الوطن – الدوحة

الإرهاب الدولي هو العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي – بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة- فيسمى إرهاباً دولياً.

الإرهاب الدولي ينحصر في دائرة الإرهاب السياسي الذي يكون له هدف معين يراد تحقيقه من خلال استخدام طرق عنيفة

ومن جانب آخر فإن مصطلح الإرهاب في اللغة العربية ومرادفها في اللغات الأخرى مصطلح واسع يشمل كل تخويف ورعب بحق، أو دون حق، وبالتالي فيشمل كل استعمال غير مشروع للقوة، وكل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، ولذلك اختلف فيه علماء القانون الخاص والعام.

إنه بلا شك توجد جرائم كثيرة حتى في القانون في النطاق الدولي تحدث الرّعب والخوف مثل جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنساية، وجرائم ضد السلم وأمن البشرية، وجرائم اعتداء دولة على دولة، وجرائم اعتداء الدولة على مواطنيها، فهل يدخل كل ذلك في الإرهاب الدولي ؟ مع أنها داخلة في الجرائم الدولية.

للإجابة عن ذلك نقول: إن علماء القانون الدولي قد اختلفوا بين موسع ومضيق، ومتوسط، ونحن هنا في هذا البحث لا تسمح طبيعة البحث بالخوض في تفاصيل هذه النقاشات، وإنما نذكر بعض التعاريف للوصول إلى التعريف الذي نختاره.

فقد عرف ويلكنسون WILKINSON الإرهاب بأنه: ارتكاب العنف المتطرف لأجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة يضحي من أجلها بجميع المعتقدات الإنسانية والأخلاقية.

وبناء على ذلك فإنه يشمل: الإرهاب الحربي من خلال استخدام الأسلحة، والتدابير القمعية، والإرهاب الثوري للاستيلاء على السلطة بالقوة، ونحوها.

ويرى فريق آخر أنه: لا بد من تمييز الإرهاب الدولي عن العنف والكفاح المسلح ضد الاحتلال والغزاة، والأحزاب الفاشية التي سيطرت على الحكم بالقوة والانقلاب.

ويلخص جونز بورج GUNZBURG عناصر الإرهاب الدولي في الاعتداء على رئيس دولة، أو أحد أعضاء الحكومة في الخارج، وعلى خدمة عامة متعلقة بتشغيل حركة المواصلات الدولية مثل خطف الطائرات.

وقد حصر الدكتور صلاح الدين مفهوم الإرهاب الدولي في استخدام العنف المنظم لتحقيق هدف سياسي.

ويصل الدكتور رفعت، والدكتور الطيار بعد مناقشات مستفيضة إلى تعريف الإرهاب الدولي بأنه: استخدام طرق عنيفة كوسيلة، الهدف منها الرعب للإجبار على اتخاذ موقف معين، أو الامتناع عن موقف معين.

ثم بيّنا ملامح ذلك من خلال أن الإرهاب الدولي وسيلة وليس غاية، وأن وسائله متنوعة، وأنه يحدث عن وجود مشكلة سياسية، أو نحوها، فيكون أمامها فريقان مختلفان، وغالباً ما تكون هنا أسباب سياسية لهذه الجرائم مثل عدم مراعاة حقوق الأقليات، وعدم الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم احترام حقوق الإنسان.

وبناء على ذلك فإن عناصر الإرهاب هي:

(1) عنف موجه إلى شخص، أو أشخاص، أو رهائن.

(2) أن يكون منفذ العمل قاصداً إثارة حالة من الرعب والفزع لمجموعة من الأفراد بعيدين عن مسرح العمل الإرهابي.

(3) أن يكون منفذ العمل متوقعاً أن هؤلاء الأفراد سيحققون له مطالبه، أي أن يكون له هدف يريد تحقيقه من خلال الإرهاب.

(4) أن تتسم الجريمة بالطابع الدولي، أي أن تكون قد وقعت في أكثر من دولة، أو أن يكون ضحايا العمل ينتمون إلى دول مختلفة.

وفي ضوء هذا التعريف فإن الإرهاب الدولي ينحصر في دائرة الإرهاب السياسي الذي يكون له هدف معين يراد تحقيقه من خلال استخدام طرق عنيفة، وبذلك فإنه لا يشمل عدوان دولة على دولة، ولا يشمل كذلك جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، لأن لكل واحدة من هذه الجرائم خصوصيتها وعقوبتها في القانون الدولي.

مرجعية جرائم الإرهاب في ضوء مبادئ الشريعة:

والذي نرى رجحانه في هذا الشأن هو أن: جريمة الإرهاب الدولي ترجع إلى جريمتين في الشريعة الإسلامية، وهما: جريمة الفساد والحرابة – بمعناها الواسع-، وجريمة قتال الدولة الشرعية والإضرار بها وبمؤسساتها من خلال العنف المسلم الموجه إليها، وهي التي تسمى في الفقه الإسلامي بجريمة البغاة.

وفي ضوء ذلك نستطيع أن نعرف الإرهاب الدولي بأنه: العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي – بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة – فيسمى إرهاباً دولياً.

