يختص فضيلة الشيخ الأســــتاذ د. علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث والحـائـز على جائزة الدولة، والخبير بالمجامع الفقهية الوطن بعدد من الكتب والدراسات والأبحاث العلمية التي عكف عليها خلال الفترة الماضية ليكون قارئ الوطن أول من يطالعها ويستفيد منها.. وأول هذه الكتب هو هذا الكتاب: «قضايا المرأة والديمقراطية: دراسة في الفقه والفكر السياسي الإسلامي».. وفيه يتناول فضيلته عدداً من القضايا الكبرى التي تخص المرأة مثل: المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.. ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية الشاملة وتولي المرأة الوظائف السياسية العامة رئاسة الدولة، أو البرلمان، ورئاسة مجلس الوزراء، والوزارة والقضاء ونحوها.. وحق المرأة في الانتخاب والترشيح للبرلمان.. وسوف يصل في نهاية دراسته هذه إلى نتائج مهمة توصل إليها فضيلته.. وها هي الحلقة الثالثة: وإضافة إلى ذلك فكان الزمن له دوره في التأثير في الفتاوى الاجتهادية، حتى عقد الإمام ابن القيم فصلاً مهماً من كتابه القيم أعلام الموقعين عن ربّ العالمين خصصه لتغيير الفتاوى بتغيير الأزمنة والأمكنة، والأحوال والنيات والعوائد، وقال: هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الجد إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتمّ دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، حاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحنه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

ومن هذا الباب كثير من الفتاوى الصادرة المتعارضة في الظاهر من علمائنا الأعلام، حيث نجد لهم جميعاً آراء متنوعة، وروايات مختلفة وأقوالاً متعارضة في الظاهر، فهذا الإمام الشافعي حينما دخل مصر أعاد النظر في جميع ما كتبه، حتى يقول تلامذته إنه أعاد كتابة كل ما كتبه قبل دخوله مصر إلاّ كتاب الصداق، فظهرت له أقوال جديدة في مقابل أقواله القديمة.

ولكن معظم العلماء في العصور المتأخرة لم يستفيدوا من هذه القدوة المباركة، فصدرت منهم فتاوى متعجلة في عصرنا الحاضر بمنع البنات من التعليم الابتدائي والثانوي، ثم التعليم الجامعي، ثم لما صار ذلك أمراً واقعاً صدرت الفتاوى بجوازه، وكان المفروض أن تصدر الفتاوى منذ البداية بحل ما هو حلال مع وضع الضوابط الشرعية المطلوبة.

وهذا ما نراه أيضاً في مسألة المشاركة السياسية للمرأة، حيث وقف بقوة وعزم معظم الفقهاء ضد ذلك في بداية الأمر، ثم بدأت الفتاوى تترى فتجيز ذلك.

فقد كانت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة رئيسها الشيخ محمد عبدالفتاح العناني رحمه الله، قد أصدر فتوى مطولة في رمضان 1371هـ الموافق 1952م بشأن: «حكم الشريعة الإسلامية في اشتراك المرأة في الانتخاب للبرلمان» بدأت بتمهيد جيد وذكر فيها: إن طبيعة الاجتماع تقضي باختلاف الآراء وتشعب الأفكار.. ثم انتهى بعد مناقشات وأدلة مستفيضة إلى أن المشاركة السياسية للمرأة بأن تكون عضواً في البرلمان، وأن تشترك في انتخاب من يكون عضواً فيه من الولاية العامة، لأن البرلمان هو المختص بولاية سنّ القوانين، وبالتالي فلا يجوز للمرأة كلا الأمرين السابقين استناداً إلى الحديث الصحيح المعروف الذي رواه البخاري، وأحمد والنسائي والترمذي بسندهم عن أبي بكرة قال: «لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس ملكوا ابنة كسرى فقال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة، فقالت الفتوى: ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة…..».

ثم تغيرت الفتاوى في الأزهر الشريف، وفي العالم الإسلامي اليوم نحو الإجازة، حيث يتجه معظم علماء المسلمين، والحركات الإسلامية إلى جواز المشاركة السياسية للمرأة بكونها عضواً في البرلمان، أو منتخبة لأعضاء البرلمان بضوابط شرعية.

