وقد تكرر لفظ ( أهل ) منكراً ، ومضافاً ، ومعرّفاً كثيراً في الأحاديث النبوية ، فأضيف إلى الأرض ، والاسلام ، والجاهلية ، والعلم ، والقرآن ، والنار ، والجنة ، وإلى الله تعالى ، والقرآن ، والنبي ، والفرائض ، والرجل ، والبيت ، وغير ذلك .


  منها ما يتعلق بموضوعنا : ما رواه الترمذي في تفسير آية المباهلة من سورة آل عمران : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[1] حيث روى الترمذي وغيره أنه : ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً  وحسيناً فقال : ” اللهم هؤلاء أهلي ” )[2] .


   وأما لفظ ( آل ) فقد تكرر أيضاً في السنة مضافاً إلى (محمد) و (إبراهيم) و (أبي بكر) و (قريش) وإلى (كسرى)[3] ونذكر هنا ما يتعلق بالموضوع :




  1. ما رواه البخاري ومسلم بلفظ : (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز برّ).



  2. ما رواه مسلم بلفظ : ( وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه ).



  3. ما رواه الجماعة في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) .



  4. ما رواه البخاري وغيره بلفظ : ( إن آل محمد لا يأكلون صدقة ) .



  5. ما رواه مسلم عن عائشة قالت : ( إنْ كنا ، آل محمد ، لنمكث شهراً ما نستوقد بنار ، إن هو إلاّ التمر والماء )[4] .


  


معنى ( آل النبي صلى الله عليه وسلم ) في السنة :  


 يفهم بوضوح من الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حصر آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة هو : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، حيث إن هذا المعنى كان السائد في عصر الرسالة ، والصحابة ، فقد ترجم الإمام مسلم باب : (تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب دون غيرهم ) ثم أورد  في ذلك أحاديث ، ثم ترجم باباً آخر سماه : باب ( ترك استعمال آل النبي على الصدقة ) فأورد فيه حديثين ، ثم أورد باباً ثالثاً سماه : ( باب : إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولبني هاشم وبني المطلب ) ثم أورد فيه عدة أحاديث[5] .


   قال الحافظ ابن حجر : ( المراد بالآل هنا بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء )[6] .


   ويدل على ذلك ما رواه البخاري بسندهم عن جبير بن مطعم قال : ( مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب ، وتركتنا ، ونخن وهم منك بمنزلة واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيئ واحد )[7] ، وفي رواية أخرى بلفظ : ( إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيئ واحد ، وشبك بين أصابعه ) ، وذلك لأن قريش لما كتبت الصحيفة في مقاطعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، دخل بنو المطلب مع بني هاشم في الحصار في الشعب ، ولم يدخل بنو نوفل وبنو  بعد شمس[8] .


 قال الحافظ ابن حجر : ( وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم ، والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ، وعن عمر بن عبدالعزيز هم : بنو هاشم خاصة ، وبه قال زيد بن أرقم ، وطائفة من الكوفيين …. ، وفيه توهين قول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة ، إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوماً دون قوم ، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة ، وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا )[9] .


 وعلى ضوء ذلك فإن لفظ ( ذوي القربى ) في القرآن الكريم وإن كان عاماً أو مطلقاً إلاّ أنه خصص أو قيد بكونه من بني هاشم وبني المطلب على الأرجح من أقوال أهل العلم ، قال الحافظ ابن حجر : ( إن ذوي القربى : لفظ عام ، خصص ببني هاشم ، والمطلب)[10].


  


لفظ ( ذُوُ الْقُرْبَى ) :  


 فالمراد بذي القربى في اللغة : هي صاحب القرابة ، فالقريب هو الداني في المكان أو الزمان ، أو النسب[11] .


  وقد تكرر لفظ ( ذو القربى ) في القرآن الكريم مفرداً وجمعاً ، مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً ، واستعمل كذلك بدله ( أولو القربى ) بالواد ، وبالياء حسب موقعها ، وحينما ننظر فيها نجد أن معناه قد يراد به العام ، وقد يراد به العام المراد به الخصوص ، فمثلاً قوله تعالى :  (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ …….. )[12] عام لكل قريب لأي شخص ، ولا يقصد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك قوله تعالى :  (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا )[13] وقوله تعالى : (…..وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى …..)[14] وقوله تعالى : (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )[15] وقوله تعالى : (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )[16] وقوله تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى….)[17] وقوله تعالى : (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ… )[18] وقوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ… )[19] .


    ولكن الذي يظهر منه أن المراد بـ ( ذوي القربى ) هم : قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم  في قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ….)[20] وقوله تعالى : (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ… )[21] وقوله تعالى : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[22] ، ونذكر هنا بعض النفصيل حول بعض هذه الآيات :


 1-  قوله تعالى :  (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[23] قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسا عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله تعالى: ( إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد. فقال ابن عباس: عَجِلْتَ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة[24].


 ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، عن شعبة به. وهكذا روى عامر الشعبي، والضحاك، وعلي بن أبي طلحة، والعَوْفي، ويوسف بن مِهْران وغير واحد، عن ابن عباس، مثله. وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والسدي، وأبو مالك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم[25].


 وذكر ابن جرير ، وابن كثير ، والقرطبي في تفسيره أنه : قال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها؛ فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش ، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده؛ فقال الله له: ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلا أن تودوني في قرابتي منكم ؛ أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني ، وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: ( إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد؛ فقال ابن عباس: عجلت ! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بينكم من القرابة.


 وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما أنزل الله عز وجل: ( قل لا أسألكم عيه أجرا إلا المودة في القربي) قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين نودهم ؟ قال: (علي وفاطمة وأبناؤهما) وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي .


 وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها.


وأخرج سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قال: قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم[26].


 2-  قوله تعالى : ( فَمن حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالوا نَدعُ أبناءَنَا وأبناءَكُم ونِساءَنا ونِسَاءَكُم وأنفُسَنَا وأنفُسَكَم ثُم نَبتَهِلْ فَنَجعَلْ لَّعنةَ اللهِ عَلى الكَاذِبينَ)[27] ، أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال “قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب، والسيد، فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد قال: كذبتما، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام. قالا: فهات. قال: حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه إلى الغد، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ بيد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه، وأقرا له، فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا. قال جابر: فيهم نزلت ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم…) الآية. قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة.


 واخرج مسلم و الترمذي : لَمّا أنزل إليه هَذِهِ الآية ( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ) الآية دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلِيّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً، فَقَالَ: اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أهْلِي[28].


 3-  قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا )[29] قال القرطبي في تفسيره : وقال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة قلت: والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلا حسنا؛ فهي عامة  ، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: (ويطعمون الطعام على حبه…. ) ، قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم[30].



 اعلى الصفحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



([1])  سورة آل عمران / الآية 61



([2])  سنن الترمذي ، كتاب التفسير



([3]) يراجع المعجم المفهرس للألفاظ الحديث النبوي مصطلح ( آل ) (1/134)



([4]) صحيح مسلم ، الزهد (4/2282 ) الحديث رقم 2972



([5])  صحيح مسلم ، كتاب الزكاة (2/751 – 756 )



([6])  فتح الباري ( 3/354)



([7])  صحيح البخاري ، مع الفتح (6/244)



([8])  فتح الباري (6/245)



([9])  فتح الباري (6/245 –  246 )



([10]) فتح الباري ( 6 / 246 )



([11])  القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( قرب )



([12])  سورة النساء / الآية 36



([13]) سورة النساء / الآية 08



([14])  سورة النساء / الآية 36



([15])  سورة المائدة /  الآية 106



([16]) سورة الأنعام / الآية 152



([17])  سورة التوبة / الآية 113



([18]) سورة البقرة / الآية 177



([19])  سورة النور / الآية 22



([20]) سورة الأنفال / الآية 41



([21]) سورة الحشر / الآية 07



([22])  سورة الشورى / الآية 23



([23])  سورة الشورى / الآية 23



([24])  صحيح البخاري برقم (4818)



([25])  المسند (1/229)



([26]) يراجع في هذه الأحاديث والآثار : جامع البيان ( 13 /30 ) وتفسير القرآن العظيم ( 4/ 2565)



([27])  سورة آل عمران /الآية  6



([28])  يراجع : تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ( 1/566)



([29])  سورة الدهر/ الآية  8-9



([30])  يراجع تفسير القرطبي ، جامع البيان