الدوحة — الشرق:
اشاد فضيلة الشيخ د.على محيى الدين القرة داغى الامين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بطرح قضية الوحدة بين دول الخليج واثنى على الدعوة التى نادى بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله. وقال ان هذه الوحدة ضرورة شرعية وعقلية وناقش فى خطبة الجمعة امس بجامع عائشة رضى الله عنها ما يمكن ان يقوى الوحدة، كما اشار الى جوانب القوة والضعف فى واقع دول الخليج مشددا على اهمية تربية الاجيال على الوحدة وخطورة التفرق..
وقال فضيلته:
اذا نظرنا الى احوال امتنا الاسلامية خلال القرون الاخيرة، لوجدنا ان اكبر مرض اصاب هذه الامة، واكبر داء نال منها، هو الفرقة والتفرق، سواء كان هذا التفرق على مستوى الشعوب من خلال التفرقة ومن خلال القوميات او الافكار والاحزاب والمرجعيات التى لم تكن على اساس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..وحينما تفرقت الامة، حينئذ زالت قوتها، طمع فيها اعداؤها، وحينما وزعوا مزقونا كذلك، سواء كان هذا التمزيق على اسس القوميات، او على اسس جغرافية، او غير ذلك، فتفرقت هذه الامة احزابا وشيعا، وحينئذ سهلت السيطرة عليها، واستطاع المحتلون ان يحتلوا بلادنا وديارنا عشرات السنين، بل وصل الاحتلال فى بعض الدول اكثر من مائتى سنة، بل فى بعض الدول كما فى ماليزيا وغيرها حوالى اربعمائة سنة، وحينما عادت الروح الجهادية، والروح الاسلامية، الى هذه الامة، استطاعت ان تتخلص من الاستعمار، لكنها مع الاسف الشديد تأثرت بالتيارات والافكار التى فرقت الامة على مجموعة من الاسس والمرجعيات.
الامة تختار الاسلام
واضاف قائلا: اليوم فى ظل هذه الثورات العربية التى اعادت لهذه الامة روحها وكرامتها وحريتها، نرى ان الامة تختار — والحمد لله — الاسلام، الذى هو حقا رحمة لها، ورحمة كذلك للعالمين اجمع، وظهرت النتائج المبشرة بالخير، لكن اذا ظلت هذه المؤشرات على اسس نظرية فقط، حينئذ لا يمكن ان تحقق نتائج هذه الثورات ومقاصدها من تحقيق القوة والعزة والكرامة، ومن اهم وسائل القوة عقلا وشرعا وطبعا، لا يختلف فيها اثنان، هى الوحدة، فالفرقة عذاب والفرقة ضعف، والفرقة سياسة الاستعمار دائما، وسياسة المحتلين، وسياسة اعداء الاسلام والمسلمين من خلال هذا الشعار، فرق تسد، وحينما تكون الامة موحدة، تكون محصنة، تكون قوية، وهذا ما اشار اليها القرآن الكريم فى آيات كثيرة، فى مئات الآيات، بين الله سبحانه وتعالى لنا وحدة هذه الامة على توحيد هذا الدين لله سبحانه وتعالى، تنطلق الوحدة دينيا وعقديا من توحيد الله سبحانه وتعالى، من ايماننا وعقيدتنا بوحدة الله سبحانه وتعالى، لنصل من خلال توحيد الدين وتوحيد الشعائر، وتوحيد القبلة، وتوحيد الاركان والاحكام الى توحيد الامة فى برامجها ومناهجها، وهذا ما اشار اليه وذكره القرآن الكريم حينما بين “واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم “، فعند المنازعة والفرقة تكون هناك نتيجتان: النتيجة الاولى: الفشل، والقرآن الكريم لم يتحدث عن فشل سياسى فقط، ولا عن فشل اقتصادى فحسب، وانما عمم هذه المسألة، اى انكم حينما تختلفون وحينما تتنازعون وحينما تتفرقون تفشلون فى كل شئ، تفشلون فى السياسة، وتفشلون فى مقاومة الاعداء، وتفشلون فى الاقتصاد، وتفشلون فى الابداع والتطوير والتقدم والحضارة، وهذه حقيقة، هذه الامة حينما كانت واحدة كانت قوية، يخاف منها الاعداء، بل يهاب منها الاعداء وحينما تفرقت اصبح الاعداء سادة هذه الامة وقادتها، وهم الذين يسيرون امورها، اموالنا وارضنا وديارنا كانت بايديهم، ومازالت بعض الاجزاء بايديهم، وربما مازال التوجيه والتحريك بايديهم.
