أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً يقف فيه بقوة مع العراقيين في ثورتهم ضد الفساد والظلم, ويتفاءل بعودة الهوية واللحمة الوطنية للعراق, البعيدة عن الطائفية والعنصرية. ويؤيد الإجراءات الإصلاحية مؤكدا على ان العراق بأشد الحاجة إلى الإصلاح الشامل الحقيقى والعدالة الإجتماعية, وقطع دابر الفساد والاستبداد. ويندد بالإغتيالات التي وجهت للناشطين المتظاهرين خلال الأيام الأخيرة.
نص البيان
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ( وبعد)
فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى كيف عانى العراقيون منذ عدة عقود معاناة شديدة, وابتلوا بفتن ومصائب عظيمة ، وحروب داخلية، واحتلال أجنبي، وحصار شديد، وتدخل إقليمي، كانت لها أثارها الكارثية الخطيرة والمدمرة على حياتهم في مختلف المجالات، فكثر القتل على الهوية، والاسم، والمذهب، ووقع ظلم كبير على أهل السنة في معظم المجالات، وازدواجية في التعامل على أسس عنصرية وطائفية بغيضة، حيث راح ضحية الاحتلال والطائفية مئات الألاف من الشباب والنساء والأطفال والشيوخ، وشُرِّد أكثر من ثلاثة ملايين في العالم.
وأخطر من ذلك أن الحكومة الطائفية الفاسدة السابقة قد سهلت تسليم ثلث العراق لداعش من الموصل (نينوى) إلى محافظة الرمادي، وذلك لإثارة المزيد من الفتنة، ولتدمير هذه المناطق السنية.
وأمام هذه الاوضاع الفاسدة قامت مظاهرات قوية في محافظات الوسط منذ حوالي ثلاث سنوات مطالبة بحقوقها المشروعة، ولكنها قمعت بعنف مفرط. وها نحن أولاء نرى اليوم مظاهرات في الجنوب تطالب بقطع دابر الفساد، وتوفير الخدمات الضرورية.
ونحن في الاتحاد العالمي نرى ونؤكد على ما يلي:
1- أن التجارب الماضية تكشف بقوة وتؤكد: أن علاج أمراض العراق لا يتم إلا بالعدل والمساواة بين جميع مكوناته في الحقوق والواجبات، وأن الطائفية سرطان خطير، وليست علاجا أبدا.
2- أن الفساد هو السرطان الشامل الذي يقضي على جسم الأمة وثرواتها، ولهذه الخطورة وضع الاسلام عقوبة عليه تعد أشد العقوبات، إنطلاقا من قوله عز وجل (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بل ان الله تعالى اشار إلى ان الفساد يترتب عليه هلاك الحرث والنسل، والبيئة والإنسان فقال تعالى ( وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.) ومن المعلوم أن علاج الفساد يحتاج إلى أناس صالحين مخلصين متخصصين ، وإلى هيئات نزيهة، وقوانين رادعة، ولوائح تفصيلية، بالإضافة إلى المتابعة والمراقبة الدائمة.
3- أن هذه المظاهرات في الجنوب مبشرة بالخير، لأنها ترفض الطائفية، وتندد بالفساد، وتطالب بقطع دابره بقوة وحزم، كما أنها تجمع العراقيين على هويتهم الإسلامية البعيدة عن الطائفية، وعلى الوطنية الجامعة لكل من يعيش على أرض العراق العزيزة من المسلمين ومن غيرهم.
4- إننا ننظر إلى الإجراءات الإصلاحية التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي، على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ينبغي أن يتبعها خطوات، ونطالبه وجميع المسؤولين بالاستجابة لمطالب المتظاهرين العادلة، والبدء بالتشاور مع العقلاء والحكماء من جميع مكونات الشعب العراقي، من غير الفاسدين المفسدين لتحقيق مجموعة من المطالب الملحة الضرورية فى هذه المرحلة.
5- نطالب برد الإعتبار إلى أهل السنة (الوسط) وذلك بتحقيق العدالة، وإزالة الظلم وآثاره عنهم، والبدء فورا بإيقاف أحكام الإعدام ضد آلاف المعتقلين، وإعادة محاكمتهم محاكمة عادلة من خلال قضاة مستقلين يخافون الله تعالى.
6- إطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات الذين لم يتبث ضدهم ما يدل على إدانتهم، ومحاكمة الآخرين محاكمة عادلة.
7- محاكمة الفاسدين فورا وإرجاع جميع الأموال المهربة إلى خزينة الدولة، وبذل كل ما في الوسع لإعادة السيادة والاستقلال الكامل للعراق، والتحرر الكامل من سيطرة الدول الطامعة فلا يجوز لعراق الحضارة ان يكون تابعا لأحد من الخارج.
8- ندعو الشعب العراقي الأصيل إلى العودة إلى قيمه، وقيم الإسلام، ولنبذ الفرقة والخلاف، والعنصرية، والطائفية التي تفرق ولا تجمع، وتشتت ولا تؤلف، وتدمر ولا تعمر، ويكفى دليلا على ذلك السنوات العجاف السابقة من بعد الإحتلال إلى الأن.
9- نطالب الحكومة العراقية تشكيل لجنة مهنية مستقلة للكشف عن ملابسات جرائم الاغتيالات، ومحاكمة فاعليها وعقابهم أشد العقوبات.
وفي الختام نطالب المتظاهرين بالحفاظ على سلميتهم، وعدم السماح باختراق صفوفهم أو تشويه مطالبهم العادلة، ونؤكد مرة أخرى على أن التزامهم بالشعارات الجامعة، والمطالب العامة لهم ولجميع العراقيين يعطي مصداقية أكثر لهم، ويؤدي إلى إعادة وحدة الشعب العراقي في ظل سقف جامع، بإذن الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103] صدق الله العظيم
أ.د علي محي الدين القره داغي أ.د / يوسف القرضاوى
الأمين العام رئيس الاتحاد