافة إلى حقوقها الأخرى المشروعة، مثل الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية وما شابه ذلك ولكن إلى الآن لم نصل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى الوضع الأمثل والمناسب للمرأة ولكننا نحن لازلنا بين إفراط وتفريط بين مخالفة في بعض الأحيان للشريعة وفى بعض الأحيان تقصير لبيان أحكام الشريعة.
* بماذا تفسرون الحملات المغرضة التي يتعرض لها الإسلامي من وقت لآخر؟
** هذه الحملات المغرضة تؤكد أننا ما زلنا أسرى في أيدي الاستعمار وأن مخلفاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما زالت تعيش في عقولنا وواقعنا ونحتاج إلى معاناة طويلة حتى نتخلص من هذه المخلفات ولابد لمن يحاولون وصم الإسلام بالتشدد والإرهاب أن يدرسوا النظرية الإسلامية والحلول التي من الممكن أن يقدمها الإسلام لمشكلتهم الاجتماعية والاقتصادية ووقتها يقولون لنا بصراحة طبيعة الإسلام وهل هو دين عنف أم دين يملأ الدنيا رخاءً في حال تطبيق تشريعاته.
دين يسر ورحمة
* بعض المسلمين يشددون على أنفسهم سواء في العبادات أو المعاملات أملا أو طمعا في مزيد من الأجر والثواب … فهل هذا مطلوب ومرغوب؟
** شريعة الإسلام تقوم على اليسر في كل شيء، والله سبحانه وتعالى رفع عن أمة الإسلام الإصر والمشقة، فربط الحل بالطيبات والحرمة بالخبائث، ومن عجز عن الوضوء أو الغسل تيمم ومن عجز عن الصلاة من قيام صلى على الهيئة التي تناسبه ومن عجز عن الصيام أفطر ولا حج إلا على المستطيع، فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها … والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» ويقول فى حديث آخر: « إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
ولابد أن يدرك كل مسلم أن هذا الدين المتين وهذه الحنيفية السمحة تحتاج إلى يسر الأداء من المكلف كما قامت على يسر التشريع من الله ولا أحد يغالب نفسه ويخرج عن مألوف العادة السوية إلا فقد الكثير من الدين وضيع الكثير من الحسنات وأهدر الكثير من الطاقة.
والمطلوب من المسلم هو السداد بمعنى الالتزام بالحق من غير إفراط ولا تفريط والمقاربة بمعنى محاولة الوصول إلى الكمال والطريق المستقيم وعلى الله قصد السبيل، ولله عاقبة الأمور ويستعين المسلم على السداد والمقاربة حيث يتحين أفضل الأوقات ليسره، فيسير أول النهار وأوسطه ويستريح وقت القيلولة وينام أول الليل ثم يواصل مسيرته آخر الليل … ويتحرى المسلم أثناء عمله المنظم وعبادته الميسورة أن يستبشر خيرا ويتفاءل ويحسن الظن بالله عز وجل، فإن حسن الظن بالله من الإيمان، ولا يقنط مؤمن من رحمة الله.
وكيف نواجه تشدد بعض المسلمين في تطبيق تعاليم الإسلام؟
**نحن في حاجة ماسة إلى تقديم الإسلام سهلا ميسرا محببا تنشرح به الصدور وتنور به القلوب وتستقيم به الجوارح ويسعد به الناس فى الدنيا والآخرة وقد هلك المتنطعون الذين لا يفرقون بين عزيمة ورخصة ولا يفطنون إلى أمر الوجوب وأمر الإباحة وأمر الندب … لكن ينبغى ألا يفهم أحد التيسير على أنه انفلات من القيم وانحراف عن الأخلاق، وارتكاب للموبقات، فلن يكون ذلك دينا أبدا وإنما هو الضلال بعينه .. إننا أمة الوسطية والإعتدال فى كل شيء، ولذلك ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما …فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
ومن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته شفقته عليهم أنه كان حين يأمرهم بعمل صالح يراعي اليسر ويحرص على المستطاع، ويجعل الأمر فى حدود ما يقدرون على الوفاء به وذلك لحكمة سامية، هي أن يواصل الإنسان العمل الصالح بلا ملل، فخير العمل أدومه وإن قل لكن أن يرهق المرء نفسه بأعمال شاقة ثم يناله العجز عم مواصلتها او الإتيان بمثلها مرة اخرى، فهذا يفوت على نفسه خيرا كثيرا ويحرم نفسه من ثواب عظيم.
