الدوحة- الشرق
كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:
صندوق للتنمية:
لو وضعت خطة محكمة للعالم الاسلامي، وأسند تنفيذ هذه الفكرة من خلال صندق اسلامي للتنمية تشارك فيه الدول الاسلامية التي فيها هذه المعادن الكبيرة بالنسبة التي ذكرناها لَما بقي فقير في العالم الاسلامي خلال فترة وجيزة، فقد طبق الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه الزكاة خلال سنتين وستة أشهر وسبعة عشر يوماً، فلم يبق في عصره فقير واحد.
صندوق القرض الحسن:
وبالإضافة إلى ما سبق فإن مما هو مطلوب شرعاً إنشاء صندوق للقروض الحسن من الواردات المالية للدول الغنية، وتمنح هذه القروض الحسنة للدول الفقيرة، مع أخذ المصاريف الادارية الفعلية فقط، وذلك بأن تنشأ لذلك إدارة، أو مصرف للقرض الحسن يختار لإدارته أهل الاخلاص والاختصاص وأن تحمل المصاريف الادارية على المقترض، ومن التجارب الناجحة في هذا المجال تجربة البروفيسور “محمد يونس” في سبتمبر من عام 1983م في بنغلاديش، فأنشأ مؤسسة تحت اسم مصرف جرامين: Grameen Bank (وتعني بالبنغالية مصرف القرية)، حيث نال جائزتي نوبل، والملك فيصل رحمه الله، وهي تجربة ناجحة ينبغي الاستفادة منها مع الالتزام بأحكام الشريعة، ومن صاحبها.
التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الاسلامية، حيث انه من الناحية الاقتصادية لا يمكن احداث تنمية شاملة لوطن صغير دون الاعتماد على الآخرين، وتشكيل وطن اقتصادي كبير، وهذا ما حدث لأوروبا حيث حققت نمواً اقتصادياً كبيراً من خلال السوق المشتركة.
ونحن المسلمين بالاضافة إلى الجانب الاقتصادي فإن ديننا الحنيف يفرض علينا التعاون والتكامل، بل الوحدة فقال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…….) فالآيات والأحاديث في وجوب تجسيد هذه الاخوة لتصبح الأمة كجسد واحد، كثيرة لا يسع المجال لذكرها في هذه المقدمة.
مقومات التعاون الاقتصادي:
إن هذا التعاون الاقتصادي لن يتحقق في عالمنا الاسلامي على وجهه المطلوب إلاّ إذا توافرت المقومات الآتية:
1 — البدء بالخطوات الحثيثة العملية للوصول إلى سوق اسلامية مشتركة تقوم على الشراكة الحقيقية، والعملة الواحدة، ونحو ذلك من الخطوات العملية المطلوبة.
2 — التعاون البناء والتكامل ما بين الدول الغنية بالموارد المالية، والدول الغنية بالموارد البشرية من خلال برامج عملية للتنمية والتدريب وسد الحاجات استيراداً وتصديراً داخل العالم الاسلامي بقدر الامكان، وتوجيه الملكية والنظم الاقتصادية وقضايا التمويل والانتاج لتحقيق هذا التعاون، والتشجيع على التكنولوجيا المعاصرة، وتبادلها بين الدول الاسلامية.
3 — التوحيد السياسي أو التعاون المتكامل بأي صورة من الصور المقبولة وهذا يتطلب:
أ) حسم الصراع الفكري والمذهبي، والاتفاق على الثوابت والمجمع عليه، وتحديد الهوية الاسلامية على أساس هذه الثوابت، وعدم الخوض في الخلافيات.
ب) تحقيق التآخي والتكافل والتضامن الاسلامي بين مختلف الشعوب.
ج) عقد اتفاقيات تجارية وشراكة اقتصادية تلتزم بها الدول الاسلامية، وترتيب الآليات المناسبة الكفيلة بتنفيذها، والاتفاق على مرجعيات قضائية في حالة الخلاف والنزاع.
د) تقوية التجارة البينية بين الدول الاسلامية للوصول إلى التكامل والشراكة الحقيقية، حيث، تشير الاحصائيات الدولية والاقليمية إلى ضعف التجارة البينية بين الدول الاسلامية، وأنها لا تقارن بين التجارة بينها وبين الدول الأخرى، وأن شروط التبادل الدولي للبلدان النامية عموماً، ومن بينها البلدان الاسلامية في حالة تدهور مستمر تقريباً على مدى الأجل الطويل، فقد أكد المدير العام للمركز الاسلامي لتنمية التجارة بين الدول الاسلامية أن حجم التبادل التجاري فيما بينها عام 2003 لا يتجاوز 12 % من التجارة الخارجية، وأن منظمة المؤتمر الاسلامي تسعى للوصول إلى 13 % وما زالت إلى يومنا هذا في حدود هذا المستوى.
هـ) القضاء على العقبات التي تحول دون تطوير التجارة البينية والتكامل الاقتصادي والشراكة الحقيقية من خلال ما يأتي:
1. السعي الحثيث من كل الدول الاسلامية منفردة ومجتمعة لتهيئة بنية تحتية متكاملة للمشاريع، تشمل كل متطلبات الاستثمار والتنمية مادياً ومعنوياً وتشريعياً.
2. توحيد السياسات الجمركية بين الدول الاسلامية بشكل يحقق سهولة الاستيراد والتصدير فيما بينها، وإعطاء ميزات للمنتجات الاسلامية.
3. تسهيل عمليات التحويل الخارجي.
4. توحيد العملات، أو الاتفاق على ربطها بسلة من العملات وبذل الجهود لمنع التضخم الضار الذي يقضي على التنمية والاستثمار.
5. تحسين صناعة السلع والخدمات لتكون قادرة على المنافسة.
6. تنشيط حركة المصانع المتوسطة والكبرى في مختلف الصناعات.
7. تنشيط حركة المواصلات والنقل بين الدول الاسلامية براً وبحراً وجواً.
8. التعاون على القيام بمشروعات كبرى استراتيجية في مجال الزراعة والتجارة والصناعة.
9. توحيد نظم الاستيراد والتصدير بين العالم الاسلامي، فالعالم الاسلامي يستطيع تشكيل قوة اقتصادية كبرى في العالم لو نفذت هذه البنود، وهذا لا يعني الاستغناء عن بقية الدول الأخرى، وإنما يعني تحقيق قوة داخلية لصالح الجميع وللقضاء على التخلف والحرمان، فهو قد حباه الله تعالى بموقع استراتيجي بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ويهيمن على معظم المداخل والمضايق والبوابات البرية والبحرية بين العالم، وأنه يملك قدرة بشرية تصل إلى ربع العالم (مليار وأربعمائة مليون نسمة) ويملك 73 % من احتياطي البترول، وينتج فعلاً منه أكثر من 38 % ويملك ثمانين مليون هكتار صالحة للزراعة، ولديه معظم المواد الخام، وله كل المقومات لإنشاء مصانع كبيرة تقضي على البطالة، ومزارع كبيرة استراتيجية توفر الغذاء الكامل ومشتقاته للعالم أجمع، ناهيك عن ان العالم الاسلامي.
فرض ضرائب عادلة معقولة على القادرين للتنمية، فيجوز للدولة الاسلامية فرض ضرائب عادلة معقولة على القادرين بحيث يستطيعون دفعها بسهولة، من باب الصدقات العامة التي يجوز للدولة ايجابها عند الضرورة أو الحاجة العامة، وهذا رأي جماعة من الفقهاء استندوا في جوازها إلى الحديث النبوي الشريف: (إن في المال حقاً سوى الزكاة) ثم تلا الآية الكريمة من سورة البقرة: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
توفير البيئة المناسبة للاستثمار، والادخار من خلال توفير الأمن والأمان، وإصدار القوانين التي تحمي الحقوق، وتهيئة البنية التحتية المادية والمعنوية للتنمية والاستثمار، وتشجيع المشروعات الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة لاستيعاب رأس المال وتجميع الادخار وتوجيهه نحو النماء.