وكان من أواخر المعارك السياسية والفقهية حول المشاركة السياسية للمرأة ما حدث في الكويت، حيث كانت المادة الأولى من قانون رقم 35 في 1962م تقصر حق الانتخاب على الذكور ممن بلغوا سنّ 21 سنة دون الإناث، وكان هذا التوجه مؤيداً بفتوى لجنة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية، وبتوجيه معظم الإسلاميين، والتوجه القبلي في البرلمان، ثم صدر مرسوم أميري في عام 1999م بإعطاء المرأة الكويتية حق الانتخاب والترشيح، ولكن البرلمان رفضه بالأغلبية، ودامت المعركة فأشغلت معظم ساحات المجتمع إلى أن حسمت في البرلمان نفسه في أواخر عام 2005م لصالح مشاركة المرأة في الانتخاب والترشيح مع اشتراط التزامها بآداب الشريعة، وتأييد التوجه الأخير أيضاً بفتاوى من الفقهاء داخل الكويت وخارجها.

وهذا التعارض الواضح في الفتاوى- مهما حاولنا تبريرها- فإنما يدل على أنها لم تدرس دراسة عميقة، بل كانت متأثرة بالظروف والتقاليد، ولذلك حينما تغيرت، تغيرت الفتوى، كما أنها تدل على أن مثل هذه الفتاوى لم تكن قائدة، بل كانت تابعة، وكان المفروض أن تكون الأولى وليست الثانية.

نحو منهجية دقيقة في بحث هذا الموضوع

وإذا نظرنا إلى التأريخ الإنساني وتجاربه نرى أن أكبر المشاكل والمصائب تكمن بين طرفي الأمر: الإفراط والتفريط، فإما أن يفتح الباب على مصراعيه دون قيود ولا ضوابط فيؤدي ذلك إلى الفوضى الشاملة، أو يغلق الباب غلقاً محكماً، ويسدّ بالمسمار لمنع أي تسرب حتى للهواء الطلق، فيفسد ما في داخله.

ومن جانب آخر فإن الإفراط، أو التفريط نفسه إنما يحدث لدى التحقيق وفي معظم الأحيان بسبب النظرة الأحادية إلى الشيء، والانحسار في دائرة واحدة أو زاوية واحد أو حتى مجموعة من الزوايا، ولكن دون نظرة شمولية جامعة تحيط بذات الشيء وواقعه ومقاصده، ووسائله، وبما يترتب عليه من نتائج أو ما يسمى بفقه الواقع، وفقه المآلات، وسد الذرائع.

ونحن نحاول في هذه المسألة الخطيرة أن نطبق هذه المنهجية القائمة على النظرة الشمولية الجامعة على ضوء النقاط الآتية:

أولاً ـ المرأة باعتبار إنسانيتها، وحقوقها الإنسانية مساوية للرجل تماماً، فهي مُكَرَّمّةٌ مثل الرجل وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ولفظ بني آدم يشمل الذكور والإناث بالإجماع، فلا يجوز التقليل من شأنها، ولا التمييز بينها وبين الرجل في كرامتها، والحفاظ على حقوقها، وأمام القضاء، وفي حريتها الفكرية والدينية والتعبدية، وحتى إنها تزيد على الرجل في أنها لا يجوز قتلها في ساحات القتال، ولا بسبب ردتها عند الحنفية حيث تحبس.

وكذلك فهي مساوية للرجل في أهليتها المالية الكاملة وجوباً وأداءً التي لم تصل إليها التشريعات والقوانين إلاّ في القرن العشرين، بل حتى في أهليتها الشخصية حيث لها القدرة على تزويج نفسها وغيرها عند جماعة من الفقهاء قديماً وحديثاً.

فالمرأة في الإسلام ليست تابعة لا في دينها ولا في نسبها، ولا في أهليتها وأموالها لأحد، حتى ولا لزوجها- كما هو الحال الآن في الغرب- بل هي الجزء المكمل للحياة الإنسانية، ولذلك سماها الله تعالى مع الرجل: الزوج، والزوج يتكون من عددين متساويين، لها الحرية الكاملة مثل الرجل في فكرها، وإرادتها، واختياراتها.