* اعداء الاسلام
كانت الامة قوية عزيزة، لم تكن خاضعة لاى جهة من الجهات، بل حينما تجد من اعداء المسلمين من تسول له نفسه الاعتداء على امرأة واحدة، وتنادى وتقول: وامعتصماه، وامعتصماه، فيجيش المعتصم جيشا كبيرا للعمورية، فيحرر هذا البلد بالكامل، ويحرر هذه المرأة، ويؤدب امبراطور الروم تأديبا لم ينسه ابدا، وهكذا فعل هارون الرشيد، وهكذا فعل صلاح الدين حينما وحد الامة، وحينما كانت الامة الاسلامية مفرقة بين الخلافة العباسية فى بغداد وخلافة عبيدية ولا اقول فاطمية، ولم تكن فاطمية حقيقية، فى مصر وتونس والجزائر والمغرب العربي، استطاع الصليبيون ان يحتلوا الشام وان يحتلوا القدس، وان يمكثوا فى بعض المناطق لمائتى سنة، وفى القدس الشريف تسعين سنة، ولم يستطع صلاح الدين وغيره ومن قبله ان يحرروا هذه الاماكن الا بعد التوحيد. وحد صلاح الدين الامة الاسلامية وارجع المغرب الاسلامى المتمثل بمصر وتونس والجزائر والمغرب اليوم، اعادها للخلافة، وتوحدت الامة، وحينئذ انطلق صلاح الدين من التوحيد الى التحرير، وحاول قبله عماد الدين زنكى ونورالدين الشهيد رحمة الله عليه وعليهم جميعا، لكن لانه لم يتم توحيد الامة لم يستطيعوا ان يفعلوا شيئا كبيرا، رغم اخلاصهم، ومع انهم هم الذين كانوا امتدادا عظيما لصلاح الدين.
الوحدة اساس
ورأى فضيلته ان الوحدة هى الاساس لحماية الامة، لحماية اراضينا لحماية مكتسباتنا، وكما يقول جارودى ان الحضارة الغربية اليوم وقوتها تكمن فى انها استطاعت ان تأخذ ثروات وخيرات ومعادن ثلاث قارات، آسيا وافريقيا التى نحن المسلمين فى هاتين القارتين بشكل كبير، وكذلك امريكا الجنوبية، ولذلك حينما فقدت الحضارة الغربية هذه المكاسب اليوم، نالتها هذه الازمات المالية، كانوا يعيشون على ثرواتنا على بترولنا كنا نستفيد من البترول 5 % او 10 % وتسعين بالمائة من واردات البترول والذهب والمعادن لهم، ولا زالت نسبة كبيرة فى بعض الدول تدخل فى جيوب هؤلاء، يبنون حضارتهم على اساسنا، نحن نعيش الفقر والعذاب، وهم يعيشون الرفاهية على حساب الشعوب، وكل ذلك كما يقول جارودى وغيره بسبب تفرقنا وبسبب تمزقنا، والا فكيف تستطيع هولندا، بلد صغير فى ذلك الوقت، كانت حوالى مليون نسمة او اكثر بقليل، تحتل اندونيسيا التى فيها حوالى 17 الف جزيرة اسلامية، واليوم قريبا من ثلاثمائة مليون مسلم، ان تحتلها، وكيف تستطيع بريطانيا وحدها ان تحتل امبراطورية ما كانت تغيب عنها الشمس، كل ذلك بسبب التفرق والتمزق، فلذلك ليس السبيل فقط هو الثورات، والثورات وحدها والحرية والديمقراطية وحدها لن تخلصنا مما نحن فيه، ولكن نحن نريد ان نتحرر تماما كما تحررنا من الظلم الداخلى، نتحرر كذلك من الظلم الخارجى، ومن الاشياء التى تفرض علينا من الخارج، ان نكون عبيدا لله سبحانه وتعالى حقا وحقيقة.
