التعصب البغيض المرفوض في الإسلام
يبدأ التعصب البغيض (المذهبي والطائفي) المرفوض في الإسلام بالموالاة لطائفة معينة أو مذهب معين، والبراء من غيرها، حتى يفضي إلى الطعن والهمز واللمز، ثم إلى التبديع والتكفير، ثم إلى الاقتتال بالأيدي والأسلحة والتفجير.
وأول فتنة ظهرت في هذا المجال هي فتنة الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكفروه وأصحابه، ثم فتنة الشيعة المتعصبين الذي غالوا في سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكفرّوا كل من لم يؤمن بالولاية والوصاية والعصمة لأئمتهم، وأشد فرقهم هي فرقة الباطنية التي ظهرت في القرن الرابع والخامس الهجريين، ورد عليهم الإمام الغزالي في كتابه: فضائح الباطنية، وغيره.
وفي عصرنا الحاضر أيضاً ظهر الخوارج الجدد من التكفيريين الذين قام فكرهم على التوسع من دائرة البراء، والتضييق في دائرة الولاء للمسلمين، وعلى تكفير الحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، ولا يحكمون بشرع الله، وعلى تكفير أو تبديع جماهير الأمة من الأشاعرة، والصوفية وغيرهما، وكان لهما نموذجان خطيران، أخطرهما: جماعة جيهمان العتيبي الذين حاولوا قتل أولي الأمر في المملكة العربية السعودية داخل الحرم المكي في مطلع القرن الخامس عشر الهجري (1/1/1400ه).
والجماعة الثانية: جماعة التكفير والهجرة التي ظهرت في مصر داخل سجون الرئيس جمال عبدالناصر، وردّ عليهم مرشد الاخوان في ذلك الوقت الأستاذ حسن الهضيبي في كتابه (دعاة لا قضاة)، ثم ظهرت السلفية التكفيرية، والسلفية الجهادية، والسلفية الجامية المدخلية، ثم القاعدة، وداعش التي عاثت في الأرض فساداً.
وكذلك الجماعات الشيعية المتطرفة التي عاثت في العراق وسوريا فساداً كبيراً، وقتلوا على الهوية وساندوا الظلمة القتلة الطغاة في سوريا، ولم يتوقفوا عن قتل الأبرياء، وانتهاك الأعراض، والتهجير القسري لأهل السنة في العراق وسوريا.
مظاهر التعصب البغيض
وباختصار شديد فإن من مظاهر التعصب البغيض (من أي جهة او طائفة كانت)، هي ما يأتي:
(1) الوقوف مع الطائفة أو الانتصار لها، ولو كانت مع الباطل.
وهذا ضد اتجاه الإسلام الذي أمرنا أن نقف مع الحق والعدل في جميع الأحوال، حتى ولو ضد الإنسان نفسه، أو في حالة البغض فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، كما حرم الله تعالى الاعتداء في جميع الأحوال حتى في حالة البغض أو تصرفاتهم السابقة السيئة، فقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فقد منع الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أن يعتدوا على المشركين الذين منعوهم في السابق وصدوهم عن المسجد الحرام، وفعلوا ما فعلوا بهم.
(2) أن يؤدي التعصب إلى التفرّق في الدين، والشحناء والبغضاء ثم الاقتتال الداخلي، وبهذه الحالة يخرج الاختلاف المذهبي أو الطائفي عن دائرة الخلاف المشروع إلى دائرة الحظر والتحريم والشقاق والنفاق، فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، ثم قال: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ويقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
(3) إصدار فتاوى بالتحليل لما حرّمه الله تعالى، والتحريم لما أحلّه الله تعالى، لأجل نصرة الطائفة، كما يحدث عند داعش والميليشيات الطائفية في العراق وسوريا بقتل المخالفين والاعتداء على الأعراض.
(4) الاستخفاف بالطرف الآخر، بل السبّ والشتيمة، والتبديع والتكفير حتى للعلماء الربانيين من غير الطائفة، كما يحدث اليوم من داعش، والميليشيات الطائفية.
(5) ظهور المتعالمين (الرويبضة) فيفتون بالتكفير والتبديع وفي قضايا الأمة، وهم تافهون.، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (قبل الساعة ستون خداعة يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة)، وفي رواية أخرى زيادة: (قيل، وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»).;