هذه المسألة تحتاج إلى وقفات فيها شيء من التفصيل ، ولذلك نعرف بالعناصر الثلاثة معاً ( أي التسويق ، والتخطيط ، والاعلان ) ، لارتباطها مع البعض ، ثم نتبعها ببيان آثارها في المنافسة ، وهي :

 

 أولاً ـ التسويق :

  مما لا يختلف اثنان أن التسويق أصبح من أهم الركائز التي تعتمد عليها الشركات العالمية لتصريف منتجاتها ، وكسب المزيد من المواقع والأسواق المحلية ، والعالمية ، وأنه بدون ذلك لا يتوقع التوسع ولا الازدهار ، بل يخشى من الانهيار ، ولم يكن التسويق يحتل هذه الأهمية قبل الثورة الصناعية .

  إن مفتاح النجاح في مجال التجارة في عصرنا هذا هو بامتلاك خطة للتسويق ، بشكل مهني وحرفي مبرمج ، ولذلك نعرف به هنا ، وبدوره ، ووسائله ، وضوابطه في الشريعة الاسلامية ( بايجاز شديد ) . 

التعريف به :

لغة مصدر : سوّق ، فيقال سوّق البضاعة أي طلب لها سوقاً[1] .

وفي الاصطلاح : هناك عدة تعريفات ، منها أن التسويق هو : مجموعة من الأنشطة الاقتصادية تقوم بها المشروعات من أجل تحقيق الربح[2] ، وهذا التعريف غير جامع للتسويق في عصرنا الحاضر الذي يشمل التسويق على نطاق الوحدة الاقتصادية ، أو المشروع الذي تناوله التعريف ، كما يشمل التسويق على نطاق المجتمع الذي يضمن التعادل بين العرض والطلب ، والذي لم يتناوله التعريف .

  ولذلك فالتعريف الجامع المعاصر هو أن التسويق  : النشاط الذي يبذل لتصريف المنتج ، والتوفيق بين السلع والأسواق ، لتوصيلها إلى المستعمل .

  

دور التسويق ومراحله ، وأعماله :

  يحتل التسويق اليوم أهمية كبرى ـ كما سبق ـ ، بل ان الشركات الكبرى تفكر في التسويق قبل الانتاج ، أو قبل الزيادة منه .

 وفي مرحلة البيع تركز الشركات الكبرى على جميع الوسائل المشجعة والمقنعة لاتمام البيع ، وتنشئ للتسويق إدارة مطورة تقوم بما يأتي :

‌أ-  وضع الخطط التي تكفل استمرار ونمو المشروع

‌ب-  تنفيذ هذه الخطط

‌ج-  الرقابة والمراجعة

د-  البحث الجاد عن الفرص التجارية المتاحة من خلال ما يأتي :

  1. التغلغل في السوق الموجود

  2. التوسع في السوق داخلياً وخارجياً

  3. التوزيع وايجاد منافذ له عن طريق سياسة استراتيجية لمنافذ التوزيع

  4. تطوير السلعة

  5. ايجاد روح المنافسة

  6. التنويع

‌ه- جمع جميع المعلومات عن السوق ، وعن كل ما يتعلق بالسلعة ، ورغبات المستهلكين ، ودراسة سلوكياته ، عن طريق الاستبيانات ، والبحوث الاستكشافية ، واستقصاء آراء العارفين ، ودراسة الحالات ، وإجراء المقابلات .

‌و-  الحفاظ على الابتكارات ، والجودة ، والتجديد المستمر بأي طريقة كانت .

‌ز-  الرقابة ، والتقييم للتكاليف ، بل لجميع ما ورد في الخطة[3] .

ثانياً ـ التخطيط :

     من الأمور الاساسية لنجاح التسويق هو وجود خطة تسويقية متكاملة معتمدة على تحليل المنافسة والبيئة التسويقية ، والأسواق المستهدفة وموازنات التسويق .

  والتخطيط هو بذل كل ما في الوسع لتنظيم الأمور بتوضيح الأهداف وتهيئة الوسائل ، وتهيئة الموارد ، وإزالة العقبات للوصول إلى ايجاد واتخاذ القرارات المناسبة لتحديد اتجاه المستقبل ، وبيان أين موقع المؤسسة ؟ وأين تريد الوصول بها ؟ وكيف تصل إليه ؟ ومتى تصل إليه ؟

  والتخطيط يقتضي كذلك استعراض القيم الحاكمة للمؤسسة ، والرؤوية ، والخطوات العملية مع تحديد الزمن لكل خطوة أو مرحلة ، ودراسة كل نقاط القوة والضعف ، والفرص ، والمخاطر ، ومؤشرات النجاح ، وتحليل الفجوات[4] .

ثالثا ـ الترويج والإعلان :

    إن الإعلان والترويج هو أحد العوامل الأساسية لنجاح التسويق ، من خلال الدعاية في وسائل الإعلام المتاحة ، من الصحف ، والاذاعات ، والقنوات التلفزيونية ، والانترنيت ونحوها ، وهذا ما يسمى بالتسويق الالكتروني الذي يحتل اليوم مكانة مهمة في التسويق.

