الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. فينتهز الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرصة حلول عيد الفطر السعيد، ومضي شهر الصفاء والبركات ليوجه إلى الأمة الإسلامية بكل مكوناتها قادة وعلماء ومفكرين وغيرهم أجمل التبريكات والتهاني مع أخلص الدعاء، ويذكّر الاتحاد بهذه المناسبة بما يأتي:
أولاً: أن الأمل في الأمة الإسلامية التي صامت هذا الشهر الفضيل، وقامت لياليها أنها قد استفادت فعلا فتغيرت نفوسها نحو الأحسن، فصفت نفوسها فكرهت المعاصي والذنوب والمنكرات وأحبت الطاعة والخيرات، وسمت أرواحها بالقرآن الكريم، وامتلأت قلوبها بالتقوى وحب الإحسان، ونشطت عقولها واتجهت نحو ما ينفعها في دينها ودنياها، ويحقق مصالحها العامة، وحينئذ تحقق المقصد الأسمى من صيام هذا الشهر الذي بين الله تعالى حكمته وعلته بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ثانياً: أن العيد هو المناسبة الطيبة لأن يذكر فيها المسلم إخوانه الذين يفتقدون مظاهر البهجة والسرور بسبب الفقر والمجاعة والقتال كما في الصومال، أو بسبب الظلم والعدوان والاستبداد والقتل والتعذيب كما في اليمن وسورية وذلك بالدعاء والدعم والتأييد…
فواجب الأمة مع أهل الصومال هو: أولا: السعي الجاد من القادة والعلماء لتحقيق المصالحة بينهم، ونبذ الاقتتال الداخلي . ثانيا: الواجب الآخر نحو أهل الصومال هو الجود بالمال والدعم المتواصل لهم حتى يخرجوا من محنتهم السياسية والإنسانية، أما واجبنا جميعا نحو اليمن وسورية فهو الوقوف معهم بالدعم والتأييد والدعاء والقنوت، والضغط على الحكومات وبخاصة جامعة الدول العربية ومنظمة الدعوة الإسلامية ببذل كل الجهود لخروج اليمن فورًا من هذا الشلل الذي أصاب كل مرافق الحياة، ولمنع الجيش والأمن والشبيحة من قتل المدنيين الأبرياء.
ثالثاً: يذكر الاتحاد المسلمين جميعا بقضيتهم الأولى بقضية فلسطين والقدس الشريف وشهدائها وأسراها وجرحاها ويطالبهم بوقفة جريئة ضد جرائم العدو الصهيوني، وما يفعله من مخططات لتدمير الأقصى، وما تقوم به من جرائم بشعة من اغتيال وقصف ضد المدنيين.
رابعًا: يذكر الاتحاد المسلمين في هذا العيد السعيد بالأقليات المسلمة وبحقوق الأخوة الإيمانية عليهم، ولا سيما الأقليات المضطهدة في تركستان وكشمير وغيرهما.
وينبه الاتحاد بهذه المناسبة على خطورة قيام بعض الدول بتسليم المسلمين المطالبين بحقوقهم إليها فهذا عمل مناف مع حقيقة الإيمان فقد جعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) من حقوق الإسلام والمسلمين أن يحمي المسلم أخاه ، وأن (لا يسلمه) إلى من يؤذيه.
اللهَ اللهَ في إخوانكم المضطهدين المظلومين في كل مكان، قوموا بواجبكم نحوهم، وحققوا لهم الأمن والأمان، بل الواجب نصرتهم والوقوف معهم.
خامسًا: يوجه الاتحاد إلى قادة العالم الإسلامي بعد تهنئتهم والدعاء لهم نداءً خاصاً خالصاً، وهو أن يتقوا الله في شعوبهم، ويقوموا بالمصالحة الشاملة على أساس العدل والمساواة، والحرية في التعبير والاختيار، وتحقيق الشورى الحقيقية، وفصل السلطات، والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد بكل أنواعه: الإداري والمالي والسياسي والاجتماعي، والقيام فورا بتشغيل العاملين من الشباب وغيرهم، وتحقيق السعادة والرفاهية لشعوبهم، فخيرات العالم الإسلامي كثيرة ولكن المشكلة هي سوء التخطيط، وسوء الإدارة، وانتشار الفساد الإداري، ويناشدهم الله تعالى أن يبدأوا بصفحة جديدة مشرقة من التسامح والتواضع والشفافية لتعود إلى الأمة قوتها وحضارتها وكرامتها وعزتها ووحدتها، وإبداعاتها.
سادسًا: يدعو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قادة الدول العربية والإسلامية إلى عقد اجتماع عاجل للجامعة العربية ولمنظمة التعاون الإسلامي لبحث موضوع سورية واليمن للوصول إلى الاستجابة الكاملة للشعبين العظيمين الثائرين، وكذلك لبحث مشكلة الصومال إنسانيا وسياسيا للوصول إلى حل سياسي في ظل هذه الأزمة الإنسانية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ.
فقد قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10].
فهذه الآيات توجب على الأمة وجود قوة قادرة على فرض العدل والصلح وإيقاف الباغي الظالم عند حده.
والله المستعان
أ.د علي القره داغي أ.د يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد