الدوحة – الراية:

ناشد د. علي محي الدين القره داغي الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين وكل شرفاء العالم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الدينية والتاريخية نحو الأقصى، كما حمّل فضيلته حكومة الصومال والجماعات المسؤولية أمام الله وطالبهم بأن يتقوا الله في شعبهم الذي يموت وليعلموا أن الدول الكبرى لن تنقذ الصومال ولا المنظمات الإنسانية مشدداً على ضرورة وحدتهم وعدم صراعهم، ووصف حال الأمة ووجوب تغييرها في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها ،ذلك يتم بالإيمان الجازم والتوجه نحو التوحيد الخالص.

وقد بدأ فضيلته خطبته قائلا:

جعل الله سبحانه وتعالى هذا الشهر الكريم شهر مراجعة للنفس كإنسان وكذلك شهر مراجعة للأمة، فالصائم في هذا الشهر الكريم يمتنع عن الأكل والشرب طوال نهار شهر كامل، مع الامتناع عن المحرمات ، وبهذا الامتناع الإيجابي يروض الصوم الصائم خلال شهر كامل على الصبر والتحمل، كما يروضه على التحدي لشهواته وملذاته، فتصبح إرادته قوية بالله – تعالى – غير خاضعة لأهوائه، ولا أهواء أحد، ويجعله أيضا بعد أن حبست الشياطين والجن أن يشتغل في ميدان نفسه وعقله وروحه لما فعله وما آلت إليه نفسه خلال الشهور 11 الماضية. فيركز الإنسان على إصلاح نفسه من داخله، وإصلاح عقله وقلبه وروحه ومن ثم الاستشعار برقابة الله على الإنسان في السر والعلن وفي جميع التصرفات والحركات والسكنات، وذلك هو الإحسان الذي هو قمة الدين ، وحينئذ يستحي من الله – تعالى -، فيمتنع عن المعاصي والذنوب، ويترتب على هذا الإصلاح الداخلي، التغيير النفسي المطلوب في قوله – تعالى -: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى”يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد:11).

سنة التغيير

وقال إن هذه السنة الإلهية قاضية بأن تغيير الأمة نحو الأحسن مرتبط بتغيير الأنفس تغييراً جذرياً من التردد إلى الإيمان الجازم، ومن الشرك والأوهام والخرافات إلى توحيد الله الخالص في ربوبيته، وألوهيته، ومن هزيمة الأنفس إلى عزيمتها وقوتها وإرادتها الصلبة المعتمدة على الله – تعالى -، ومن تعظيم غير الله إلى تعظيم الله وحده. فمنهج التغيير في الإسلام منهج شامل لتغيير الإنسان: فكره، وتصوراته، وإرادته وسلوكه..ولكن مع الأسف، ضاع هذا الهدف النبيل في خضم تباهي المسلمين بالأكلات والمشروبات في شهر رمضان الفضيل، حيث يصرف الفرد على الغذاء ونحوه في هذا الشهر أضعاف ما يصرفه في بقية الشهور!.

العبادات وتربية الضمير

ورأى القره داغي أن العبادات في الإسلام تعتمد على تربية الضمير وتصفية النفس، وتهذيب الروح، ولذلك تنشئ حالة نفسية ذاتية تدفع صاحبها ذاتياً نحو حسن الأداء وحسن السلوك في الحياة، ولا يمكن أن تعتمد على المظاهر، بل لا يمكن للمظاهر أن يكون لها هذا الدور العظيم في إصلاح القلوب، وتغيير الإنسان نحو الأحسن.. مشيرا الى رمضان بقوله: شهر رمضان أيضا شهر المراجعة للأمة فيما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيه، فلو نظرنا من هنا الى الجزء الإفريقي من هذا العالم بشكل عام والى الصومال بشكل خاص لنرى الجوع والمجاعة – وليس الفقر فقط – مع كل هذا التقدم الصناعي والتكنولوجي بل قل الثورة الصناعية، وقد كشفت تقارير الأمم المتحدة عن أن الجوع في ازدياد فأصبح المشكلة الأولى في عالم اليوم، وأن عدد الجائعين في العالم يزداد وأنه يموت في كل يوم ستة آلاف طفل بسبب الجوع بمعدل طفل في كل 5 ثوانٍ، ، وأن مليار شخص تحت خط الفقر العالمي يكسبون أقل من دولار واحد يوميًا، وأن الموت بسبب الغذاء يشكل نحو ثلث حالات الموت المبكر، أو الإعاقة.