  والإعلان في حدّ ذاته فن كبير وعلم وموهبة وقدرة على التأثير من خلال الشعارات المؤثرة ، فالفائز هو من يكون قارداً على فن التأثير والتزيين ، والترويج ، أو لوسيلة دفاعية ضد المنافسين ، أو لزيادة المبيعات ، أوتحقيق الاتساع الجغرافي للسوق .

وكل ذلك يحتاج إلى دراسات جادة ، واستعانة بالخبراء[5] .

الحوافز التجارية للتسويق ، وضوابطها الشرعية :

   ذكرنا أن التسويق يحتاج إلى إدارة ، وتخطيط ، وإعلان وترويج ، وبالتالي فإن وسائل التعبير عن الإعلان والترويج هي : القول العادي ، أو من خلال المسرحيات والتمثيليات والأفلام ونحوها ، والكتابة في الصحافة ، والحركات والاشارات ورسومات الكاريكاتور ونحوها ، وفي عصرنا الحاضر تكون بالوسائل الحديثة من الاتصال التليفوني والسلكي واللاسلكي ، وبالفاكس والبرقيات ، وأخيراً بالوسائل الالكترونية على شبكة الانترنيت .

  ولا شك أن الإعلان والترويج يحتاج إلى الحوافز التجارية من الهدايا المختلفة التي تتفنن فيها الشركات ، كأن تكون مع كل سلعة هدية نقدية ، أو عينية ، ومن المسابقات المشجعة ، ومن التخفيضات ، ومن إعطاء حق الرد والفسح خلال فترة محددة ، ومن الصيانة والضمان ، وحق الاستبدال ، ونحو ذلك .

هذه هي جملة من الحوافز التشجيعية لشراء البضاعة ، أو للدخول في التعاقد ، ونحن نذكر أحكامها الشرعية وبإيجاز شديد :

أولاً ـ منح الهدايا مع كل سلعة :

  الهدية من حيث هي مشروعة بالاجماع ، بل هي مستحبة من حيث المبدأ [6] ، إلاّ الهدايا التي تمنح للمسؤولين ، وهي التي تسمى : هدايا العمال ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هدايا العمال غلول )[7] بل وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدة عظيمة في هذا المجال ، ومعياراً لحل الهدية أو حرمتها ، حيث قال في حق أحد عماله الذي أخذ الهدايا لنفسه : ( أفلا قعد في بيت أبيه ، أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ؟ )[8] .

  وحديثنا هنا عن الهدايا العينية أو النقدية سواء كانت تذكارية أم غيرها ، التي تقدم مع  السلع تحفيزاً وتشجيعاً على الشراء ، أو على التعاقد ، وهي في نظرنا لا تخرج عن إطار الاباحة إلاّ إذا صاحبها أمر غير مشروع من الاضرار بالآخرين ، أو أن يدفع لمن يؤثر في القرار ، وحينئذ يدخل في هدايا العمال ، أو يصاحبها غش ، وتغرير أو نحو ذلك ، لأن الأصل في المعاملات الاباحة[9] .

ثانياً ـ المسابقات التشجيعية :

 المسابقة من حيث هي مشروعة[10] ، واكتفي هنا بما أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، في قراره رقم 127 (1/14) ، حيث قرر ما يلي :

(أولاً: تعريف المسابقة:

المسابقة هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام به بعوض ( جائزة )، أو بغير عوض ( جائزة ).

ثانياً: مشروعية المسابقة:

  1. المسابقة بلا عوض ( جائزة ) مشروعةُ في كلّ أمرٍ لم يرد في تحريمه نصُّ ولم يترتب عليه تركُ واجبٍ أو فعلُ محرّم.

  2. المسابقة بعوض جائزة إذا توافرت فيها الضوابط الآتية:

أ‌-  أن تكون أهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة.

ب‌- أن لا يكون العوض ( الجائزة ) فيها من جميع المتسابقين.

ج-  أن تحقّق المسابقة مقصداً من المقاصد المعتبرة شرعاً.

د‌-  أن لا يترتب عليها تركُ واجبٍ أو فعل محرّم.

ثالثاً: بطاقات ( كوبونات ) المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزءٌ منها في مجموع الجوائز لا تجوز شرعاً ؛ لأنها ضربٌ من ضروب الميسر.

رابعا: المراهنة بين طرفين فأكثر على نتيجة فعلٍ لغيرهم في أمورٍ مادية أو معنوية حرام ؛ لعموم الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الميسر.

خامسا: دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز شرعاً إذا كان ذلك المبلغ أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز منعاً لأكل أموال الناس بالباطل.

سادساً: لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط – دون الاستفادة المالية – عن طريق المسابقات المشروعة شريطة أن لا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وأن لا يكون في الترويج غشٌّ أو خداعٌ أو خيانةٌ للمستهلكين.

سابعاً: تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز غير جائزٍ شرعاً.