وكان صلى الله عليه وسلم يشارك الصحابة ما يأمرهم به، ويعمل كعملهم، وتصور البعض أن هذا لا يكفى لتحقيق الدرجات الحسنة فى الفردوس الأعلى، وأرادوا أعمالا شاقة، ووهموا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليس فى حاجة إلى مزيد من العمل الصالح لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقالوا: «إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله» … هنا غضب الرسول – صلى الله عليه وسلم- غضبًا شديدًا لأن هذا أمر يتعلق بحكم الله وقد كان الرسول لا يغضب لنفسه قط إلا أن تنهك حرمات الله.
وبين لهم الرسول الحكمة البالغة التي غابت عنهم، فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو أتقى الناس وأعلمهم بالله فوصل إلى قمة الكمال الإنساني فى جانبيه العملي والعلمي .. ومع ذلك فهو يلتزم بالأمر الرفيق الموفق للشرع الحنيف، وليس للمرء حق التشريع فى العبادة فإنها توقيفية قائمة على إذن الشرع ولن تتحقق الدرجات العلا في الثواب بمخالفة لأمر الشرع أو بالتزيد فيه، فإن قوما غلوا فى دين الله فمقتهم الله وشرعوا لأنفسهم مالم يأذن به الله فسخط عليهم.
تجديد الفقه
* هل هذا يعني أننا بحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي؟
** تجديد الفقه الإسلامي ضروري فإذا كان الدين نفسه دائمًا يحتاج إلى التجديد بعيدًا عن الثوابت القطعية فكيف يكون الفقه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبعث للأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وليس هذا تغيرًا للدين وليس تحريفا للدين وإنما المقصود بتجديد الدين هو إزالة ما تراكمت عليه من البدع والخرافات والاتهامات والشبهات بحيث يتم إزالتها ويظهر الوجه النقي للإسلام فكذلك الفقه الإسلامي بحاجة كبيرة إلى التجديد في ظل المستجدات والقضايا المعاصرة الكثيرة في كل مجالات الحياة فعلينا أن ننظر مثلا إلى كم تطور الطب والاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية كل ذلك يحتاج أن يكون الفقه يتابع هذا المسائل ويجدد فيها على ضوء ضوابط الشرع والالتزام بنص القرآن والسنة ومع الاجتهاد المنضبط.
عقوبة عادلة
* تعالت فى السنوات الأخيرة أصوات بعض الأفراد والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان فى بلادنا العربية والإسلامية تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام تحت شعارات إنسانية براقة وبزعم أنها تشكل صورة للإسلام المتشدد؟
** الإسلام دين رحمة وشفقة وتعامل مع الإنسان على أنه صورة مصغرة للإنسانية جمعاء، وأي اعتداء على الفرد أو إهدار لحقوقه هو فى حقيقة الأمر اعتداء على الإنسانية كلها … ولذلك يعتبر الإسلام إزهاق روح بريئة واحدة هو إزهاق لأرواح الناس جميعا، فالله سبحانه وتعالى يقول: «من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» ويذهب الإسلام إلى مدى بعيد فيرفض مجرد تمني الموت، لأن الإسلام حريص على أن يعيش الناس بالأمل، وفى صحيح الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» … ومتى كان مجرد تمني الموت خطيئة في منطق الإسلام فإن الانتحار جريمة أشد وأنكى فالإنسان لا يملك نفسه والأنفس كلها لله وقتل النفس كقتل الغير سواء بسواء.
من كل هذه الحقائق يتأكد لنا مدى حرص الإسلام على النفس ورفضه وإدانته لكل عدوان عليها، وتشديد العقوبة على كل من تسول له نفسه العدوان على نفس بريئة، فحفظ النفس وتوفير الحماية لها أحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية.
ولذلك لا يجوز لأحد أن يتطاول على شرع الله وأن يتهم الشريعة الإسلامية بالقسوة وعدم احترام حقوق الإنسان فكل أحكام الشريعة تستهدف مصلحة الإنسان وحماية حقوقه وتوفير الأمن والاستقرار له.
وعقوبة الإعدام التي يطالب هؤلاء بإلغائها باسم الرحمة وحق الإنسان في الحياة هي عقوبة عادلة تستهدف اقتلاع جريمة العدوان على النفس الإنسانية من جذورها، وهذه العقوبة ليست محل اجتهاد من أحد ولا يجوز لأحد في الدول الإسلامية إلغاؤها لأنها من الحدود الشرعية الثابتة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة القولية والفعلية، وعليها اجماع الأمة سلفًا وخلفًا، وهى من شرائع الفطرة الإنسانية متى استوفت شرائطها وتحقق أسبابها.
لابد أن يدرك من يرددون هذه الدعاوى الكاذبة المضللة التي تسعى إلى إلغاء عقوبة الإعدام وتدعى زورًا وبهتانًا الحفاظ على النفس الإنسانية أن تنفيذ هذه العقوبة يرفع عن المجتمع ويلات كثيرة ويحميه من مخاطر جمة، ففي ظل التغاضي عن القصاص من القاتل ستنتشر الفوضى في المجتمع وستزهق أرواح الأبرياء دون رادع، وإذا كان هؤلاء المنادون بإلغاء عقوبة الإعدام يحرصون على نفس قاتلة، فلماذا لا يذرفون الدم بدلا من الدمع رحمة بأسر تشردت بعد عائلها، وأبناء تيتموا بعد أبيهم ونساء ترملن بعد أزواجهن؟!
* نلاحظ أن صلات الود وقيم التعاون والتراحم تلاشت بين كثير من المسلمين … كيف تكون شكل العلاقة بين المسلمين بعضهم البعض فى ظل هذا الجفاء الاجتماعي والإنساني الذي أصبح سمة أساسية لحياة المسلمين اليوم؟
** الإسلام من خلال كل تعاليمه وأحكامه وتوجيهاته حريص على التراحم والتعاون والنصرة … فالله سبحانه وتعالى يأمر كل عباده بالتعاون على البر والتقوى فيقول: «وتعاونوا على البر والتقوى» والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «وكونوا عباد الله إخوانا».
وإذا كان شأن الإنسان أنه لا يعيش وحده بل يحتاج إلى بنى جنسه يعاونهم ويعاونونه ويخدمهم ويخدمونه فإن ذوي القربي والرحم أحق بالصلة وأولى بالتراحم … ومن هنا حرص الإسلام على توزيع الميراث بين ذوي القربي والرحم بترتيب خاص وجعله فريضة محكمة، فقال تعالى: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله».
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصدقة على ذوي الرحم لها أجران، أجر الصدقة وأجر الصلة، ومن المعروف في فقه الشريعة أن الجار المسلم القريب له ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق الجوار، وحق الرحم … بل إن النصيحة إلى الخير والدعوة إلى البر تجب أولا لذوي القربي وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الإسلام فوجهها إلى عشيرته وقومه تنفيذا لأمر الله عز وجل: «وأنذر عشيرتك الأقربين». وقد جاءت أحاديث نبوية كثيرة تحث على التعاون والتراحم بين كل أفراد المجتمع وتؤكد على أن صلة الرحم فضيلة لا ينبغي أن يتخلى عنها المسلم بأي حال من الأحوال، فالرحم كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معلقة بين السماء والأرض تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله … ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه».