يأتي العميل إلى البنك ، ويريد أن يحصل على ضمانات كافية لماله
الذي يودعه في البنك الاسلامي ، ويعرف بالضبط نسبة عائده ، والحقيقة أن المباردة
كانت من هذه البنوك صاحبة المنتج الجديد ، حيث طلبت من العملاء : من أراد أن يحصل
على ضمان ودائعه ، وضمان نسبة أرباحها فعليه أن يتقدم بطلب .
وأياً ما كان فإن العميل يأتي إلى البنك ، ويتبع الخطوات الآتية
في الفقرات الآتية ، حسبما ذكره خطاب مصرف قطر المركزي :
-
توكيل من العميل بشراء سلع ” دولية ” نقداً لحساب
العميل ، وتوكيل البنك ببيعها لنفسه بأجل محدد ، وعائد محدد بأسلوب المرابحة . -
تقديم العميل الأموال للبنك ( وهذه الخطوة يمكن أن
تتقدم أو تتأخر ) . -
قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل ، وبيعها
لنفسه ” البنك ” من خلال عقد مرابحة محدد الأجل والعائد . -
قيام البنك بتسييل السلع التي اشتراها من العميل ببيعها ،
والحصول على القيمة النقدية الفورية لها . -
استخدام البنك للأموال التي حصل عليها من البيع الفوري
لهذه السلع من مصادر أمواله الأخرى ( أموال المضاربة العامة للبنك ) في تقديم
خدمات التمويل والاستثمار في جانب الموجودات .
هذه هي الخطوات العملية التي سجلها مصرف قطر المركزي بدقة ووضوح ،
وهي تتضمن ما يأتي :
-
التورق المصرفي المنتظم الذي صدر بتحريمه قرار من المجمع
الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي . -
إن قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل وبيعها
لنفسه مباشرة ، ممنوع شرعاً ، كما جاء في معيار الوكالة الشرعي:من أنه ليس
للوكيل أن ينوب عن طرفي التعاقد… -
المرابحة في السلع الدولية ” التي ذكرنا مشاكلها في القسم
الأول من هذا البحث” . -
قلب لنظام البنوك الاسلامية ” كما جاء في خطاب مصرف قطر
المركزي ” … ؛ وذلك لأن الفارق الجوهري الذي نركز عليه دائماً أمام الناس :
أن الودائع الاستثمارية في البنوك الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي
تحتمل الربح والخسارة ، وأن الربح ليس محدداً ، وإنما حسب النتائج الواردة ،
ولذلك كانت البنوك الاسلامية توزع في بعض السنوات 8% وفي بعضهال أقل أو أكثر ،
أما هذا المنتج الجديد فقد انتهى فيه كل شيء ، فالعميل اتفق مع البنك على نسبة
محدد فلنفرض 5% فليس له الحق في الزيادة مهما ربح البنك ، ولا عليه الخسارة
مهما خسر البنك ، أليس هذا هو مثل منتج القرض بفائدة مع فارقين أساسين ، وهما :
الفارق الأول : أن القرض بفائدة ظاهر وواضح ولا يحمل اسم
الاسلام ، ولم يلبس جبة ولا عمامة ، وأما المنتج الجديد فقد حمل اسم الاسلام وشعاره
وعنوانه .
والفارق الثاني : أن منتج القرض بفائدة لا يحتاج فيه
العميل إلى أكثر من إيداع المبلغ في الحساب والتوقيع على عقد القرض بفائدة ، أما
هذا المنتج فيحتاج إلى لفة طويلة من العقود ، والعمولات والتوقيع على عدة عقود ،
حسبنا الله على هذه الحيلة التي تقضي على البنوك الاسلامية ـ .
5.
