الدوحة – بوابة الشرق
قال د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن ما حدث خلال الأمطار قبل يومين كشف العديد من الأمور التي أقلقت الرأي العام.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: إن هذا البلد مسؤوليتنا جميعا، مواطنا أو مقيما، فليس عندنا في الشرع فرق بين الناس في إحقاق الحق وإبطال الباطل والحفاظ على موارد الدولة.
وأكد أن الاعتداء على أموال الدولة أشد من الاعتداء على أموال الفرد، لأن الدول لكل الناس، إذ شاع بين الناس أن أموال الدولة كلأ مباح هذا غير صحيح، ولا يجوز، فأموال الدولة أموال الجميع يجب أن يحافظ عليها، ويجب أن نكون مراقبين مساندين للإصلاح وللرقي والسمعة، هذا من الأمانة التي حملنا في أي بلد كنا، فكلنا مسلمون وغير مسلمين الذين يعيشون في هذا البلد لهم حقوق وعليهم واجبات.
أداء الأمانة واجب
وقال فضيلته في خطبة الجمعة إن أداء الأمانة واجبنا حتى ننهض ببلدنا ونساعد القيادة في ترقية هذا البلاد، حتى يصبح البلد متميزا بأعماله وأنشطته وبمواقفه الطيبة. فاليوم سمعنا بالمواقف الطيبة للإصلاح بين إخواننا الليبيين وفعلوا ذلك في لبنان والسودان.
وأضاف “من المصائب التي وقعت خلال هذا الأسبوع أن أوضاع العالم الإسلامي تزداد سوءاً والبلد في المنطقة تقريبا ما عدا الخليج، فيراد أن تجر تركيا المستقرة إلى الفوضى الخلاقة ليستفيد منها المشروع الصهيوني والإقليمي الخطير الذي يتمدد على حسابنا وكل هذه المشاكل لإبقاء هذا الظالم الأسد على كرسيه وضحية بقائه أكثر من 440 ألف شهيد وقتيل، وحوالي مليون 700 ألف جرحى و10 ملايين مهاجر، وكل يريد أن يزداد الأمر سوءا، لذا علينا أن ندعو إلهنا بتضرع أن ينصر الإسلام والمسلمين”.
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: خلق الله هذا الإنسان على أحسن التقويم، وميّزه بصفات لا توجد في غيره، حيث خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأعطاه الإرادة والعقل والاختيار، ثم أنزل الله عليه الكتب والرسالات، وأرسل منه، من بني البشر، الرسل والأنبياء، كل ذلك حتى يكون هذا الإنسان حافظاً لأماناته ومؤدياً لها التي أشفقت منها الأرض والسموات والجبال وحملها الإنسان (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
وقال إن الإنسان يظن أن حمله للأمانة يجعله عادلاً، إنه جاهل، وحمله لهذه الأمانة يجعله عالماً، كل ذلك لتحقيق مهمة الاستخلاف التي كلفه الله سبحانه وتعالى بها (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
مقومات الاستخلاف
ولفت إلى أن من أهم مقومات الاستخلاف والحضارة والتعمير هو حفظ الأمانات، فأي أمة لا تستطيع الحفاظ على الأمانات لن تكون قادرة على تحقيق الاستخلاف، وتحقيق هذه الوظيفة، وأداء هذه الرسالة التي جعل الله وأناط هذه الرسالة بالإنسان.
وقال فضيلته: من هنا تأتي أهمية هذه الأمانات، وهذه الأمانة التي ذكرها القران الكريم وذكرتها هذه الأية الكريمة كما يقول المفسرون هي تشمل جميع الأمانات، تشمل جميع ما أؤتمن عليه الإنسان من حقوق الله ومن حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وحقوق الإسلام بالتبليغ والدعوة وحمله بالصورة المشرفة المشرقة ومن حمل الأمانة نحو الوالدين وحمل الأمانة نحو المسلمين والبشر أجمعين، بل حمل الأمانة نحو الحيوان والبيئة وهذا الكون.
الأمانة الشاملة
ورأى أن الأمانة الشاملة أمرنا الله سبحانه بالحفاظ عليها وحذرنا الله أشد التحذير من الانفلات عنها، ومن المساس بها، لأن أي مساس بهذه الأمانة سيكون خيانة، والخيانة عقوبتها عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان أعظم وصف للرسول هو وصف الأمانة فقد كان يوصف ويلقب حتى قبل الرسالة بأنه الصادق الأمين، ولمّا بُلّغ بالرسالة دعا الى التوحيد وإلى حفظ الأمانة معاً، لأن توحيد الله هو أهم حق علينا نحو الله، والأمانات هي من أهم الحقوق التي كلف الله الإنسان المسلم بحملها وأدائها..إن طريق الجنة مشروط فيه أن يكون محافظأ على الأمانات وعلى العهود (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ثم ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وفي سورة المؤمنون جعل الله الحفاظ على الأمانات والعهود من أهم شروط الفلاح في الدنيا والآخرة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ثم قال بعد ذلك (الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، فالرعاية تأتي بعد الحفاظ ، تأتي بعد الحمل، يتحمل الإنسان الأمانة ثم بعد ذلك يحافظ عليها ثم يوجب الله عليه ليس الحفظ فقط وإنما المراعات، فكما يحافظ الإسنان على نفسه وعلى ماله فيجب عليه أن يحافظ على الأمانت بكل ما تعني هذه الكلمة.
الخيانة مخالفة للإيمان
وقال إن الخيانة ضد الإيمان، ولاسيما الإيمان الكامل وكذلك فهو مخالف ومتناقض لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بيّن الرسول في حديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني» وفي رواية «من غشنا فليس منا» وفي رواية «ليس منا من غشنا»، فليس من منهج الرسول وليس من أتباعه الحقيقيين، وقد لا يقصد به الكفر وخاصة إذا لم تكن الخيانة خيانة مع الله، لأن خيانة الأمانات قد تصل إلى الكفر، فهؤلاء لا يستحقون أن يكونوا من أتباع النبي ولا يستحقون أن يسقوا من يديه المباركوة شربة ماء على الكوثر، لذلك أتى في حديث صحيح أن أناسا مسلمون يذهبون إلى النبي يوم حوض الكوثر فيردهم الرسول ولا يعطيهم ، مسلمون مؤمنون لكنهم غاشون خائنون، واضروا بالناس ولم يسيروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم.
الغش والحقوق
وذكر د . القرة داغي أن الغش شامل لكل الحقوق، شامل لحقوق الله وشامل لحقوق الرسول ولحقوق العباد، ولكننا اليوم نتحدث عن الغش في حقوق العباد، فالغش موجبة لغضب الله تعالى ومن آثاره دناءة النفس والبعد عن الله، وحرمان إجابة الدعاء ودليل على نقص الإيمان وضعفه وسبب لتسليط الأعداء.