شروط واجبة
* الصراعات تفرق
وقال القرة داغى اذا كنا قد تحدثنا عن اهمية الوحدة، فليست بالضرورة ان الامة الاسلامية مرة واحدة تتفق، خاصة فى ظل الظروف الحالية، وفى ظل ما فعله الاعداء طوال اكثر من 300 او 500 سنة فالصراعات والاعداء يعملون فى هذه الامة لتفريقها ولتمزيقها، ولاخذ ثرواتها والسيطرة عليها سيطرة كاملة، فاليوم اى مبادرة للوحدة فيها خير، فاذا كانت الدول الخليجية تنادى بالوحدة فهذا امر جيد بل مطلوب شرعا لان الوحدة فريضة شرعية بنصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وضرورة عقلية ايضا فالعالم كله يتجه نحو الوحدة. انظر الى الصين والى الان مع مشاكلها الكبيرة لا تفرط فى تايوان ولا على اصغر جزرها وتحارب كل من يعترف بهذه الدولة التى يعتبرها جزءا منها، لانها تعرف اهمية الوحدة، وحينما هدم جدار برلين بين الالمانيتين الشرقية والغربية كانت تكلفة الوحدة فى حدود مائة مليار، وذلك من اجل حماية نفسها، وان تبقى المانيا من خلال الوحدة كاكبر قوة اوروبية سياسيا واقتصاديا، وكانوا مستعدين لدفع تريليون من الدولارات من اجل وحدة 17 مليون شخص. واما نحن فنفرط بسهولة انظروا الى جنوب السودان تم التفريط بآلاف من الكيلومترات وانتهت المسألة.
التمهيد واهميته
وقال فضيلته نرحب بوحدة الخليج لكن هذه الوحدة تحتاج فعلا الى التمهيد، لاننا حقيقة خلال هذه السنوات الكثيرة، 32 سنة، كان هذا التعاون قائما على مجرد تعاون، فالانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الوحدة نحتاج فيها الى اهم شئ وهى توحيد البنية التحتية التشريعية، وليس فى الضرائب فقط كما يريدون، انما فى معظم مجالات الحياة الا ما يخص كل دولة بعينها.
والامر الثانى البدء كذلك بالجانب الاجتماعى اى توحيد المجتمعات من حيث الفروق، اى تزال هذه الفروق الاساسية بين هذه المنطقة وغيرها لتكون منطلقا لوحدتنا العربية والاسلامية، فلا مانع من وحدة خليجية وبعدها عربية ومنها الى وحدة اسلامية بشرط ان نخطو الخطوات، ثم بعد ذلك نبدأ فورا بالوحدة الاقتصادية فالظروف الحالية لدول الخليج تمكنها من تحقيق هذه الوحدة الاقتصادية بالاضافة الى تقوية الجيش، فدرع الجزيرة ضعيف، وتحتاج لان تكون على مستوى دول الخليج، وعلى مستوى اطماع العالم نحو الخليج سواء كان قريبا او بعيدا، فلا بد ان يكون درع الجزيرة، فعلا درعا، وان يبذل فيه، والامر الاخر المحاكم العدلية المتميزة المستقلة على مستوى دول الخليج بحيث تكون مرجعية للجميع.
نحتاج الى كل هذا من اجل الوحدة، والا ما اسهل الوحدة بالكلمات، انما الوحدة تحتاج الى عدة كبيرة ونحن واثقون فى القيادة الخليجية ان تخطوا هذه الخطوات.