بقلم – أ.د. علي محيي الدين القره داغي
جريدة الوطن – الدوحة
ثالثاً ـ الآثار السلبية للفقر المدقع على العلم والثقافة والعقل والتخلف، وهي:
1 – إن الفقير المدقع في الغالب ينشغل بسد جوعته عن العلم والثقافة، فلا يبقى له القوت الكافي للتعلم والثقافة.
2 – ان أولاد الفقراء المعدمين لن يتركهم أولياء أمورهم في الغالب للتعلم والثقافة، بل يشغلونهم بالأعمال اليدوية، والزراعية، والرعوية، وبالتالي يصبحون أميين.
3 – ان الفقير لن يتمكن -في الغالب – بسبب عدم وجود المال لديه عن الاستفادة من تكنولوجيا العصر، والتقنيات الحديثة.
4 – التلازم بين الفقر والمرض، فأينما كان الفقر المدقع كانت الأمية، وبالعكس.
5 – أما أثر الفقر المدقع على العقل والإبداع فيأتي من خلال ما قاله الخبراء: (إن سوء التغذية يضرّ بنمو وتطور الانسان، وذلك بالتأثير على شكل حجم الجسم، أما في الصغار فيؤدي إلى تخلف خطير في النمو الفعلي).
ومن الجدير بالذكر أن للرفاهية، والغنى المفرط دون ضوابط آثاراً سيئة على العلم والإبداع والابتكار أيضاً، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شر الغنى، ومن شر الفقر ـ كما سبق ـ.
رابعاً – الآثار الاجتماعية للفقر:
للفقر آثار اجتماعية خطيرة، ولا سيما إذا لم تكن هناك تربية ايمانية قوية، من أهمها:
1 – الأمية والجهل والتخلف ـ كما سبق ـ
2 – كثرة الأمراض، حيث ان معظم الأمراض تعود أسبابها إلى سوء التغذية، ويعود تأثيرها على الانسان بالموت، أو الانهاك وإلى عدم وجود الدواء المناسب الصالح، ومع الأسف الشديد فإن العالم النامي ـ وعلى رأسه عالمنا الاسلامي ـ يفتقد الأمرين بنسبة كبيرة، يذكر الدكتور الطويل: (أن الجوع والمجاعة ضاربان بجذروهما في ديار المسلمين)، ويقول المدير لمنظمة الصحة العالمية في عام 1963م: (من المؤسف أن يكون نصف سكان العالم أو ربما ثلثاهم مصابين بسوء التغذية)، ويقول المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة عام 1981: ( لم يطرأ أي تحسن على حالة الأغذية في البلدان ذات الدخل المنخفض….) وهناك من يقول: إن 70% من أولاد البلدان النامية يشكون من سوء التغذية، ومن المعلوم أن السبب الأول لسوء التغذية هو الفقر.
3 – زيادة معدل الوفيات، حيث ربط جميع الخبراء بين معظم الأمراض بحلقة محكمة بالفقر، وبالتالي موت الكثيرين – وقد ذكرنا أثر الجوع في موت الأطفال في السابق – حيث ذكرو أن نقض فيتامين A يؤدي إلى فقدان البصر، وأن نسبة 60 -70% من حالات فقدان البصر تنجم عن هذا المرض، وأن ضحاياه هم أبناء العلائلات المعدمة، وان مرض التراخوما، وهو أيضاً أحد أسباب العمى يترتب على سوء التغذية في الغالب، وأن عدد المصابين به يقدر بأكثر من أربعمائة مليون نسمة، وكذلك مرض عمى الأنهار الذي قدر ضحاياه بأكثر ثامينة وعشرون مليون، ومعظمهم في البلاد النامية.
بل إن صحة الوليد مرهونة بعوامل عدة منها صحة الوالدين، وبخاصة الأم،ومستوى تغذيتها، والامراض التي أصابتها، ومنها تغذية الطفل، ومنها بيئة الطفل من حيث النظافة والتهوية، وهناك بعض الأمراض الخطيرة في بلاد المسلين تعتبر من أمراض الفقر والحرمان وسوء التغذية وعدم وجود مياه الشرب الصالحة، وعدم وجود المسكن الصحي المناسب، وعدم النظافة، ومنها مرض السل والتدرن الذي لا يزال موجوداً في البلاد الفقيرة، وله ضحاياه في حدود ثلاثة ملايين شخص، ومرض الجذام الذي للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية دور فيه، ومرض البلهارسيا الذي يعود سببه إلى طفيلي ينتقل بالماء، وأن عدد المصابين به يقدر بمائتي مليون إصابة، وهو منتشر في مصر، ونيجريا والسودان، وايران وغيرها، ومرض الملاريا حيث يموت به حوالي مليون طفل كل عام في أفريقيا وحدها، ومرض النوم الأفريقي، وسببه طفيلي اسمه TRYPANOSOME وهو أيضاً أحد المخاطر الصحية على الانسان، ومن أهم العراقيل في سبيل التنمية الزراعية والصناعية، وعدد المصابين به خمسة وأربعون مليون إنسان، وهو ينتقل بسبب ذبابة تسمى TSE TSE وهو مرض يحدث في المصاب تغييراً في فسيولوجيته فيجعله أرقاً في الليل، وناعساً في النهار، وأمراض أخرى.