ولكن الحرية في الإسلام ليست مطلقة لا للرجل ولا للمرأة، بل منضبطة بضوابط القيم العليا والأخلاق الفاضلة.

فهذه المساواة هي التي منحها الإسلام دون مطالبة من اتحاد نسائي أو مظاهرات في الوقت الذي كانت المرأة ينظر إليها باعتبارها شراً لا بدّ منه، أو متاعاً يورث، فقال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر وصية له: ألا واستوصوا بالنساء خيراً……..».

ثانياً: هل المرأة مثل الرجل في كل شيء؟

الجواب الطبيعي والواقعي الذي لا يختلف فيه اثنان هو أنه: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ولا الأنثى كالذكر.

هذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد لا عقلاً ولا طبعاً كياناً وخِلقَة، ولا من حيث وظائف الأعضاء الفسيولوجي من النواحي الآتية:

1 – الرجل يتكون عند الخِلقة من Y+X في حين أن المرأة تتكون من X+X

2 – الاختلاف على مستوى الخلايا، فالحيوان المنوي له رأس مدبب، وعليه قلنسوة مصفحة، وله ذيل طويل سريع الحركة يسعى للوصول إلى هدفه أو يموت، أما البييضة فهادئة ساكنة، باقية في مكانها لا تبرحه منتظرة للحيوان المنوي السعيد الذي ينجو بين مئات الملايين من الحيوانات المنوية، إذن فكل واحد من الحيوان المنوي الخارج من الرجل وبييضة المرأة يعبر عن خصائص صاحبه.

3 – الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء، والخلايا، يقول الدكتور البار: «والفرق تراه في الرجل البالغ، والمرأة البالغة، كما تراه في المنوي والبويضة.. ليس في ذلك فحسب، بل ترى الفرق في كل خلية من خلايا المرأة، وفي كل خلية من خلايا الرجل، وإذا أردنا أن نقلب الموازين- وكم من موازين قد قلبناها- فإننا نصادم بذلك الفطرة التي فطرنا الله عليها، ونصادم التكوين البيولوجي والنفس الذي خلقنا الله عليه».

وحتى في مجال الدم فإن الخلايا الدموية البيضاء للرجال بين 4000 و8000 كرية /مم3، وللنساء 4000 و7000 كرية/ مم3….

4 – الفروق الهرمونية وعمل الغدد الصماء، فمثلاً للرجل الخصية التي تفرز الهرمونات المذكرة تستستيرون وللأنثى المبيض التي تعتبر من وظيفتها الرئيسية: تكوين وطرح البييضات، وإفراز الهرمونات الأنثوية «الاستروجين، البروجسترون، الريلاكسين».

فهرمون الاستروجين يعتبر مسؤولاً عن زيادة وتكاثر الأنسجة ومسؤولاً عن تركيز الشحم للمرأة وإلى زيادة الشعر في فروة الرأس وتقليله في الجسم، في حين أن هرمون التستستيرون في الرجل يؤدي إلى تركيز البروتين في العضلات، كما أن هرمونات الرجولة أكثر ميلاً للعدوان من هرمونات المرأة.

5 – الحيض الذي تتراوح مدته من يوم وليلة إلى سبعة أيام، والذي له علاقة مباشرة بالتركيب الجسدي والنفساني للمرأة، حيث ينخفض الخصاب الدموي قليلاً، كما ينخفض تعداد الكريات الحمراء، وتركيز جديد للمصل الدموي، أما أثناء الطمس أي ما بين 2-7 أيام أي 5 أيام في الغالب فتنخفض مقاومة البدن العامة مع انخفاض معتدل في عدد الكريات البيضاء، وارتفاع سرعة التنقل الدموي، ومن آثار ذلك التوتر العصبي والنفسي، وسرعة الإثارة، والكآبة، والقلق، وقد تصاب بعض النساء بالصداع النصفي، وفقر الدم «الأنيميا» بسبب النزف الشهري الدموي حيث تفقد ما بين 60 ملل و240 ملل، وإصابة الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض، كل ذلك له دوره في العمل والتفكير والإنتاج وصدق الله تعالى إذ يقول: «وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ» ولذلك خفف الله تعالى عليها الصلاة فلا تصلي أثناء الحيض ولا يجب عليها القضاء، وكذلك تؤخر الصيام.