والعنف هنا: جنس عام يشمل: العنف الفعلي، أو الحكمي الذي يتحقق بالتهديد الجاد لمن له قدرة على التنفيذ.

والعنف لغة: مصدر عَنُف- بضم النون-، فيقال: عنُف به، وعليه، وأعنفه، وعنّفه – بشد النون- أي أخذه بقسوة وشدة، واعتنف الأمر أي أخذه بعنف، فهو عنيف، وجمعه عُنُف- بضم العين والنون-، ويقال: عُنفوان الشباب، لأنه مظنة القوة والعنف.

ومن هنا فالعنف هو عمل غير مشروع في اللغة، وفي الشرع، وبالتالي فلا يحتاج إلى زيادة وصف له بغير المشروع ولو وصف به لكان تأكيداً لإخراج المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، حيث وردت أحاديث في العنف منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شئ إلا زانه، ولا نزع من شيء إلاّ شانه ومن المعلوم لغة وشرعاً أن العنف هو ضد الرفق، فإذا نزع الرفق حلّ محله العنف، بالاضافة إلى الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، على حرمة الايذاء والإضرار بالآخر بأي وسيلة قولية أو فعلية أو حتى بالإشارة.

ثم إن العنف هنا مقيد بأن يكون مسلحاً أي باستعمال القوة، أو التهديد الجديّ بها.

وتقييده بـ الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة للاحتراز به عن العنف الفردي الموجه إلى الأفراد لغايات خاصة مثل النهب والسرقة والثأر، فهذه غير داخلة في الإرهاب الدولي.

وقولنا: بأي وسيلة تحقق الإضرار لتشمل جميع الوسائل والطرق والتصرفات القولية والفعلية، وحتى الإشارة التي يترتب عليها إيذاء وإضرار.

ثم إن التعريف لم يحدد مصدر العنف، ولذلك ليبقى على إطلاقه ليشمل الدولة والفرد والجماعة، وبالتالي فالدولة حينما تتعامل بالعنف غير المشروع نحو مواطنيها، أو مؤسسات المجتمع الأهلي مثل الأحزاب السياسية، والجمعيات الخيرية، والحقوقية فهي داخلة في الإرهاب أو الإرهاب الدولي، وكذلك الأفراد والجماعات حينما تتعامل مع الدولة أو المجتمع، أو مؤسساته بعنف فهي داخلة في الإرهاب، وكذلك حينما يوجه العنف غير المشروع إلى المؤسسات الدولية، أو الخدمات العامة مثل خطف الطائرات، وتدمير السفارات، واحتجاز الرهائن، أو اختطافهم، والتفجيرات في الأماكن العامة…، كل ذلك داخل في الإرهاب الدولي، أو حسب مصطلحنا الفقهي الخاص بمفهوم الحرابة والفساد في الأرض.

وكذلك إذا قام شخص طبيعي، أو اعتباري ضد دولته الشرعية باستعمال السلاح وإحداث الأضرار للمواطنين، وغيرهم دون الركون إلى الحوار المتاح فهو داخل في الإرهاب الدولي.

وكلّ هذه التصرفات داخلة في مفهوم الشريعة لجريمة الحرابة والفساد في الأرض، وجريمة البغي في الأرض.

عقوبة الحرابة والفساد في الأرض:

لقد شرع الله تعالى لقطع دابر الفساد في الأرض، ولمنع الاعتداء على أمن المجتمع عقوبة تعد على الاطلاق أشد العقوبات إذ يقول تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ودون الخوض في التفاصيل الفقهية فإن الفقهاء مجمعون على حرمة الحرابة والفساد في الأرض بل من الكبائر الموبقات، موجهة نحو المجتمع، وليست جريمة ذات طابع فردي، ولذلك ليس لأولياء المقتول الحق في عفو المحارب المفسد، وإنما الحق للدولة من قبل القدرة عليهم، ثم اختلفوا هل هذه العقوبات موزعة حسب نوعية الجريمة، فإن قتل فقط يقتل، وإن قتل وأخذ المال عنوة قتل وصلب، وإن أخذ المال قطع فقط، وإن قام بالتخويف والرعب سجن، أم أن الدولة مخيرة حسب المصالح في اختيار أي عقوبة ما دامت الحرابة قد تحققت.

فالحرابة مبناها على الرعب، والإرهاب، وأنها خروج مسلح، أو استعمال للقوة لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، والإخلال بالأمن والأمان والقانون، والنظام العام، وأنها عادة تتحقق بخروج مسلحين يقطعون الطريق ويحدثون الفوضى، ويسفكون الدماء، ويهلكون الحرب والنسل ويعتدون على إحدى الكليات المقصودة في الإسلام من الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل والعرض، فقال تعالى في وصفهم: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).

ويدخل في مفهوم الحرابة عصابات القتل، والخطف، والسطو على البيوت، أو البنوك، وخطف النساء للفجور بهنّ، واغتيال المسؤولين ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن وإتلاف الزرع وقتل المواشي والدواب، ومن يقوم بالتفجيرات بين المدنيين ونحوها من الجرائم التي تحدث الفزع داخل المجتمع.