الموت بالصومال

وقال فضيلته إنه ليحزننا ما وصلت إليه الحال في جمهورية الصومال المسلمة من تردي الأوضاع الإنسانية والصحية والغذائية، حيث أصبح الكثيرون منهم معرضين للموت بسبب المجاعة، ونقص في المياه والأغذية والأدوية، ومستلزمات الحياة الأساسية، وذلك بعد سلسلة من الاقتتال الداخلي والتناحر بين الجماعات المختلفة وأمراء الحرب، وأخيرا بين الجماعات الإسلامية مع الأسف الشديد حيث لم يذق معظم الشعب الصومالي طعم الأمن والأمان والاستقرار منذ أكثر من ثلاثين سنة، والمتضرر هو الشعب الصومالي. ومن المؤكد، أن المجاعة التي تعصف بالبلاد حالياً، ليست بسبب شح الموارد الطبيعية، ولكن بسبب انقسام البلاد، وتقاتل الفصائل، واستفادة كثيرين من الوضع الحالي سياسياً واقتصادياً، إضافة إلى التدخلات الخارجية، والإهمال من قبل المنظمات الإنسانية، فضلاً عن ظهور جماعات إرهابية وعصابات وعمليات قرصنة.

وقال : هنا أحمل حكومة الصومال وهذه الجماعات المسؤولية أمام الله ونطالبهم أن يتقوا الله في شعبهم الذي يموت بالجوع والعطش والمرض، وليعلموا أن الدول الكبرى لن تنقذ الصومال، ولا المنظمات الإنسانية العالمية، والمساعدات التي تحملها الطائرات لن تمنع موت الأطفال وهجرة الأسر، وإنما إيقاف هذه الحرب والصراع غير الإسلامي هو الذي ينقذ الصومال ، وحرام عليهم أن يتركوا شعبهم لتفتك به المجاعة والأمراض والنزوح بآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ. وأناشد الإخوة مد يد العون والمساعدة لهذه الدولة التي نسبة المسلمين فيها 100%، أناشدكم أن تقوموا بواجبكم الإسلامي والإنساني فهذه منظمة الدعوة الإسلامية وهي جمعية معروفة بعملها في خدمتها في القرن الإفريقي بشكل خاص تجمع المساعدات والتبرعات لشعب الصومال وقد قال العلماء بالإجماع إنه في حالة وجود المجاعة فإنه يجوز صرف الزكاة وحتى صدقة الفطر والأموال المشبوهة من خلال التنقية أن تصرف في هذا الوجه ولإنقاذ الشعب الصومالي من هذه المجاعة بإذن الله.

من اليمن إلى ليبيا إلى سوريا

وتابع: أما بالنسبة للحالة السياسية في بلادنا الإسلامية فكما ترون وتسمعون من ظلم وفساد وطغيان وها نحن نرى اليمن وقد أصابها شلل شمل معظم مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والإنسانية، ، والتي عمت الوطن والفرد والأسرة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وما أصابهم من أضرار اقتصادية ومالية واجتماعية … كل ذلك يعود إلى تعنت رجل واحد ولا يكتفي بأن أحرقه الله بنار الدنيا بل زاد في تعنته وإصراره على تمزيق وتفتيت الدولة ولا يهمه أن يعذب شعبه، لأنهم عبروا عن حريتهم وإرادتهم. وأنا أطالبه بحسنة واحدة أن يحل هذه المعضلة، وذلك بالتنازل للشعب حماية لهم، وحقنا لمزيد من إراقة الدماء، والمعاناة والشلل، وإذا فعل ذلك فقد خدم شعبه خدمة جليلة لا تنسى. وكذلك بالنسبة لليبيا ، فهذا الرجل الظالم لا مانع لديه من قتل شعبه في سبيل بقائه ولو بالاسم فقط.

