استنكر فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما تتعرّض له غزة من حصار، مشيرًا إلى هدم جميع الأنفاق، وأيضًا هدم ما لا يقل عن 300 بيت في سيناء.

وانتقد ما يقوله النظام في مصر من أنه مع القضية الفلسطينية في ظلّ حصاره لغزة قائلاً: ومع ذلك يقولون نحن مع القضية الفلسطينية، هم مع القضية الفلسطينية لإبادتها، وإزالتها، ولإنهائها، نيابة عن إسرائيل، وإسرائيل لم تستطع أن تفعل بغزة ما يفعله اليوم النظام في مصر.

وقال خلال خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة بفريق كليب: إن إسرائيل اليوم تريد أن تُسيطر على بيت المقدس، والأقصى، وأن يُقسّم بيت المقدس الى قسمين كما فعل في الخليل، والعرب ساكتون، مشغولون – إلاّ من رحم ربّي .

وأضاف: لو تحقق صلاح أنفسنا، نحن المسلمين، على الرغم من كل هذه الآيات، والحِكم العظيمة، والمواعظ العظيمة، وهذا الرسول العظيم، الذي ربّى الجيل الأول، ولو أصلحنا ما في الداخل لما حدث للمسلمين كل ما حدث، إذًا مشكلتنا في هذه النفوس.

واستطرد قائلاً: الغربيون استطاعوا أن يصلحوا أنفسهم – الى حد ما – بواسطة القوانين خلال مئتين أو300 سنة، وذلك من خلال مجموعة من التشريعات، من العلاقات الاجتماعية، وربّوا أنفسهم على مجموعة من الأخلاق العملية. ولكن نحن عندنا الأخلاق العملية، والأخلاق الربانية، وكل هذه التوجيهات، ورغم ذلك ما زلنا في محنة شديدة، فالذي يحدث في عالمنا الإسلامي لا يحدث في عالم آخر، لا في الغرب، ولا في الشرق، ولا حتى بين البوذيين.

تنقصنا التربية

وقال فضيلته: ظهر بيننا علمانيون وهم من أبناء المسلمين، نستغرب من كراهيتهم وحقدهم، وهذا دليل على أننا نحتاج الى مزيد من التربية، ويبدو أننا لم نركّز عليها خلال المئة سنة الأخيرة، ما أدّى أن يظهر فينا أجيال بهذه الصورة، وإلّا فالإسلام يمنعنا من القتل، ومن الإيذاء، ومن الاعتداء على الأحياء والأموات، وأن الميت مكرم. وتابع: نحن يجمعنا الكثير، يجمعنا الوطنية والقومية والإنسانية، ولكنه نرى أنه لو كان بأيدي هؤلاء المتطرفين العلمانيين لأبادوا – كما في مصر – كل من كان مع د. مرسي، بل كل الإسلاميين الحقيقيين، والوطنيين الشرفاء، والذين هم ضد الانقلاب، لأن الانقلاب مخالف للشرع، والدستور، والقوانين، خاصّة إذا كان الرئيس منتخبًا، واستغرب من بعض العلماء يُجيزون الانقلاب على مرسي، ولم يُجيزوه سابقاً على مبارك أو على غيره، فإن جاز على مرسي وهو منتحب فإنه يجوز على البقية، فهؤلاء العلماء كسروا الحاجز الذي كان هو محل الإجماع للمسلمين، أي حتى لم تبق لدينا ثوابت بسبب الكراهية والحقد الأسود، وحتى في قضية الولاء والبراء فكان هناك مجموعة ينادون بها جهارًا نهارًا، ولكن خذلوا أنفسهم والمؤمنين في اول تجربة لهم. انظر الى الشبيحة كيف يقتلون ويذبحون خروجًا عن كل سلوك إنساني.

ورأى أن المخرج في العودة إلى الله بقوله: ما علينا الا العودة الى الله، وما علينا الا التربية، فأمتنا الاسلامية لا زالت بحاجة الى هذه التربية، والاصلاح الداخلي، ولا زالت هذه الأمة بحاجة الى الايمان الحقيقي. كل الانقلابات العسكرية كانت قد قامت على أثر وحساب القضية الفلسطينية، فماذا فعلوا لفلسطين، وتعرفون ماذا يحدث اليوم لغزة في ظل هذا الانقلاب الذي يدعي انه ضد امريكا واسرائيل حسب ما يشيعونه من خلال قنواتهم، وبأنهم أي الانقلاب: ثورة اجتماعية واشتراكية وتحررية ضدّ أمريكا وإسرائيل، ولكنهم غير صادقين في ذلك.