4 – نقص الخدمات الصحية والسكنية ونحوهما، فمما لا شك فيه أن هذه الأمراض المذكورة وغيرها يرتبط جميعها ارتباطاً – مباشراً أو غير مباشر – بالفقر وانعدام الامكانيات المادية، وانخفاض الخدمات الصحية، فمثلاً يوجد في الدول المتطورة أوروبا مثلاً ما يقابل 250 -500 شخص طبيب، وفي الدول النامية (ومعظم دولنا الاسلامية ) يوجد في مقابل 7400 -18000 شخص طبيب واحد.
كما أن الشعوب الفقيرة تعاني من نقص الخدمات الأساسية من مياه الشرب الصالحة، والمسكن المناسب، تقول مصادر الأمم المتحدة: إن أكثر من نصف سكان بنغلاديش يعيشون دون مستوى الكفاف، وتنقل وكالة رويتر أن 10% من سكان دكا من الشحاذين، وأن نسبة النساء 34% منهم،وان 12% منهم من الأطفال والمراهقين والمراهقات، يقول الدكتور الطويل: (فلقد شاهدتهم بنفسي منذ سنوات يفترشون بالآلاف أرصفة الشوارع… فالأجساد الهزيلة المريضة الجائعة تتكدس بأسمالها البالية متراصة على جوانب الطريق…. فأين التكافل الاسلامي ؟ ).
ويقول الدكتور حمدي عبدالعظيم: (نستنتج من جدول رقم 8 أن نسبة السكان الذي يحصلون على مياه نقية صالحة للشرب إلى إجمالي السكان في الدول الفقيرة ضئيلة جداً تتراوح بين8% -56% أما في الدول المتقدمة فلا تقل عن 100%، وبالنسبة للصرف الصحي فإن أرقام البنك الدولي تشير إلى أن نسبة السكان الذين يحصلون على هذه الخدمات… تتراوح بين 6% في باكستان، 22% في زائير، وذلك قابل 100% في الدول الصناعية المتقدمة).
5 – التبعية الاجتماعية، حيث ان معظم الفئات الغنية القادرة تبذل كل جهودها لاستغلال الفقر لصالح مصالحها الاقتصادية، والسياسية، وشراء أصواتهم بأموال لمكاسب سياسية، إضافة إلى التبعية الاجتماعية للدول المانحة، حيث لا تعطي الأموال ـ مجاناً ـ وإنما تحاول التغلغل في المجتمع الفقير بالتاثير فيه دينياً واجتماعياً، وجعله تابعاً لها، كما حدث أثناء الحرب الباردة، حيث كان العالم النامي مقسماً على المعسكرين الرأسمالي، والشيوعي، وكان الدولة تعطى لها الأموال حينما تترك معسكراً إلى الآخر.
6 – التلازم بين الفقر المدقع والتخلف، فحيثما كان الفقرـ وبخاصة المدقع ـ يؤثر تأثيراً مباشراً ويؤدي إلى تحقيق التخلف للمجتمع، فالفقير الجائع غير قادر على المساهمة الجادة في تحقيق التنمية، إلاّ أخذ بيده وتمت مساعدته.
7 – أثر الفقر على أمية المرأة التي هي نصف المجتمع، فالنساء في البلدان النامية وفي ظل الفقر المدقع لا يتاح لهنّ التعليم أصلاً، أو مواصلة التعليم على الأقل، والخلاصة أن التجارب الواقعية، والوقائع المشاهدة، والدراسات العلمية تربط بين الفقر، وبخاصة الفقر المدقع، والأمية، فالفقر والحرمان يصنعان بيئة معوقة تمنع، أو تقلل من امكانية التعلم مطلقاً، أو التعلم المؤثر على الأقل.