وقال: ومع الأسف القتال جارٍ ،وليس للمسلمين قوة لرد الظالم لذا نسلم مرة أخرى أمورنا للغرب ليدافعوا عنا، والأمة الإسلامية والجامعة العربية غائبتان – مع أن الجامعة العربية أسست منذ أكثر من 60 سنة – ولاتقوم بواجبها نحو الشعب الليبي الذي تُقمع إرادته، ويٌقتّل أبناؤه جهارا نهارا، وتقام المجازر دون استحياء. والغريب أن هذه الجامعة تستنجد بالعالم كي ينقذ الصومال كما طالبت سابقا بدعم ليبيا ، وهي بذلك تستمر في ممارسة عجزها الذي تؤكده يومياً منذ إنشائها حتى اليوم، وإذا لم تستطع حل القضايا السياسية العربية، كان عليها، على الأقل، أن تعمل على المستوى الاقتصادي، وتعزز العمل المشترك في هذا الشأن.

وعن سوريا قال:ما يحدث في سوريا قد أصبح جرائم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، والذي تنشره وسائل الإعلام من الجرائم البشعة والممارسات الوحشية التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه الأعزل التي تجلت باستخدام الأسلحة الحربية، الأسلحة التي اشتريت بأموال الشعب، فبحسب ما ذكره أحد الأخوة الذين التقيت بهم أن هذه الجرائم لا تمثل 1% أو بالأكثر10% من الجرائم التى تحدث هناك ، انظر الى درعا، وحمص و حماة، والنظام يتابع في جرائمه وفي مهاجمة المنشآت المدنية والممتلكات العامة والجوامع والمساجد في بقية المدن والمحافظات المنتفضة في دير الزور وحمص وإدلب والمعرة وغيرها.

الأقصى ومسؤوليتنا عنه

وعن الأقصى قال : أنا هنا أيضا أذكر الإخوة المسلمين بإحراق الأقصى في 21-8-1969م فمسؤولية الحفاظ على قبلتنا الأولى، واجب على الكل شعوبا وحكومات وأن نندد بجميع الإجراءات التعسفية التي قام ويقوم بها الصهاينة في فلسطين بصورة عامة، وفي القدس الشريف بصورة خاصة من محاولات هدم الأقصى من خلال الأنفاق، وطمس معالم الهوية الإسلامية وهدم أقدم مقبرة إسلامية، وبناء المستوطنات، وغير ذلك من الجرائم تحت مسمع ومرأى العالم الصامت عن هذا الحق.

وأمام ذلك، وفي الذكرى الثانية والأربعين لإحراق المسجد الأقصى المتزامنة مع شهر رمضان شهر الانتصارات والبركات أناشد الشعوب الإسلامية حكاما ومحكومين وكل شرفاء العالم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الدينية والتاريخية نحو الأقصى، والقدس الشريف خاصة، ونحو القضية الفلسطينية بصورة عامة، فالواجب الشرعي، ثم التاريخي والوطني أن يتحركوا من كل الجبهات المتاحة لتحريك هذه القضية،

ونسأل المولى عز وجل أن يجعل هذا الشهر شهر خير وبركة وفرَج ونصر مؤزر ونُصرةٍ للشعوب المظلومة في كل مكان وبخاصة في سورية واليمن وليبيا وفلسطين..وإننا على يقين باقتران النصر بشهر رمضان المبارك فهو شهر الانتصارات الحاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية بدءا من النصر في غزوة بدر الكبرى، ثم فتح مكة ضد المشركين، ونسأل الله أن يحقق النصر لأمتنا وشعبنا في هذا الشهر العظيم ويختمه بفرحتين: فرحة الفطر وفرحة سقوط أنظمة القمع والظلم والاستبداد.