الراية – الدوحة

أكد فضيلة د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن قضية المسلمين الأولى “القدس والأقصى” تواجه خطرًا كبيرًا بينما نحن منشغلون بقضايا جزئية صغيرة واليهود يعملون بجد من أجل ابتلاعهما.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس إن أي أمة إذا لم تكن مستعدة للتضحية فإنها لا يمكن أن تنجح، مشيرًا إلى أن اليهود مستعدون لبذل كل التضحيات رغم أنهم على باطل، لذلك فقد وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن.

وأوضح أنهم تشرّدوا في البلاد ومع ذلك خططوا لتجميع أنفسهم فاجتمعوا ووضعوا خططًا لذلك ونفذوها وكان لهم ما أرادوا.

ونوه إلى أنهم ما زالوا يسيرون على خططهم التي وضعوها من قبل واستطاعوا بها إزالة مختلف العقبات التي واجهتم، من بينها أحد سلاطين الدولة العثمانية الذي قال إنه لا يمكن أن يمرّر مشروع إلا فوق جسدي وروحي ولا يمكن أن أتنازل عن ذرة واحدة من أرض فلسطين، فأسقطوا الدولة خلال الحرب العالمية الأولى ثم حصلوا على وعد بلفور ثم حرب البوراء ثم بعد ذلك القضاء على ثورة القسام ثم هجومهم واحتلالهم أجزاء من مصر.

خطط يهودية

وأشار إلى أن اليهود يخططون منذ فترة لهدم الأقصى ويعملون لأجله بخطة تدريجية تبدأ بحفر الأنفاق تحته للوصول إلى ما يسمونه الهيكل، وهو الهيكل المزعوم لسيدنا سليمان الذي لا يوجد أي دليل تاريخي أو أثري يشير إلى أن هناك هيكلاً في هذا المكان الذي فيه المسجد الأقصى، ولكنهم يدّعون ذلك وبدأوا ذلك من خلال حفريات كبيرة جدًا وكاد المسجد الأقصى أن ينهار ولكن الله حماه.

وأضاف بدأ اليهود بعد ذلك بتدمير أكثر من 26 ألف منزل من منازل المقدسيين ولم يسمحوا لهم بعودة أصحابها وبنوا أكثر من 100 ألف وحدة سكنية في هذه الفترة لتهويد المنطقة ونحن المسلمون نائمون ولا نتكلم إلا من خلال التنديدات والبيانات، لذلك قال أحد الصهاينة لأحد الشيوخ حينما قبض عليه، كم ينفق العرب والمسلمون على القدس؟، فقال الشيخ نحن نجمع 5 ملايين أو أكثر، فقال الصهيوني نحن خصّصنا لتهويد القدس سنويًا خمسة مليارات من الدولارات، بل إن صهيونيًا خصص في سنة واحدة 13 مليار دولار لبناء المستوطنات، فقال كيف تستطيع 5 ملايين دولار سنويًا أن تغلب على خمسة مليارات فضلاً عن صمودهم من الداخل والخارج؟.

 
القضية خطيرة

وشدّد فضيلته على أن الذين يدافعون اليوم عن الأقصى هم من المقدسيين لا سيما النساء المجدات المجاهدات اللائي يدافعن بأعراضهم وأجسادهن وجهودهن رغم الإيذاء والتعذيب، ولكنهن يقفن موقفًا أشرف وأكبر من ملايين الرجال الذين لا تهمهم قضية ولا تهمهم قضية القدس.. وقال: إن هذه القضية قضية خطيرة والمحتلون يسيرون عليها بخطة ثابتة وبتدرّج وقد فعلوا ذلك مع المسجد الإبراهيمي في الخليل فكانوا في الأول يضايقون ثم قسّموا وسيطروا تمامًا على أهم الأجزاء الموجودة في المسجد فسكتنا وسكت العالم والجامعة العربية انشغلت بقضاياها وبنفسها وكذلك منظمة التعاون الإسلامي انشغلت بالجزئيات والأمة مشغولة بنفسها.

ونسينا ذلك..