ثامناً: بطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطاً تجلبُ منافع مباحة، جائزة إذا كانت مجّانية ( بغير عوض )، وأما إذا كانت بعوضٍ فإنها غيرُ جائزة لما فيها من الغرر.

توصيات:

يوصي المجمع عمومَ المسلمين تحرّي الحلال في معاملاتهم ونشاطاتهم الفكرية والترويحية والابتعاد عن الإسراف والتبذير………. والله أعلم ) انتهى قرار المجمع . 

 

ثالثاً ـ حق الفسخ للمشتري ورد البضاعة :

  يدخل حق الفسخ ورد البضاعة في وقت محدد ، في خيار الشرط ، الذي أجازه الفقهاء ، ولكنهم اختلفوا في تحديده بثلاثة أيام ، أو بأكثر ، أو حسب العرف ، أو حسب البضاعة[11] .

لذلك فلا مانع من هذا التحفيز ، لأنه مشروع إلاّ إذا صاحبه أمر غير مشروع فهذا أمر آخر .

رابعاً ـ التخفيضات التي تعمل لأجل التشجيع والتحفيز :

  وهذا أمر مشروع يكون من حق المالك ، إلاّ إذا ترتبت عليه ضرر مقصود ، أو صاحبه أمر محرم من الغش والتدليس ، فيكون غير مشروع .

خامساً ـ حق الصيانة والضمان إذا كان دون مقابل :

  يدخل هذا في باب الوعد الملزم بالتبرعات التي يتسامح في عقودها الغرر والجهالة ، وبالتالي فهذا أمر مشروع وملزم إلاّ إذا صاحبه عمل غير مشروع ـ كما سبق ـ[12] .

سادساً ـ حق استبدال بمثله للمتعامل الآخر خلال وقت محدد مهما طال :

 وذلك بأن يتضمن الترويج إعطاء الحق للمتعامل باستبدال البضاعة إذا كانت معيبة ، وفي هذه الحالة يكيف على أساس خيار العيب وهو مشروع باتفاق الفقهاء[13] .

  أو أن يعطيه هذا الحق مطلقاً ، وفي هذه الحالة يكيف على أساس خيار الشرط ، مع الوعد ببيع بضاعة مثل البضاعة التي اشتراها مثلاً ، وهذا أيضاً جائز ومشروع في غير الذهب والفضة والنقود ، وفيها تفصيل ليس محل بحثنا هذا[14] .

  

أثر التسويق في المنافسة بين شركات التأمين التكافلي ، والتأمين التقليدي :

   لاشك أن للتسويق تأثيراً كبيراً لذلك أرى من الضروري أن تقوم شركات التأمين الإسلامي بعمليات التسويق الواسعة بجميع الوسائل والآليات المشروعة للتعريف بمنتجاتها ، بل إن ذلك إذا صاحبتها النية الحسنة يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

   هذا والله أعلم ، وهو المسؤول أن يوفقنا للخير ، ويعصمنا عن الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ن وأن يلبس أعمالنا كلها ثوب الاخلاص ، والتقى ، إنه حسبنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

([1]) جاء في المعجم الوسيط أن هذه الكلمة بهذا المعنى الذي ذكرناه ” محدث ”  ، اي لم يكن السابقون يستعملونها بهذا المعنى ، وإنما يقال : سوّق الشي : اي ساقه ، ولها معان أخرى ، يراجع : لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمصباح المنير مادة ” ساق ” 

([2]) د. نسيم حنا : مبادئ التسويق ط. دار المريخ بالرباط 1985م ص 20 ، ويراجع د. حسن محمد خير الدين : مبادئ التسويق ط. عين شمس 1977 ص 11-12

([3]) المصادر السابقة

([4]) د. نسيم حنا : المرجع السابق ص 391 ود. حسن محمد خير الدين : المرجع السابق ص 247

([5])  د. نسيم حنا : المرجع السابق ص 301 ود. حسن محمد خير الدين : المرجع السابق ص 298

([6]) المغني لابن قدامة (8/240) ويراجع : حاشية ابن عابدين (4/508 – 509 ) والشرح الصغير (4/141) ومغني المحتاج (2/396)

([7])  رواه أحمد (5/424) وقال الهيثمي ( 4/151) : ( رواه الطبراني في الكبير وأحمد من طريق اسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ، وهي ضعيفة وأخرجه في تلخيص

([8]) رواه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ (13/189) ومسلم (3/1463)

([9])  يراجع لتأصل هذا الأصل عند جمهور الفقهاء : أ. د. علي القره داغي : مبدأ الرضا في العقود ط. دار البشائر الإسلامية ، الطبعة  الثانية  ( 2/1185)

([10]) يراجع الموسوعة الفقهية الكويتية ( 24/123)

([11]) يراجع : مصطلح ” خيار الشرط ” في الموسوعة الفقهية الكويتية

([12])  يراجع في الوعد الملزم : مبدأ الرضا في العقود (2/1037)

([13])  يراجع : مصطلح ” خيار العيب ” في الموسوعة الفقهية الكويتية  

([14]) يراجع : مصطلح ” خيار العيب ” في الموسوعة الفقهية الكويتية