صلاح الداخل

وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: لقد تحدثنا في الخطبتين السابقتين عن صلاح الإنسان في الداخل من خلال الإيمان واليقين وغير ذلك، مما يتعلق بداخل الإنسان من النفس والقلب الروح والعقل، ثم تحدثنا عن صلاح الخارج، وهو العمل الصالح الذي أكد الله سبحانه وتعالى أهميته في أكثر من 150 آية. واليوم أتحدّث عن عكس هذا الصلاح وهو الفساد، ويكون المطلوب منّا الإصلاح، وهذا الإصلاح يجب أن يشمل داخل الإنسان مما فيه من هذه الأجهزة الغريبة، العظيمة، التي خلقها الله سبحانه وتعالى داخل الإنسان من النفس والقلب والروح والعقل، ثم بعد ذلك اذا اصلحنا هذا الداخل ننتقل في خطبة أخرى إن شاء الله الى كيفية إصلاح الفساد التي يعتري أعمالنا في الخارج.

والإنسان مهما كان، هكذا خلقه الله سبحانه وتعالى من الخطائين “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، والله سبحانه وتعلى أعطى لهذا الإنسان العقل الواسع والإرادة والاختيار، فمن هنا يصول ويجول، ويأخذ الخير والشر، والحق والباطل، ويأخذ المفسدة والمصلحة، سواء كان ظن أن هذه المفسدة هي المصلحة، فيعتري داخل الإنسان، وهو الجوهر، والمحرّك الذي يترتب عليه الخارج، مجموعة من الآفات، والأمراض والمضرّات، وهذه المفاسد، وتلك المضرّات، والآفات، والأمراض، موزّعة على ثلاثة أقسام داخل الإنسان.

الإيمان

قال: قسم من هذا الفساد يتعلق بعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وكنا إذا قلنا إن بداية صلاح الداخل هو الإيمان، فإن هذا الإيمان العظيم بالله سبحانه وتعالى بسبب ضعف الإنسان وغفلته يعتري قلبه الفساد، ويُعبّر عنه من خلال الرياء والنفاق وضعف الحب لله سبحانه وتعالى، ومن خلال أن يكون غير الله أحب إليه، ومن خلال مجموعة من المفاسد والأمراض القلبية الخطيرة التي تمسّ جوهر الإيمان، رغم أنك مؤمن وتشهد أن لا الله إلاّ الله وتشهد أن محمدًا رسول الله، ولكن لا سمح الله لا يزال قلبك ولا يزال داخلك اعتراه هذا الفساد الخطير الذي يمسّ جوهر الإيمان. وهذه الأمور إنما تعالج بمجموعة من الأشياء المضادّة، فإذا كان حب الإنسان لله أقل من حبه لنفسه أو لأولاده أو لأمواله، فإن عليه أن يعالج هذا الجانب بتقوية هذا الحب من خلال الانفاق والتضحيات، لأن التضحيات الخارجية لها علاقة وانعكاسات على داخل الإنسان، فكما ان داخل الانسان له تأثير على الخارج، فإذا كانت نيتك ألاّ تهتم بالاخلاص، ولا بغير ذلك، وإنما تهتم بقضاء مصالحك فقط، حينئذ يترتب على ذلك أنك تنافق الناس، وترائي الناس، وتكذب من أجل مصالحك، لأن هذا الداخل ضعيف، وأن ايمانك ضعيف، وقد يصل هذا الانسان الى مرتبة لا شيء، كما اشار اليه القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى :كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”، فقد فسرت هذه الآية الكريمة أن الإيمان فطري داخل الإنسان، ولكن الانسان حينما يطمع وحينما يكون لديه الشهوات والتطلعات، وحب المال والشهوة الى آخر ذلك، ويأتي الذنوب وتؤدي الى نقطة سوداء، وكلما ارتكبت ذنبا اصبح هناك نقطة سوداء في قلبك، ثم نقطة الى ان يصبح القلب مغطى، وهنا يصبح القلب كأنه مغلف بهذه الشهوات والذنوب والمعاصي، فلا يخترقها حينئذ الإيمان، إلا إذا أراد الله، ولا تخترقه الأعمال الصالحات، حينئذ يكون بمنأى، ويبتعد تمامًا عن كل الخيرات، ويصبح من اتباع الشيطان، ومن حزب الشيطان، ومعاذ الله من الوصول الى هذه المرحلة.

مراجعة القلب

وقال فضيلته:علينا أن نُراجع هذا الجانب دائمًا، وكيف نعالجه اذا كان إخلاصه لله قليل، فعليه دائمًا أن يعود الى نفسه من خلال مجموعة من الأعمال لمعالجة هذه الأمراض، وهي مهمة جدًّا، لأن الأمراض المعنوية التي تتعلق بالرياء والنفاق وغير ذلك أشدّ وأكبر من الأمراض القلوب المادية، لأن قلب الإنسان المادي إذا توقف والإنسان مؤمنًا بالله فبه تنتهي هذه الفترة الوجيزة، وكل إنسان أجله واحد، والموت واحد والأسباب متعدّدة، وإذا عملت عملاً طيبًا فقد ضمن الله لك بفضله ومنّه الجنة، ولكن اذا كانت القلوب مريضة فقد خسرت الدنيا والآخرة.