وتابع: اليوم أيضًا وبنفس التخطيط ولكن بأموال هائلة وبعزم وإصرار كبير من الصهاينة ومن حكومة الاحتلال المجرمة التي تصر أن تستحوذ على قبلتنا الأولى فكيف نحس بالراحة والكرامة إذا كان مسجد الأقصى هكذا يفعل به الصهاينة فأي إهانة أكبر من هذه الإهانة التي تنال من العرب والمسلمين أمام خمسة ملايين من الصهاينة أو اليهود الموجودين داخل هذه الأراضي المحتلة أو غيرها.

الأضحية الحقيقية

ومضى فضيلته إلى القول: لا يجوز أن تبقى الأمة بهذه الصورة، لذلك إذا كنا نهتم بالتضحية والأضاحي فأضحيتنا الحقيقية هي القدس تضحياتنا الأساسية هي التضحية بالنفس والمال “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم”.

وشدّد على أن ذلك لن يتم إلا بصفقة مع الله تعالى نبيع فيها أنفسنا التي هي مملوكة لله وأموالنا التي هي مملوكة لله وجزاؤنا الجنة، فهل هناك صفقة أكثر ربحًا من هذه الصفقة؟، فالأموال أموال الله والأنفس لله ومع ذلك يعطيك الله هذا الأجر، وقد بيّن الله ذلك بأن النصر لا يمكن إلا مع التضحية وأن الذل لا يمكن أن يذهب إلا بالتضحية في نصوص مثيرة من القرآن الكريم حيث يقول الله في سورة الصف “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”

وأكد أن النصر والفتح القريب والمغفرة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالتضحية والفداء والأضحية تذكرنا بهذه “وفديناه بذبح عظيم” وبقية التضحية بالنفس والمال في سبيل الله تعالى والله بيّن قبل هذه الآية في سورة الصف بأن هذا الجهاد يجب أن يكون معه وحدة الصف “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا” ولم يقل رب العالمين صفوفا بل صفًا أي صفًا واحدًا “كأنهم بنيان مرصرص” هكذا المطلوب أن تكون أمتنا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ويكون الحكام مع الشعوب.

وذكر فضيلته أن الشعوب مع الحكام ولا يجوز أن تنفصل إرادة أولياء الأمور وأولياء القيادة عن إرادة الشعب، يفكرون تفكيرًا والشعوب يفكرون تفكيرًا آخر والشارع الإسلامي يقف مع هذه القضية وهم لا يقفون معه فهذا لا ينبغي ولا يجوز ولا يقبل شرعًا ولا عقلاً ولا طبعًا ولا في أي ميزان من ميزان العقل والفطرة السليمة..

 
مسؤولية الحكام

وقال: الحكام مسؤوليتهم كبيرة أمام الله سبحانه وتعالى، وكذلك بقية مكونات الأمة العلماء، وعليهم أن يصدعوا بالحق، وعليهم أن يبيّنوا الحق وأن يحرّضوا على أداء هذا الواجب وكذلك الأغنياء يجب عليهم أن يدفعوا من أموالهم جهادًا بالمال والنفس، والإعلاميون عليهم جهاد الكلمة، وكل بقدره عليه واجبات نحو هذه القضية، وهي ليست قضية بسيطة بل هي قضية قبلتنا الأولى، والمسجد الأقصى بالإضافة إلى أهمية هذا المسجد فالله ما باركه فقط، وإنما بارك ما حوله لبركة هذا المسجد.

 
واجبنا كبير

وأكد أن علينا واجبًا كبيرًا، وكل على قدره، مشيرًا إلى أن هناك واجبات يمكن أن نؤديها مثل دفع الأموال لكفالة المرابطين والمصاطب العلمية.

وقال: إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تبنى مع جمعية قطر الخيرية حملة لحماية هؤلاء المرابطين والمرابطات لتأمين عيش مناسب ليعيشوا عليه ليدافعوا عن الأقصى.

ونوه إلى أن من لم يستطيع أن يذهب ويدافع عن القدس فعليه أن يرسل الزيت كما في الحديث فزيت القدس اليوم الجهاد والتضحية والأموال التي تبذل في سبيل حماية القدس بجميع الوسائل المتاحة.