تثار منذ عدة عصور مسألة التجديد، ويختلف الكثيرون حول مضمونه، ومَنْ يقوم به؟ وإلى أين يتجه؟ وغير ذلك من الأسئلة. والسبب في ذلك أن الرسول الكريم [ قد تحدث عن هذا التجديد فقال: «إن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها»(رواه أبو داود، والحاكم، وذكره الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة، وفي بعض الروايات بلفظ: «أمور دينها»، ولكن الأصح هو اللفظ الأول). والذي نحاول الإجابة عنه هو عن: السؤال الأول: ما المقصود بالتجديد في الدين؟ والسؤال الثاني: ومن هو المجدد؟ أما الإجابة عن السؤال الأول فإن جميع من كتبوا عن التجديد – حسب علمي – يفسرون الحديث الشريف بأن التجديد في الدين عبارة عن «إحياء معالمه، ومحاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر، بحيث يبدو مع قدمه كأنه جديد، وذلك بتقوية ما وَهى منه، وترميم ما بلى، ورتْق ما انفتق، حتى يعود أقرب ما يكون إلى سيرته الأولى»(1)، إذن فالشيء المجدد موجود وهو الدين الإسلامي، ولكن أصابه ما أصابه. ولكن ظهر لي بعد تدبر أن المقصود بـ«دينها» الوارد في الحديث، هو دين الأمة، وليس دين الإسلام، ويقصد به: ما دانت له الأمة الإسلامية مما أدخل فيه بغير حق من البدع والخرافات، ومن الإفراط والتفريط، حيث دخل ذلك في الدين «فرداً أو جماعة»، فينفي عنه تحريف الضالين، وإفراط المفرطين، وتقصير المفرّطين، بتشديد الراء المكسورة – كما قال الرسول [: «لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»(2). وتفسير «دينها» بمعنى ما خضعت ودانت له الأمة مقبول في اللغة، ومؤيد بأن الرسول [ أضاف «دين» إلى الأمة، ولم يضفه إلى الله تعالى، أو الإسلام، وهذا يعني أن ما دانت له الأمة الإسلامية، وإن كان في ظاهره وأكثره هو دين الإسلام، أوسموه: «الإسلام» دون تفرقة بين المنزل الثابت، وما أسند إليه، ولكنهم أدخلوا فيه أشياء، أو تركوا أشياء، فخضعوا لهذا المجموع، فيأتي المجدد فيبدد هذه الشبهات، ويعيد الأمة إلى صفاء الدين الحق ومنهجه ليحيا بفطرته التي فطر الله المؤمنين عليها، وهذا لا يعني أيضاً وجود تحريف في الكتاب والسنة، ويظن الناس أن هذه الزيادات أو التروك من الدين، ثم يتبين الحق على أيدي هؤلاء. وبهذا المعنى الجديد للحديث النبوي الشريف تتضح لنا الصورة كاملة، وهي أن الأمة الإسلامية – باعتبارهم من البشر الخطّائين كغيرهم – تضعف، وتتفرق، وتدخل المناهج الغريبة، وتتعرض لردود الفعل، فتتجه نحو اليسار أو اليمين، أو نحو التشدد، أو التساهل والترخيص، بالإضافة إلى ذلك تتأثر النفوس والسلوكيات والمناهج والتصورات بما حولها، وبمن حولها من مناهج الآخرين وهكذا، وقد تتأثر الاجتهادات الفقهية في كافة المجالات بهذه الأحوال والحالات، فيظهر مسلك التواكل ويصبح جزءاً من الدين لدى بعض الناس، منطلقين من الآيات الكثيرة الدالة – في الظاهر – على عدم الأخذ بالأسباب، وأن التوكل الحقيقي هو التوكل على الله تعالى دون الأخذ بالأسباب، فيكون له أثر على التصور والسلوك، ويتكون الزهد البارد السلبي الذي يتبناه جماعة من المبتدعين، وتظهر فِرَق الجبرية، والمرجئة، فتؤثران في التصورات والعقائد والأفكار والسلوك. الهامشان (1) أ.د. يوسف القرضاوي: تجديد الدين في ضوء السنة، بحث منشور في مجلة «مركز بحوث السنة والسيرة»، جامعة قطر، العدد 2 ، ص 29 ، سنة 1987م. (2) الحديث متفق عليه.