السبب الأول

التربية الدينية الخاطئة السائدة في المجتمع: في البيت والمدرسة والجامعة والجامع -أي البيئة الصانعة والحاضنة

درستُ الجماعات المتطرفة في عصرنا الحاضر مثل القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وقبلهما الخوارج، ثم جماعة جهيمان «الجماعة السلفية المحتسبة بالمملكة العربية السعودية» في بداية القرن الخامس عشر الهجري الحالي، وجماعة التكفير والهجرة في ستينيات القرن العشرين الميلادي، وأواخر القرن الرابع عشر الهجري، فوجدت أن أصولهم الجامعة هي التكفير لعامة المسلمين، فاستحلال دمائهم وأموالهم، ثم التفجير والتدمير، وأن السبب الأساسي الأول هو التربية الدينية المبنية على أسس خاطئة من الإفراط والتفريط، والبيئة الحاضنة التي لها دور في نشأة الإنسان سلباً وإيجاباً، فقد أشار القرآن الكريم إلى دور المكان «البيئة» في نشأة الإنسان، فقد ذكر سيدنا يوسف -عليه السلام- مكان إخوانه الذين أساؤوا إليه، ثم كذبوا بأنه شرّ مكاناً عندما فقالوا: «إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ»، بل إن الله –تعالى- وصف أهل الضلالة في سورة الفرقان بهذا الوصف، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ»، كما بيّن أنهم سيعلمون من هو شرّ مكاناً فقال تعالى: «قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً»، ووصف الله تعالى في سورة المائدة الملعونين والمغضوب عليهم وعبدة الطواغيت، بقوله: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ»، فهذه الآيات الأربع في مناسبات مختلفة، تدل بوضوح على الدور المؤثر للمكان والبيئة الحاضنة في الضلالة والانحرافات الخطيرة، أو في الالتزام بالمنهج القويم والصراط المستقيم.

والمراد بالمكان ليس الأرض من الناحية الجغرافية، وإنما المقصود هو من يسكنها من الناس المصلحين والصالحين والأبرار، أو الطالحين والمسيئين والمفسدين الأشرار، وكذلك الأصدقاء، والبيئة الاجتماعية، والأسرة والمجتمع، والمحيط الذي يدور فيه الفرد، أو الجماعة.

فهذه البيئة -بصورة عامة- بهذا المعنى، هي الحاضنة والمربية للأفكار والتصورات والسلوكيات إلا ما شاء الله تعالى، وبالمقابل فإن تغيير البيئة والمكان سلباً أو إيجاباً، خيراً أو شراً، هداية أو ضلالة، إفراطاً وتفريطاً أو وسطاً، هو المطلوب شرعاً وعقلاً، مهما كلّفنا من الوقت والعمل، فقال تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ»، وقال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

ومن المعلوم من الناحية الدينية والعلمية والنفسية أن تغيير البيئة الحاضنة للكفر والضلال، والفساد والشرور والجرائم، إلى البيئة الحاضنة والمربية للخير والهداية والمنهج الوسط يحتاج إلى جهد كبير، ومنهج سليم، ورؤية واضحة، وأهداف سامية وبرامج ومشاريع عملية وأدوات ووسائل منتقاة، ورجال صادقين مخلصين مضحين، وزمن قد يستغرق عقوداً، إلا في حالات خاصة، تكون الأمة مستعدة، ويرسل الله لها رسولاً، فيقوم بتغييرها من خلال التربية والتزكية وتوجيه العقل نحو الحكمة، ويقودها بسرعة إلى العزة والنصر والتمكين.

ومن الناحية العملية، فإن الانحراف يتحقق عندما يضعف الإيمان الحقيقي والعقيدة الصحيحة، ويغيب المنهج الصحيح، وحينئذ يتمكن الشك فيما سبق، وتدفع العواطف والمؤثرات الخارجية نحو التطرف والانحراف.

الشباب 3 أنواع

(1) نوع قد تمكنت لديه العقيدة الصحيحة والمنهج الوسط المعتدل، فهذا النوع يصعب على الانحراف التأثير عليهم إلا نادراً وبمشيئة الله.

(2) نوع آخر غضٌّ قلبه طريٌّ فكره، لم يبذل أي جهد لتثبيت العقيدة الصحيحة والمنهج الوسط المعتدل، فهذا النوع إن سبق إليه قادة الفكر الانحرافي سيؤثرون فيه إلا ما شاء الله، من خلال الظروف الخاصة، وتفكيك قيم الوسطية. وللحق أقول: إن هذا النوع كثير، وهو دليل أيضاً على تقصير الدعاة والمؤسسات التعليمية والتربوية، والمساجد والإعلام.

(3) نوع ثالث لديه الخلط والشك، واصطياد هذا النوع من قبل دعاة الضلالة أيضاً سهل، وهذا النوع أيضاً يتحمل المجتمع ووسائله مسؤوليته، من خلال عدم القيام بالواجب المطلوب نحوهم.;