رغم العلمانية الفرنسية في تونس  لم يختر الشعب الا الاسلام المعتدل

العبادات في الاسلام تدور حول الاصلاح من الداخل، لتظهر آثاره على الخارج

 

شكر فضيلة الشيخ د. علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدور القطري لإنجاح الثورة الليبية وإصدار قرار الجامعة العربية بشأن سوريا قائلاً: لا يسع المرء إلا أن يتقدم بالشكر الجزيل والدعاء الخالص والثناء العامر لدولة قطر أميرا وحكومة وشعبا على هذه المواقف المشرفة التي كان لها دور هام في إنجاح ثورة ليبيا وإصدار هذا القرار التاريخي للجامعة العربية.

ودعا فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب الأمة الإسلامية للتغيير وربط فضيلته بين التغيير في حياة الفرد بعد أداء الحج وبين الأمة فقال إذا كان الحج هو المقصود به هذا التغيير الكبير، فإن الله سبحانه وتعالى بفضله ومنه قد وفق هذه الأمة للتغيير الجماعي أيضا من خلال هذه الثورات العربية، ومن خلال هذا الربيع العربي المبارك، الذي يراد منه إن شاء الله كما ترون، العودة إلى الإسلام الحقيقي، إلى الإسلام المعتدل، إلى منهج الوسط، لأن هذه الثورات أسقطت مجموعة من القواعد والمبادئ التي فرضت علينا وأصبحت كأنها حتميات. من هذه الأمور الحتمية: أن الإسلام غير صالح للتطبيق أو أنه إذا طبق، فيعلن الحرب على العالم، ولكن عكس ذلك رأينا في تونس كيف كانت اللغة سهلة ميسورة ومطمئنة مع التزامهم بمنهج الله سبحانه وتعالى.

وأبان فضيلته أن هذا الإسلام إذا فهمناه فهو رحمة للعالمين بنص القران الكريم، فكيف يكون رحمة للعالمين. وقد أسقطت هذه الثورات أيضا، مشروع العنف الإسلامي، التي كان خارجا عن الإسلام، لأن هذا المشروع العنفي لم يستطع أن يفعل للأمة والإسلام والمسلمين، شيئا وإنما أثاروا العالم ضد الإسلام والمسلمين دون فائدة، ولو صرفت الصهاينة مليارات من الدولارات لتشويه سمعة الإسلام ما استطاعوا أن يفعلوا ذلك، ولكن هؤلاء أعطوهم مبررات من خلال تصرفاتهم العنيفة من الذبح وقتل الناس دون محاكمة والتفجيرات.. فهذا المشروع سقط أيضا من خلال المظاهرات السلمية، وكذلك سقط معه هؤلاء الظلمة، وان تكون الحرية للشعوب، ونحن واثقون أن الشعوب لن تختار إلا الإسلام، فانظر إلى تونس، رغم العلمانية الفرنسية القوية ورغم الجهود الكثيرة لم يختر الشعب إلا الإسلام المعتدل.. وكذلك ما خوفوا به العالم من تمزق الدول، التي كانت فيه هذه الثورات، من خلال السياسيين المأجورين في وسائل الإعلام، فسقطت هذه التحليلات الزائفة والحمد لله، وهذا دليل على أن الشعوب المسلمة على خير، وأنها تعيش على الخير، وإنما يفرض عليه الشر ويفرض عليها ما يخالف الإسلام والمسلمين.

الجامعة والشعوب

وقال فضيلته إن ما يحدث الآن لأول مرة في تاريخ الجامعة العربية، يصدر منها قرار لصالح الشعوب، حينما علقوا عضوية سوريا في الجامعة، بعد أن قتلوا المئات من السوريين خلال المهلة العربية. وأرجو أن يأخذوا نفس المسير لتأييد الشعب اليمني، متمنيا أن تحقق الثورة نتائجها في مصر وأن تترك للشعب المصري حريته لاختيار من هو أهل لخدمته ومن هنا فنحن نرى أيضا أن فرض ما يسمى بالمبادئ الحاكمة، وفوق الدستور ليس لها معنى، بل هي مصادرة على رأي الشعب، وتراجع عن مقاصد الثورة وهزيمة أمام الخوف من الإسلاميين بل إنها اعتراف بعدم بلوغ الشعب المصري رشده وقدرته على التمييز فهي إهانة لهذا الشعب العظيم؟


الحج ركن هام

وكان فضيلته قد بدأ خطبته متحدثا عن دور الركن الخامس في حياة المسلم قائلا: لو تدبرنا نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة، لوجدناها أن العبادات في الإسلام كلها تدور حول إصلاح الإنسان من الداخل، لتظهر آثار هذا الإصلاح في الداخل على السلوكيات والقيم في الخارج، وحتى العبادات بل حتى الأركان الخمسة التي جعلها الله سبحانه وتعالى أركانا أساسية لهذا الدين، تدور حول هذا المحور الهام، وهو محور الإصلاح الشامل للداخل والخارج.. من هنا يأتي الدور الأساسي للحجاج الذين حجوا هذا العام والذين حجوا في الأعوام السابقة، أو الذين اعتمروا مع الحج عمرة في هذا العام، أو الذين اعتمروا في الأعوام السابقة، في التأثير على النفس وعلى القلب والسلوك وعلى تفكير الإنسان من السيئ إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن.

وقال إن الركن الخامس وهو الحج، هو الركن الجامع لكل الأركان الأخرى، فكل ركن من الأركان الخمسة يتجه نحو جزء من الإنسان، أو نحو أكثر من جزء من الإنسان لإصلاحه، فالشهادتان بأن الله هو الواحد الأحد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبعوث رحمة للعالمين، هذه الشهادة محلها القلب ومنطقها اللسان، ثم بعد ذلك آثار هذه الشهادة هي العمل بالأركان، ومن هنا تأخذ الشهادة والتصديق بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه الحسنى وبصفاته العلى، وكذلك بالرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعه تأخذ هذا البعد الأساسي وهو القلب التي هو الاساس في الصلاح وفي الاصلاح، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب» وقد سبق أيضا أن سيدنا لقمان الحكيم حينما سأله سيده أن يذبح شاه، ثم يأتي بأحسن ما فيها، فأتى باللسان والقلب وقدمهما إلى سيده، وحينما طلب منه سيده أيضا أن يأتي بأسوأ ما في الشاة، فقدم لقمان القلب واللسان، واستغرب سيده، فقال كيف تكون بضعة واحدة يكون أسوأ وأحسن، فقال لقمان: الإنسان بأصغريه، بقلبه ولسانه سوءا وصلاحا، وقبحا وحسنا.

وأبان عما ما بين الحج والشهادتين من صلة فقال: الشهادتان ركزت على هذا الجانب، بحيث يمتلئ القلب بهذا الإيمان وتوحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان باليوم الآخر، حتى لا يكون هناك مجال في داخل هذا القلب من الفساد والحقد، والغش، وأن يمتلئ هذا القلب بحب الله سبحانه وتعالى، وحب المؤمنين، وحب الكون وحب جمال هذا الكون.. فالحج يضمن أيضا هذا الجزء الأساسي، الذي خصص له ركن، وهو مسألة القلب، حيث لو قرأنا الآيات القرآنية في سورة الحج نرى أن القرآن الكريم ركز في الحج على مسألة تقوى القلوب «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» ثم قال الله سبحانه وتعالى ما الفائدة من هذه الشعائر التي تؤديها وتقوم بها من الطواف والسعي المبيت بالمزدلفة ورمي الجمرات، فقال الله للإجابة عن هذا السؤال «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم»، إذًا هذه المشاعر كلها في جزء أساسي منه، وفي مقصد أساسي منها، يعود إلى إصلاح ما في الداخل، وهو ما يقال بتقوى القلوب، لكي تكون القلب تقية نقية. وفي اللغة العربية يستعمل الكلمات المتناسبة بحيث لا تختلف معها إلا بحرف واحد، تكون المعاني متقاربة، التقي بالتاء والنقي بالنون كلتاهما بمعنى واحد، هذا أثر وهذا ناتج، فحينما تكون القلوب تقية حينئذ تكون نقية.

