الدوحة – بوابة الشرق
اعتبر د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحادثة التي وقعت في فرنسا مرفوضة في ميزان الشرع، ولا يجوز قتل الإنسان إلا من حاول قتلك، أو من خلال جهاد شرعي دفاعاً عن الوطن كما هو الحال في فلسطين.
وقالي في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب، إنه ما عدا ذلك لا يجوز أن يقتل الإنسان نفسا بريئة مهما كانت والله سبحانه وتعالى يقول (إنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً).
ولفت إلى أن اثنتي عشرة آية تنزل للدفاع عن الحق وتبرئة يهودي مظلوم بعد اتهامه من قبل المسلمين وعاتب الله الرسول وقال (ولا تكن للخائنين خصيما) والخائنين هنا المسلمين الذين حاولوا أن يشهدوا شهادة الزور في القضية..
وذكّر د. القرة داغي بأن أمتنا في اضطراب شديد واختلت الموازين وأمام ما يحدث بسبب المظالم التي تقع عندنا يختل ميزانه وهذا لا يجوز للمسلم أن تختل عنده الموازين..
وقال إن المسلم يجب أن يمشي على الصراط المستقيم، فكثير من الناس حينما وقعت الواقعة في فرنسا، قالوا إن فرنسا كان وكان، ولكن الإسلام يفرق بين المجرم القاتل الذي فعل ويستحق، وبين الشعب، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ديننا دين العدل ولو على أنفسنا لذلك لابد أن يكون ميزاننا ميزان الحق ولا يجوز أن يكون عندنا ازدواجية. وما حدث اضر بالإسلام والمسلمين ومنهج الإسلام في أنك تقلل من الأعداء لا أن تكثره ولذلك وقف المسلمون مع الروم حينما غلبوا على الفرس واغتمو وحزنوا حينما غلبوا.
نداء للشباب
ووجّه “القرة داغي” كلمة للشباب مفادها “الطريق إلى الجنة ليس بقتل الأنفس البريئة، ولا يمكن أن تستقبلهم حور عين بل تستقبلهم زبانية جهنم وأنا لا أشك أن قيادات هذه الجماعات مخترقة، وأكبر دليل على ذلك أن العالم كله يقول نحن ضد داعش ولم يفعلوا شيئاً، بينما الأكراد بعدد بسيط طهّروا كوباني من داعش وطهّروا سنجار منهم أيضاً فلماذا يصعب على العالم كله تطهير المناطق الأخرى من داعش”..
وأضاف “اعتقد أنه ستظل داعش باقية إلى أن تستكمل جميع المؤامرات ضد الإسلام وإلى أن يأتي المسلمون ويتفقون مع اليهود والنصارى ضد قضيتنا الأولى.
الفساد والإفساد
وقال في مطلع خطبته إن هناك مرضين خطيرين، انتشرا في جسد هذه الأمة، وبين الأفراد، فأنهكها فالمرض الأول مثل السرطان ينتشر في جسد الإنسان إذا لم يعالجه مبكراً، وهو مرض الفساد، والمرض الثاني المعنوي بمثابة الإيدز أو السل وهو مرض معد قاتل خطير، وهو مرض الإفساد في الأرض، والإفساد بين الناس، وفي جميع مجالات الحياة، ولذلك سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحالقة..
وأوضح أن الإسلام والشرائع كلها جاءت لإصلاح هذين المرضين القاتلين الخطيرين، الفساد الذاتي والإفساد للآخرين.. هذا المرضان يعرقلان تماما حركة الحياة والحضارة والتقدم مهما كانت الأمة غنية ومهما كانت الثروات كبيرة.
فساد الدين
وقال إن الفساد الداخلي يشمل فساد الدين حينما يكون الإنسان يسير على عقيدة غير صحيحة، وعلى تصور غير صحيح من إلحاد والشرك والضلاليات، حيث سمى الله ذلك فساداً (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا الله لَفَسَدَتَا) وهذا الفساد يكون حينما يكون الدين غير سليم حتى لو كان لديه دين، ولو كان لديه جزء من العقيدة، ولكن حينما لا تكون العقيدة صحيحة ولا يكون الالتزام بالدين وفق ما أراده الله سبحانه وتعالى دون الإفراط والتفريط، يؤدي ذلك إلى فساد كبير بل يُستغل الدين للإفساد وقتل الناس وللتفجير بين الناس دون وجه حق.
فساد المنهج
وأضاف “القرة داغي” يشمل الفساد أيضا الفساد في المنهج: والله خلق الإنسان ليكون عابدا لله عبودية خالصة له، ثم يقوم بوظيفته الكبرى ورسالته الأساسية بعد الشعائر، أن يعمر الكون، وتعمير الكون أي منهج الحياة، وصناعة الحياة، وليست صناعة الموت، (وَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) أي الإنسان مطالب بتعمير الأرض، وحينما يغير هذا المنهج ويغير منهج الحياة إلى منهج صناعة الموت ومنهج التعمير إلى التدمير هنا جاء الفساد والإفساد للأفراد والمجتمع..
وتابع: يشمل أيضاً الفساد في نفس الإنسان حينما تكون النفس قائمة على الأهواء (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) لذلك بيّن الله أن الله هو الذي بيّن الحق وليست الأهواء والشهوات وحظوظ النفس، وما أنزل الله الرسل وما أنزل الكتب إلا لوضع الإنسان والأمة على منهج الحق، البعيد عن الأهواء والشهوات وحظوظ النفس. وحينما يكون الفساد في النفس تكون النفس قائمة على الأهواء وحينئد لا يكون هناك معايير ولا يكون هناك ضبط وإنما تختل الموازين وتخترب الحياة وتضطرب أمور الإنسان، بل تضطرب أمور الكون كله.
فساد القلب والعقل
وأشار إلى الفساد في القلب الذي يكون محباً لله ولعباده وللناس، إلا الذين ظلموا، حتى الذين ظل يدعو لهم ويُصلحهم ولا يدّمرهم، فصلاح القلب وسلامته هو الأساس في هذا الدين (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )..
واختتم بقوله: حينما يصبح قلب الإنسان فاسداً، في قلوبهم يظهر النفاق والشقاق والمشاكل والكذب، ولا يمكن أن تستقيم الحياة مع كون قلب الإنسان مريضا (إن في جسد الإنسان مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله).. ويشمل أيضا الفساد في العقل وهو أخطر نوع من أنواع الفساد، لأن العقل هو الذي يفكر، ويسير الإنسان بقدر الله وبأمر الله وبسنة الله، فقد أعطى الله للإنسان الحرية والإرادة والقدرة والعلم وكثيرا من الصفات العظيمة، والذي يسير هذه الصفات نحو الخير والشر هو العقل، فإذا كان العقل سليما وإذا كان محبا للخير فإنه يوجه هذه الصفات كلها نحو الخير، وبالعكس إذا كان العقل فاسداً أو مفسداً حينئذ يوجه الناس نحو الشر.