تنشر الوطن هذا العام عدة دراسات لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولعل من أهمها التي نفتتح بها شهر رمضان المبارك هي الوثيقة التي وضعها فضيلته بشأن قضايا الجهاد، والعنف والخلافة، والولاء والبراء وهي من أهم القضايا المعاصرة التي تشغل وتشعل الحوار سواء بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين والآخر.. وهي مفتتح دراسة موسعة وضع فيها تأصيلا لأهم قضايا العالم الإسلامي في القضايا المذكورة.

الموضوع الثالث: التكفير والتفسيق

لقد أرسل الله تعالى رسوله الى الناس كافة بالهداية والرحمة والشفاء، وجعل أمته خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهدايتهم وخدمتها، وتحقيق العدل بينهم والدفع، والدفاع بالتي هي أحسن.

إن تكفير أحد من أهل القبلة ليس من منهج أهل السنة والجماعة والسلف الصالح من العلماء والفقهاء الربانيين، بل هو منهج الخوارج الذين قالوا بتكفير أهل الكبائر، رداً على المرجئية الذين قالوا بعدم ضرر المعاصي (كبيرة أو صغيرة) مع الايمان، فكلاهما منهج خطأ مخالف لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة، وإنما الصواب هو المنهج الوسط الذي اتخذه أهل السنة والجماعة معتمدين على الجمع بين جميع النصوص المعتمدة، وهو أن المؤمن المرتكب للكبيرة – ما عدا الشرك – ليس بكافر، ولكنه عاص يستحق العذاب، وأمره الى الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ?لِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء الآية 116.

خطورة التكفير

وقد ذكر الامام الشوكاني في خطورة التكفير في عصره في كتابه السيل الجرار على حدائق الأزهار (1/981) فقال: «وها هنا تُسكب العبرات ويُناح على الاسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا لسنّة ولا لقرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لما غلَت به مرجلُ العصبية في الدين وتمكّن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقّنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب بقيعة، فيا لله والمسلمين من هذه الفاقِرة التي هي أعظم فواقرِ الدين والرزّية التي ما رُزئ بمثلها سبيل المؤمنين…».

ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/466): «وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت اسلامه بيقين، لم يزُل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة». وقال الذهبي في سير أعلام الموقعين (29/84): «رأيت للأشعري كلمة أعجبتني، وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أَشهِد عليّ أني لا أُكفّر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون الى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات، قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أُكفّر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم».

ولذلك اتفق السلف والمحققون من الخلف بأن وظيفة الدعاة ورسالتهم هي: نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال – إن وُجِد- فيجب أن يكون بالتي هي أحسن، فقال تعالى (ادْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) سورة النحل الآية 125 وأن يكون الدفع والدفاع والتدافع والتعامل بالتي هي أحسن (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ? ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت الآية 34 وان يكون التعامل باللين والرفق والطيب والأخلاق العالية والسامية، وليس بالتكفير والتفسيق، فليس من شأن الدعاة إصدار الأحكام، وإنما إصدار الأحكام هو من شأن القضاة بعد الأدلة المعتبرة وافساح المجال للبينات والدفاع للوصول الى الحكم الصادر، فنحن دعاة لا قضاة، حيث إن لكل نوع ميزانه الخاص، وضوابطه وآدابه وأدواته ومراحله.

والآيات في عدم مسؤوليتنا عن الآخرين بعد القيام بواجب الدعوة أكثر من أن تحصى في هذا المجال منها قوله تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) وقوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) وقوله تعالى (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى? آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَ?ذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) وقوله تعالى (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).

اجماع الامة

ومن جانب آخر فإن الأمة مجمعة على حرمة الحكم بالتكفير على أهل القبلة، وأنه لا يجوز الحكم بتكفير جماعة مسلمة بعينها، أو فرد مسلم بعينه إلا بعد البينات الواضحات النيّرات التي لا لبس فيها ولا غموض تدل على الكفر البواح، «عندكم فيه من الله برهان»، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية « وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ، وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة»