إن هذا المنتج فيه إلزام الوكيل بالشراء بالمرابحة بنسبة محددة ، مع تضمينه إن خالف
، وبالتالي فإن ما قلناه فيه في السابق يطبق على هذا المنتج …
والخلاصة :
أن هذا المنتج يتضمن بعض عقود لو انفردت لما قلنا بتحريمها ، ويتضمن عقوداً وتصرفات
وشروطاً محظورة ، منها : التورق المصرفي المنتظم ، والشراء للنفس ، ولذلك حينما
اجتمعت هذه العقود والاجراءات أصبح المنتج عبارة عن منظومة متكاملة لما وسع فقيها
ينظر إلى مقاصد الشريعة الاسلامية أن يجيزه ، فهو ـ كما قلت ـ أشبه بالقرض بفائدة ،
ولا يختلف عنه إلاّ في الفارقين المذكورين سابقاً .
ولكن الأخطر من ذلك هو ان هذا المنتج يمّس أهم مفصل من مفاصل
النظام البنكي الاسلامي ، وهو مفصل الودائع التي كانت ، ولا زالت في معظم البنوك
الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي يكون فيها البنك مضارباً لا يتحمل أية
مسؤولية عن الخسائر إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، أما في ظل المنتج الجديد فقد
أصبح مديناً .
وأن العميل في ظل النظام البنكي الاسلامي في الصحيح هو ربّ المال
، يتحمل مخاطر ماله ، ويشارك في أرباحه إن تحققت حسب الاتفاق ، وفي ذلك تعويد على
النظام الاقتصادي الاسلامي القائم على أساس المكلية والمشاركة ، وقاعدة الخراج
بالضمان ، والغرم بالغنم ، وأما في ظل هذا المنتج فقد أصبح دائناً له ضمان رأس ماله
وفوائده .
ومن جانب ائتماني فكيف يستطيع بنك إسلامي رأسماله مليار ريال ـ
مثلاً ـ أن يتحمل الودائع بعشرين مليار ريال أو أكثر ؟
وبسبب هذه المخاطر الكبيرة التي تترتب على القرض الربوي المضمون
من البنوك التقليدية منع النظام الاقتصادي الرأسمالي البنوك من المتاجرة أو أي عقد
فيه المخاطرة منعاً باتاً بالنسبة لأموال الودائع ، فليس للبنك التقليدي الحق فيها
إلاّ أن يقرضها بفائدة أعلى كما اقترضها بفائدة أدنى .
وهذا المنع القائم على التوازن هو الأساس للبنوك التقليدية ،
وبدونه سوف تتعرض للمخاطر الجسيمة والافلاس ، كما أن أموال المودعين تكون أيضاً في
مهب الرياح العاتية .
ولذلك أوجه سؤالي إلى هذه البنوك التي تعمل بنظام ( المرابحة العكسية ) ، فلو أخذت
كل ودائعها ، أو معظمها على هذا الأساس ، فماذا تفعل ؟ هل تدخل في عقود بهذه
الأموال فيها مخاطر الخسارة مع أنه ضامن لها ولفوائدها ؟ وهل تسمح البنوك المركزية
بهذه المراجحة وبعدم التوازن ؟
فالبنوك الاسلامية الملتزمة متوازنة وقائمة على ميزان العدل ، حيث
تأخذ الودائع على أساس المضاربة الشرعية التي يتحمل فيها ربّ المال ( المودع )
الخسائر ، ثم تدخل هي أيضاً في عقود البيع والشراء ، والاستصناع ، والمشاركات على
نفس الأسس .
أما أن يمشي بنك إسلامي بميزانين : ميزان البنوك الربوية في ضمان
رأس المال وفوائده بالنسبة للودائع ، ثم يمضي على ميزان البنوك الاسلامية بالنسبة
لاستثمارها القائم على الربح والخسارة …
أعتقد جازماً أن هذا يحدث خللاً كبيراً على المستوى المالي والاقتصادي أيضاً ، بل
وإفلاساً ، أو السير على ميزان البنوك الربوية في الاقراض أيضاً .
والله تعالى أعلم بالصواب