السؤال:

كيف يمكن التنسيق بين جهات الفتوى المختلفة بما يضمن عدم تحقق الاختلاف ؟

الجواب :

 وفي نظري أنه ما دامت المؤسسات المالية الاسلامية نفسها غير متناسقة ولا ينسق بعضها مع البعض حتى داخل البلد الواحد ، فإن التنسيق بين الهيئات الشرعية غير موجود ، ومن الصعب ايجاده من دون آلية عملية ملزمة ، إما من قبل البنوك المركزية أو نحو ذلك ، لذلك نرى أن الحل الناجع يكمن في تنفيذ الاقتراحين الآتيين وهما :

أولاً ـ السعي لانشاء اتحاد عالمي للهيئات الشرعية تحت اشراف ورعاية المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراحجعة للمؤسسات المالية الاسلامية ، باختيار المجلس الشرعي لانشاء هذا الاتحاد  والاشراف عليه ، يبرر سببه بأنه يتكون أساساً من أعضاء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية ، وأن لجانه الشرعية الفرعية لا تضم إلاّ أعضاء الهيئات الشرعية ، وبالتالي فإن الأساس المتين موجود ، إضافة إلى صلته الكبرى بالمؤسسات المالية الاسلامية من خلال المعايير نفسها التي يصدرها لها ، وترتيب المؤتمرات المصرفية ، مثل المؤتمر السنوي للهيئات الشرعية ، وغيرها .
 وأهم من ذلك فهو المرجع لترتيب عشرات من الدورات لأعضاء الهيئة والمدققين والمراجعين الشرعيين وغير ذلك .
 كل ذلك ( وغيره مما لم نذكره ) مبررات لنجاح المجلس في تكوين هذا الاتحاد والاشراف عليه وإنجاحه .
 وأما تشكيلة الاتحاد العالمي للهيئات الشرعية فلا بد أن تضم ممثلين لجميع الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الاسلامية المستقلة ، والفروع الاسلامية التابعة للمؤسسات المالية التقليدية .
  وأما آلية الالتزام بقرارات الاتحاد فلا بدّ أن تتم من خلال النظام الأساسي للاتحاد ، أو من خلال السعي لدى البنوك المركزية بإلزامية الهيئات الشرعية بقرارات الاتحاد وبالمعايير الشرعية .
 وفي اعتقادي أن الطريقة المثلى المختصرة للقضاء على تضارب فتاوى المفتين في الهيئات الشرعية ، هو : إقناع البنوك المركزية بإلزامية الالتزام بالمعايير الشرعية وقرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي .

ثانياً ـ  إنشاء شركات كبرى للتدقيق الشرعي الخارجي على غرار شركات التدقيق الخارجي المحاسبي الدولي ، من حيث القوة والنظام والمرجعية والمصداقية واللوائح والأنظمة المرعية من حيث الدولية واحترام الدول لها .

    ولذلك يجب علينا جميعاً السعي الحثيث لتنفيذ هذين الاقتراحين كل من موقعه ، والكل عليه مسؤولية لحماية هذه التجربة الناجحة القائمة على الاقتصاد الاسلامي ، وإلاّ فإنني لست متفائلاً بمستقبل المؤسسات المالية الاسلامية ، مهما كبرت أموالها وازدادت استثماراتها وهانحن أولاء نرى أن عشرات التريليونات تبخرت في الهواء في هذه الأزمة المالية بسبب الربا الذي هو محق وبسبب عدم وجود اقتصاد الأعيان والأصول .
  وهذه المسؤولية تقع على جميع المؤسسات المالية الاسلامية ، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الاسلامية ، والمجلس الشرعي ، ومجلس البنوك ، والغرفة الاسلامية للصناعة والتجارة ، وعلى العلماء المخلصين ، ورجال الأعمال ، بل على جميع الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين ، لأن تطبيق الشريعة بصورتها الصحيحة واجب وفريضة ، وأن حماية هذه التجربة مصلحة قطعية للأمة ودليل على صلاحية الإسلام للتطبيق في جميع مجالات الحياة .
  إن المؤسسات المالية الإسلامية لن تنجح بالحيل والرخص الفقهية والمنتجات المقلدة للمنتجات الربوية حتى ولو غيرنا أسمائها وألبسناها عمامة العلماء ، فعلينا أن نعلم أننا أمام العليم اللطيف الخبير الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم سرنا ونجوانا ، وأنه قد لعن اليهود وجعل منهم قردة وخنازير حينما احتالوا على الله تعالى ، وأن الاقتصاد الاسلامي هو اقتصاد الأصول والمنافع والخدمات والحقوق الحقيقية ، وأنه اقتصاد التنمية الشاملة ، وأن المال يجب أن ينمى به المجتمع ليقوم وينهض ويصبح قادراً على الوقوف أمام مطامع الأعداء كما أراد الله تعالى حيث يقول : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً )

صدق الله العظيم ، والله المستعان ، وهو الموفق  ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه  ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 
                                                                          كتبه الفقير إلى الله
علي بن محي الدين القره داغي
الدوحة ذو القعدة 1429هـ