الحج يؤكد الصلاة

وقال فضيلته إن هذا هو ما يتعلق في العلاقة والتركيز بين الحج والركن الأول، وهكذا في مسألة الركن الثاني وعلاقتها بالركن الخامس وهو الحج، كيف أن الحج يؤكد الركن الثاني وهو الصلاة.. فالصلاة أيضًا حركات شكليات في الظاهر، فأنك تركع وتسجد وغيرها من الحركات، ولكن الغرض من كل ذلك هو العبودية لله واستجابة أمر الله، ولكن الغرض الآخر والمقصد الآخر أيضا هو أنك كما قال الله سبحانه وتعالى، بالنص وليس بالاستنباط «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» أي الصلاة الصحيحة المقبولة، والفحشاء هو كل فعل فاحش، والمنكر هو كل قول منكر. إذًا الغرض الأساسي بعد العبودية لله أن تؤدي صلاتك، أن تمنعك من فعل فاحش ومن قول المنكر، وهكذا الحج، يركز كذلك على نفس المعاني فيقول الله «فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». إذًا هناك مرحلة تدريبية في فترة الإحرام يستغرق أسبوعا وأسبوعين، حسب طول المدة، في هذه الفترة التدريبية انك تمنع حتى من الجدال العادي، التي هو جائز في الأوقات الأخرى، وتدرب على الصبر، وعلى ألا تقع في أي منكر أو أي شيء مما حرمه الله سبحانه وتعالى.. فالحج تأكيد أيضًا للركن الثاني من أركان الإسلام وهو الصلاة من خلال منع الفواحش ومنع المنكر، وأن تكون الحج وسيلة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وقد قال العلماء إن الحج المبرور هو الحج الذي يؤدي بصاحبه إلى الامتناع عن المنكرات في الأقوال وكذلك في الأفعال.

الحج ومقاصد الصيام

وقال إن الحج أيضًا يجمع الصيام ومقاصد الصيام، فمقاصد الصيام بنص القران الكريم، فإنك حينما تجوع وتعطش نفسك وتجعل نفسك بعيدا عن المباحات، لا المعاشرة الجنسية ولا الأكل ولا الشرب، كل ذلك مباح، كذلك تمتنع عن المحرمات. ويؤكد الحج هذا الركن أيضا، حينما يقول الله سبحانه وتعال بالنسبة للصوم «لعلكم تتقون» وكذلك بالنسبة للحج حينما يقول «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن ينالها التقوى منكم» «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» فالتقوى هي الغرض، هي المقصد للصيام بنص القرآن الكريم، هذا المقصد أيضًا مؤكد في الحج بأكثر من آية قرانية وأحاديث نبوية شريفة.. ومن جانب آخر يمنعك الصيام طوال شهر كامل من الكثير من المباحات من المعاشرة الجنسية ومن الأكل والشرب كذلك الحج يمنع الحاج من المباحات فلا يجوز الحاج وهو محرم، وحتى بعد الإحرام إن لم يتحلل الأول والأخير، لا يجوز له أن يعاشر زوجته لا يجوز له أن يجادل وهو مباح فانظر إلى الارتباط بين الركن الثالث وهو الصيام الذي يمنعك من المباحات والركن الخامس الذي هو الحج يمنعك كذلك من المباحات، لماذا؟ حتى تتعود ترك المحرمات ولا تكون عندك ازدواجية ولا تقع في دائرة التوبيخ «لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون».