السؤال :
نحن نعيش في بلاد الغرب، وكلما قرب الشهر الفضيل، ثارت لدينا
مشكلة الهلال، حيث إننا في الغرب، بعضنا من أهل الخليج، وبعضنا من باكستان، وبعضنا
من المغرب الكبير … وهكذا، وهذه الدول مختلفة في اعتمادها لأول الشهر،
فمنهم من اعتمد يوم الأحد كما في ليبيا ( أي 31/08/2008)، وجمهورهم اعتمدوا يوم
الاثنين ( أي 01/09/2008) وبعضهم اعتمد يوم 02/09/2008 فما الذي يجب علينا أن
نفعله، أفيدونا أثابكم الله تعالى.
الجواب :
هذا السؤال يتكرر مع الأسف الشديد مع بدايات الشهور العربية
ونهاياتها ولا سيما في شهر رمضان الفضيل، والمفروض أن تكون مواسم العبادات موحدة لا
مفرقة، جامعة شمل الأمة على مواسم الخير، ونسائم الخير، ولكن يحدث في كل عام مثل
هذه الخلافات، وقد يصل عدد الأعياد إلى أكثر من ثلاثة أيام، فهذا يعيّد في يوم
الأحد مثلاً، والثاني يعيّد في يوم الاثنين، والثالث يوم الثلاثاء وهكذا، فهذا منظر
لا يليق في عصر العلم والتكنولوجيا الحديثة في عصر وصل فيه الإنسان إلى سطح القمر،
وأصبحت الوسائل الفلكية الحديثة تحدد بدقة متناهية مواقع القمر ومنازله، ولحظة
ولادته، ولحظة إمكان رؤيته، ولم يعد علم الفلك اليوم مثل ما عرف في السابق مما يسمى
علوم الفلك والتنجيم التي كانت تعتمد على التخمين والتقدير، وما تعلمه المنجمون من
غيرهم حيث كان فيه الصحيح والصواب والخطأ.
أما علم الفلك اليوم فيعتمد على المراصد والأقمار
الصناعية والتقنيات المتطورة التي تصور بدقة كل ما يتعلق بالقمر، لذلك فاحتمال
الخطأ نادر جداً حتى يقال إن نسبة الخطأ فيه واحد إلى مائة ألف في الثانية.
لذلك يرى كثير من العلماء المعاصرين وعلى رأسهم فضيلة
العلامة يوسف القرضاوي، الاعتماد على علم الفلك وبخاصة في جانب النفي، بحيث إذا قال
علماء الفلك: أن الهلال لم يولد، أو لا يمكن أن يُرى، فعلى القاضي أن لا يقبل شهادة
شاهد أو أكثر، وهذا رأي جماعة من العلماء المتقدمين أيضاً منهم الإمام تقي الدين
السبكي (ت756هـ) حيث ذكر أن الواجب على القاضي في هذه الحالة: أن يرد شهادة الشهود،
معللاً ذلك بقوله: (لأن الحساب قطعي، والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع،
فضلاً عن أن يقدم عليه، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكناً حساً وعقلاً
وشرعاً، فإذا فرض دلالة الحساب قطعاً على عدم الإمكان استحال القبول شرعاً،
لاستحالة المشهود به، والشرع لا يأتي بالمستحيلات، ولم يأت لنا نص من الشرع أن كل
شاهدين تقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحاً أو باطلاً … بل وجب علينا
التبيين في قبول الخبر حتى نعلم حقيقته أولاً، ولا شك أن بعض من يشهد بالهلال قد لا
يراه، ويشتبه عليه، أو يرى ما يظنه هلالاً وليس بهلال )[1].
وهذا الرأي هو أعدل الآراء الثلاثة، ولو أخذ به على مستوى
العالم الإسلامي لحقق لنا الوحدة في دائرة الشعائر التعبدية على الأقل.
وإلى أن تأخذ الدول الإسلامية بهذا الرأي، وتتحد في
مواسم عباداتها فالذي نرى رجحانه هو أن لا يختلف أهل بلد واحد في الموسم، لذلك
ينبغي على أهل بلد أن يعتمدوا على ما تقرره الجهات الدينية في بلدهم، أو المركز
الإسلامي بالنسبة للدول الأوروبية، أو غير الاسلامية، فعلى الذين يعيشون في
بريطانيا مثلاً، أو أمريكا أن يتحدوا في مواسم عبادتهم حسبما تقرره المراكز
الاسلامية، أو المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث، وقد صدرت فتوى من المجلس الأوروبي
للافتاء والبحوث في الدورة العادية الثالثة، والتي عقدت بألمانيا في الفترة
4-7صفر1420هـ الموافق19-22مايو1999م، والتي نصت على أنه: ( يثبت دخول شهر رمضان أو
الخروج منه بالرؤية البصرية، سواء كانت بالعين المجردة أم بواسطة المراصد، إذا ثبتت
في أي بلد إسلامي بطريق شرعي معتبر، عملاً بالامر النبوي الكريم الذي جاء به الحديث
الصحيح:” إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا”، “وصوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته”.
وهذا
بشرط ألا ينفي الحساب الفلكي العلمي القطعي إمكان الرؤية في أي قطر من الأقطار.
فإذا جزم هذا الحساب باستحالة الرؤية المعتبرة شرعاً في أي بلد، فلا عبرة بشهادة
الشهود التي تنافي القطع، وتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب، وذلك لأن شهادة
الشهود ظنية، وجزم الحساب قطع، والظني لا يقاوم القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه،
باتفاق العلماء.
ويؤكد
المجلس هذا، أنه لا يعني بالحساب الفلكي: علم التنجيم المذموم والمرفوض شرعاً، كما
لا يعني به المدون في( الرزنامات) المعروفة في البلاد الإسلامية، كما قد يتوهم بعض
أهل العلم الشرعي. إنما نعني بالحساب: ثمرة علم الفلك المعاصر القائم على أسس
رياضية علمية قاطعة، والذي بلغ في عصرنا مبلغاً عظيماً، استطاع به الإنسان أن يصل
إلى القمر والكواكب الأخرى وبرز فيه كثير من علماء المسلمين في بلدان شتى… )