ولذلك اتفقت المجامع الفقهية، ومئات كبار العلماء والعلماء المحققون على عدم جواز إطلاق الكفر على أحد من أهل القبلة إلا بالأحكام الواضحات البينات وأنه لا يجوز التساهل في هذه المسألة ابداً، ولو وسع المجال لذكرنا قرارات وفتاوى هؤلاء، ولكن هنا نكتفي بذكر قرارات لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يضم عدداً كبيراً من علماء الأمة، ولهيئة كبار العلماء بالسعودية حول الحرية الدينية، وعدم جواز الحكم بالتكفير الا بشروط صعبة:

أ‌-قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أبعاد الحرية الدينية وضوابطها في الإسلام، وانتهى قراره بعد مناقشة الأبحاث المقدمة في هذا الصدد إلى أن الحرية الدينية مكفولة للناس، وأنه لا يكره أحد على الدخول في الإسلام، وأن الخلاف المذهبي والفقهي بين المسلمين سائغ مقبول مالم يصطدم بثوابت الإسلام.

وإليك نص قرار المجمع في ذلك:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة دولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ،الموافق 26– 30نيسان إبريل2009م،

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية: أبعادها، وضوابطها،

واستشعاره أهمية مناقشة موضوع الحريات الدينية من قبل المجمع لسدّ الحاجة الماسة داخل دول العالم الإسلامي وخارجه للتعرف إلى موقف المجمع منه باعتباره مرجعية إسلامية، فقهية عامة.

وبعد استماعه إلى الأبحاث المعدة في الموضوع والمناقشات التي دارت حوله..

قرر ما يأتي:

أولا: الحرية الدينية مبدأ مقرر في الشريعة الإسلامية ينطلق من الفطرة ويقترن بالمسؤولية في الإسلام، ولها ضوابط في الشريعة، وغايتها تحقيق الكرامة الإنسانية.

ثانياً:الحرية الدينية مكفولة في المجتمع، وتجب صيانتها من المخاطر والأفكار الوافدة، ومن كل أشكال الغزو، الدينية أو غير الدينية، التي تستهدف تذويب الهوية الإسلامية للأمة.

ثالثاً:إن المسلمين يلتزمون بالمبدأ القرآني: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقد مارسوا عبر التاريخ التسـامح وقبول الآخرين الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية، ومن الضروري احترام غير المسلمين للخصوصيات الإسلامية، وأن توقف حالات التطاول على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والمقدسات الإسلامية.

رابعاً:التنوع المذهبي والفقهي حالة طَبَعية، وتعاون المسلمين على اختلاف مذاهبهم واجب شرعي نص عليه الكتاب والسُنة، والإسلام يدعو إلى عقيدة التوحيد وتوحيد الكلمة على أساس التعاون فيما هو متفق عليه، وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلف فيه.

المسلمات والثوابت

خامساً:وضع حدّ لإثارة البلبلة حول المسلمات والثوابت الإسلامية وزرع الشكوك فيما هو معلوم من الدين بالضرورة من داخل المجتمع الإسلامي لأن ذلك يشكل خطراً على الدين والمجتمع ويتأكد الردع عنهذه الأساليب المرفوضة التي يتذرع أصحابها بالحرية الدينية، وذلك حماية للمجتمع وأمنه الديني والفكري، ومنعاً لاستغلال ذلك من غير المسلمين.

سادساً:إن الفتوى بالردة أو التكفير مردّها إلى أهل العلم المعتبرين، مع تولي القضاء ما اشترطه الفقهاء من الاستتابة وإزالة الشبهات خلال مدد الإمهال الكافية تحقيقاً للمصلحة الشرعية المعتبرة.

سابعاً: المجاهرة بالردة تشكل خطراً على وحدة المجتمع الإسلامي وعلى عقيدة المسلمين وتشجع غير المسلمين، أو المنافقين، لاستخدامها في التشكيك، ويستحق صاحبها إنزال العقوبة بالمرتد من قبل القضاء دون غيره، درءاً لخطره، وحماية للمجتمع وأمنه، وهذا الحكم لا يتنافى مع الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لمن يحترم المشاعر الدينية وقيم المجتمع والنظام العام.

ويوصي بما يلي:

مطالبة الحكام المسلمين بتوفير حاجات أبناء المجتمع الرئيسة ومنها الحرية المسؤولة، وتوفير الغذاء والسكن والعلاج والتعليم وفرص العمل، وسائر الحاجات التي تحصن الجيل من المؤثرات الإغرائية المادية وغيرها مما يستخدم لترويج الأفكار المناهضة لقيم الإسلام.

ب‌- قرار هيئة كبار العلماء رقم (239) في 27/4/1431 هـ حيث نصّ على حرمة الارهاب وحرمة تمويله، وها نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

قرار رقم 239 وتاريخ 27/4/1431هـ

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن هيئة كبار العلماء في جلستها العشرين الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض بتاريخ 25/4/1431هـ، تشير إلى ما سبق أن صدر عنها من قرارات وبيانات فيما يقوم به المفسدون في الأرض بما يزعزع الأمن، ويهتك الحرمات في البلاد الإسلامية وغيرها؛ كالقرار المؤرخ في 12/1/1409هـ. والبيان المؤرخ في 22/6/1416هـ. والبيان المؤرخ في 13/2/1417هـ. والبيان المؤرخ في 14/6/1424هـ.

وقد نظرت الهيئة في حكم: «تمويل الإرهاب» باعتبار: أن الإرهاب: جريمة تستهدف الإفساد بزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور ونسف الطائرات أو خطفها والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز، ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعاً، وأن تمويل الإرهاب إعانة عليه وسبب في بقائه وانتشاره.

كما نظرت الهيئة في أدلة «تجريم تمويل الإرهاب» من الكتاب، والسنة، وقواعد الشريعة، ومنها قول الحق جل وعلا (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة(2) وقال سبحانه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) البقرة (204 – 205) وقال تعالى (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ) الأعراف (56) وفي صحيح مسلم من حديث على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله من أوى محدثاً. قال الحافظ بن حجر رحمه الله في الفتح (وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء).

ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: أن للوسائل حكم الغايات، ولما جاء في الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق والعهود في البلاد الإسلامية وغيرها.

لذلك كله فإن الهيئة تقرر: أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة معاقب عليها شرعاً، سواء بتوفير الأموال أم جمعها أم المشاركة في ذلك، بأي وسيلة كانت، وسواء كانت الأصول مالية أم غير مالية، وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة. فمن قام بهذه الجريمة عالماً، فقد ارتكب أمراً محرماً، ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي.

وتؤكد الهيئة أن تجريم تمويل الإرهاب لا يتناول دعم سبل الخير التي تعنى بالفقراء في معيشتهم، وعلاجهم، وتعليمهم لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء.

الموضوع الرابع: علاقة المسلمين مع غير المسلمين

تدل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والسيرة العطرة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولخلفائه الراشدين على أن الاسلام يريد التعاون مع الجميع على أساس كل ما فيه الخير والبر والاحسان والمن والأمان، والسلم والسلام للجميع، بل أمر الله تعالى بهذا التعاون مع أي شخص (فرداً أو دولة أو جماعة) يسعى لهذا التعاون، وحرّم التعاون على الإثم والعدوان والظلم والعنف وهضم الحقوق حتى ولو مع المسلمين فقال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? ? وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية 2، حيث لم يحدد القرآن دين الشخص الذي يتعاون معه المسلمون، وإنما حدّد محل االتعاون فقط فإن كان خيراً وبراً وإحساناً ومصلحة ومنفعة للجميع فيجب التعاون، وإن كان إثماً وعدواناً وظلماً وعنفاً وترويعاً فيجب الابتعاد عنه – كما قال المفسرون –

وتدل النصوص الشرعية على أن الاسلام يريد توسيع دائرة العلاقات الحسنة والحوار بدءاً من دائرة الأمة الاسلامية الواحدة القوية العادلة القائمة على المنهج الوسطي الى دائرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفي هذه الدائرة بين القرآن الكريم أن النصارى هم أقرب الى المسلمين، ثم وسع الدائرة لتشمل جميع الانسانية من خلال التركيز على المشتركات الانسانية، حيث بيّنها بوضوح فقرر بأن الجميع من آدم وحواء، وبالتالي فالأصل واحد، وأنهم من تراب، وأنهم جميعاً فيهم «نفخة من روح الله» حيث قال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) سورة الحجر الآية 29 وبالتالي لا يجوز أن يعتدي الانسان المسلم على انسان آخر فيه هذه الروح المباركة المضافة الى الله تعالى إلا إذا أذن فيه صاحب الروح وهو الله تعالى، كما أن الجميع مشتركون في الكرامة الانسانية التي لا يجوز أن تنتهك فقال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى? كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) سورة الاسراء الآية 70.

ولشدة حرص الاسلام على توسيع العلاقات والحوار مع الآخر حتى ولو كان ملحداً يوجّه نداءً مُلحاً إليه بأن يجلس مع المسلم لبحث الحقيقة وكشفها لعلها تكون مع أي شخص فيقول في اسلوب رقيق رائع رائد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّا – أي المسلمون – أَوْ إِيَّاكُمْ – اي غير السملمين حتى من المشركين والملحدين – لَعَلَى? هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة سبأ الآية 25.

وهذا الأسلوب يدل على منتهى الحرص على الحوار للبحث عن الحقيقة، حتى يوصف المسلمون باحتمالية الإجرام، وذلك لجرّ أرجل المخالف الى الحوار بهذا الاسلوب المؤثر.

فدين هكذا يتعامل مع الآخر، وهكذا يحرص على الحوار فكيف يشهر السيف في وجه الآخر، بل يحرص أشد الحرص لهدايته، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع مشركي القريش، والطائف حيث آذووه كثيراً وقتلوا من اصحابه، ورموه بالحجارة وحرضوا غلمانهم على إيذاء الرسول في هذه الحالة من الإيذاء الشديد النفسي والبدني تنزل الملائكة عليه لإنزال العذاب على هؤلاء المعتدين المجرمين، فيرفضه الرسول صلى الله عليه وسلم بل يدعو لهم فتقول» اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» ويطمع في اسلام ذرياتهم. (أنظر كتب السيرة)

وبناءً على ذلك فقد وضع الاسلام مجموعة من المبادئ والأسس الفكرية والعقدية لقبول الآخر والتعايش معه بسلام على أساس العدل والمساواة في الحقوق المدنية، منها.

1- اعتراف الاسلام بكرامة الانسان (اي انسان كان) وحماية حقوقه وحرياته.

2- الأصل في الاسلام السلام، لا الحروب.

3- الاعتراف باختلاف الأديان والطبائع، وأن هذه سنة الله تعالى في خلقه.

4- الحوار هو الأصل لا الصراع.

5- وجوب الدفع والدفاع والتدافع بالتي هي أحسن.

وأما علاقة الأقلية الاسلامية بدولتها غير المسلمة فيجب أن تكون علاقة عدل وخير وقدوة حسنة كما فعل ذلك سيدنا يوسف عليه السلام، حيث سجن في مصر ظلماً وعدواناً، ومع ذلك وهو في السجن أرشدهم الى خطة لإنقاذ شعب مصر، وحينما أخرج طلب أن يكون وزيراً لتنفيذ هذه الخطة، فقدم هذه الخدمات الجليلة لدولة غير مسلمة، ولشعب غير مسلم.

وعليهم احترام قوانين البلد الذي يعيش فيه المسلم مادامت لا تتعارض مع نص قطعي، واذا كان القانون مخالفاً فلا يقوم بتطبيقه، ولكن لا يجوز له أن يثير الفتن والمشاكل فلقد عاش صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاد الحبشة فلم يخرقوا لها نظاماً، ولم يخالفوا لها قانوناً ولم ينتهكوا سيادتها ولا أخلوا بأمنها، وذلك كلّه مع حفاظهم على دينهم واستمساكهم بتوحيدهم لربهم، والتزامهم شرائع الاسلام في إطار علاقة رشيدة من حسن الجوار، وحديث فديك الذي رواه البيهقي وغيره هو المنطبق على وضع الأقلية (أن يصلح نفسه) ونصه: «يا فديك أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء في دار قومك حيث شئت»

فالمسلمون مطالبون بمعاملة الناس جميعاً بالأخلاق الحسنة قال تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) سورة البقرة الآية 83 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي الحديث 1987، وقال ايضاً: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» رواه بهذا اللفظ الشامل المسلم وغيره وأيضا البخاري الحديث رقم 13.

فالاسلام دين للعالمين، بل هو رحمة لهم جميعاً، ولذلك يجب أن يكون التعامل بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى بذلك، ولم ينشر الاسلام إلا بالأخلاق والقيم.