جريدة الوطن   

نقدم لقارئنا العزيز مجموعة أبحاث عدة خص به فضيلة الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الوطن ليثري قارئها بفيض من علم وفير ويتطرق في هذه الحلقة إلى قضية من أهم القضايا التي تهم المسلم المعاصر بشأن تعامله مع كل من السياسة والفن وهما محل اهتمام المسلم المعاصر شاء أم أبى في حياته وثقافته واهتماماته..

حيث قال فضيلته: يمكن جمع أصول الأخلاق الحسنة والسيئة في خمسة أصول: – الأصل الأول: التثوى ويعارضها عدم الرقابة والخوف من الله تعالى. – الأصل الثاني: حب الحق والخير والعطاء كله وظواهره السلوكية من الدافع الاجتماعي، ويعارضه والكراهية والحقد والحسد ونحوهما. – الأصل الثالث: الرحمة وآثارها على الداخل والخارج، ويدخل فيها الإحسان واللين والرفق، وسماحة النفس، وفعل الخير مع الجميع، وظواهرها السلوكية في إيصال النفع للآخر، ومنع الشر والشرور والغرر والمفاسد، ويعارضها القسوة والشدة وفعل الشرور والفساد والإيذاء والضرر. – الأصل الرابع: الإرادة القوية وظواهرها السلوكية ويدخل فيها التحمل والصبر وفروعه، وعلو الهمة وفروعه، وظواهره السلوكية. – الأصل الخامس: العدل في التعامل وآثاره، ويعارضه الظلم والعدوان والبغي. الأخلاق في الإسلام غاية عامة وليست وسيلة: إذا نظرنا إلى النصوص الشرعية بدءاً من النصوص الخاصة بالعقائد وإنزال الكتب، وإرسال الرسل، والعبادات والشعائر، إلى النصوص الخاصة بالمعاملات والاقتصاد، والعقوبات وأحكام الأسرة والسياسة والجهاد.. لوجدناها كلها تركز على تحقيق الأخلاق الفاضلة والقيم السامية، والسلوك السليم ليحيا المجتمع في ظل مكارم الأخلاق حياة طيبة، فهي بمجموعها ليست شعبة من الإسلام وإنما هي إحدى الغايات الأساسية له التي تسري في جميع مفاصل الحياة، فهي بمثابة الروح في الجسد، فبدونها يصبح الجسد ميتاً، وكالدماء للجسم، حيث بدونها يصاب بالجلطات المميتة، وكالمياه للزرع حيث بدونها يصبح هشيماً تذروه الرياح. ولذلك يلخص القرآن الكريم أهداف إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الرحمة- الشاملة للإنسان والحيوان والجماد- التي هي قمة الأخلاق والقيم فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ويلخص الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أهداف رسالته في استكمال مكارم الأخلاق وتطبيقها فقال: (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) وذلك اختار الله تعالى أعظم صفة له فقال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ). وأن من أهم أهداف الإيمان بالله واليوم الآخر أن يصل المؤمن إلى مرحلة التقوى والوقاية من الفواحش والأخلاق السيئة، حيث ذكر لنا القرآن الكريم مجموعة من الأمثلة لا يسع المجال لذكرها هنا. أصول الأخلاق ورتبها في الإسلام إن الأخلاق في الإسلام تشمل كل القيم والمثل التي جاءت بها الأديان السماوية، أو أقرتها الفطرة الإنسانية على مرّ التاريخ، ولذلك فهي شاملة وكثيرة، ومتنوعة، ويكفي أن معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تركز على هذه الأخلاقيات، ولكنها يربطها بالإنسان باعتباره هو المنطلق والمنفذ لها، ثم تعود التوجيهات الإسلامية لتركز على ما في داخل هذا الإنسان من القلب والنفس والعقل والروح باعتبارها الأساس والجوهر، بحيث إذا صلح هذا الداخل صلح الجسد كله وإذا فسد، فسد الجسد كله، ويقول الله تعالى في أهمية الداخل في التغيير والإصلاح وتحقيق السعادة والتقدم (وبالعكس): (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وقد دلت التجارب وشهدت الوقائع وبرهنت الحقائق أن الداخل (النفس والقلب) لا يمكن إصلاحهما إلاّ بربطهما بالله تعالى واليوم الآخر، وذلك لأنه ليس هناك قانون دنيوي يستطيع أن يضبط الداخل ويتحكم فيه، أما القوانين فتحكم على الظاهر، وأما الباطن فيخضع لمن هو مطلع عليه وهو الله تعالى وحده. فهذه هي منهجية الإسلام بل جميع الأديان السماوية الحقة في الإصلاح الداخلي التي ظهرت نجاحاته في مجال إصلاح الإنسان، وبالتالي إصلاح الأسرة، فإصلاح المجتمع والأمة والدولة. وبناء على ذلك يمكن إرجاع أصول الأخلاق كلها إلى التقوى. ضبط هذه الأخلاق بأصولها وأما الأخلاق والقيم الإسلامية فكثيرة ويكفي أن نلقي نظرة على أبواب كتب الحديث فنجد أن مئات من الأبواب تتحدث عن الأخلاق مباشرة أو غير مباشرة. وهذه الأخلاق يمكن ضبطها من خلال ربطها بالمقاصد الثمانية كما فعلنا، ويمكن إرجاعها أيضاً إلى الأخلاق المتعلقة بـ: – حسن الصلة والتعامل بين الإنسان وربه. – حسن الصلة والتعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان. – حسن الصلة والتعامل بين الإنسان والحيوانات. – حسن الصلة والتعامل بين الإنسان والبيئة. ومن جانب ثالث فإن هذه الأخلاق والقيم والفضائل والمثل ليست على درجة واحدة من حيث القوة، والنتيجة، والآثار، والعقوبة: 1 – فمنها ما جعله الإسلام من الفرائض والواجبات وأوجب على فعل مخالفتها العقوبات من الحدود والقصاص والتعزيرات. 2 – ومنها ما فرضها الله تعالى، ولكن لم يضع لها عقوبات في الدنيا. 3 – ومنها ما جعلها من الفضائل والمثل العليا مثل: الإيثار.