بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله الذي انزل على عبده الفرقان ، فجعله نوراً مبيناً ، وشفاءً لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ، وموعظة للمتقين ، وبشرى للصادقين ، وتبياناً لكل شيء وتذكيراً للعالمين ، يهدي به الله الذين آمنوا سبل السلام وطريق السعادة واليقين .

  والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الصادق الأمين ، وعلى آله الأطهار الطيبين ، وصحه الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

سعادة الأخ الفاضل الشيخ محمد بن عبداللطيف المانع .. وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

سعادة الأستاذ فيصل المحمود ، وكيل الوزارة

سعادة الأخ الفاضل الدكتور خليفة بن جاسم الكواري .. رئيس اللجنة المنظمة لمسابقة الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله رحمة واسعة

السادة العلماء الأجلاء المحترمون

الإخوة والأخوات

الحضور المكرمون

أحييكم بتحية من عند الله مباركة طيبة ، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

إخوتي الكرام

  إنه لشرف عظيم لي أن أقف بين أيديكم اليوم لألقي كلمة العلماء في الحفل الختامي لمسابقة الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله رحمة واسعة لحفظ القرآن الكريم (الثانية عشرة) حيث تكمن أهميتها في انها تدور حول القرآن الكريم الذي هو خير الكلام ، وخير الكتب ، الكتاب المبارك ، والذكر الحكيم ، والنور المبين ، وتنزيل ربّ العالمين ، نزل به جبريل الأمين على قلب سيد المرسلين ليكون شاهداً ومبشراص ونذيراً وسراجاً منيراً .

  وبما أن المقام مقام إيجاز ، ومقام الإيجاز يقتضي التركيز فإنني أجيز حيدثي هذا في كلمات ثلاث :

الكلمة الأولى : كلمة شكر وثناء وعرفان لدولة قطر أميراً وحكومة وشعباً التي احتضنت هذه المسابقة المباركة منذ اثنتي عشرة سنة ، لم تبخل عليها بمال ولا جهد ، كما أنها دائماص الرائدة في احتضان العلماء وأهل القرآن ، فجزاهم الله تعالى خيراً ، وحفظ هذا البلد من كل سوء ، وجعله بلداً آمناً تزداد فيه الخيرات والبركات .

  كما لا يسعني إلاّ أن أتقدم بالشكر الجزيل والثناء العاطر لوزارة الأوقاف المتمثلة في وزيرها الشاب الداعية ، ووكيلها ، وإدارتها وللجنة المنظمة المتمثلة برئيسها وأعضائها ، فجزاهم الله خيراً ، كما لا ننسى في هذا المقام من سنّ هذه السنة الحسنة في هذه الوزارة سعادة الشيخ عبدالله بن خالد حفظه الله ورعاه وطورها سعادة الأخ الفاضل الأستاذ أحمد بن عبدالله المري.

   والشكر موصول باسمي وباسم العلماء والحضور لكل من ساهم في هذه المسابقة من الخيرين المتبرعين ، والإعلاميين ونحوهم فجزاهم الله تعالى خيراً ، وجعلهم وإيانا من أهل القرآن .

الكلمة الثانية : هي كلمة نصح وإرشاد لأبنائي وبناتي الذين تشرفوا بحفظ القرآن الكريم كله ، أو بعضه فقد سماكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل الله وخاصته كما في حديث أنس الذي رواه النسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ، إضافة أن لحامل القرآن منزلة عظيمة في الدنيا ، حيث ترتفع به منزلته ، وفي القبر حيث يكون له مؤنساً من الوحشة ، ومصباحاً في الظلمة ، وأما في الآخرة فيكون القرآن شفيعاً لحامله ولمن يعمل به ، فقد روى الإمام أحمد بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامنة حيث ينشق عنه قبره ، فيقول : هل تعرفني أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر ، أسهرت لليك ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ثم يقال : أقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها) ولذلك أرى من باب الواجب التذكيرَ ، والنصحَ الذي هو من شيمة هذا الدين ، بل هو الدين كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) .

  فنصيحتي لهم بأن لا يجعلوا ما انتهوا إليه من حفظ القرآن الكريم نهاية المطاف ، وآخر المصاف ، بل ينبغي لهم مراجعته وقراءته آناء الليل وأطراف النهار لعلهم يظلون في ظل القرآن الكريم وظلاله الوارفة ، ورحابه الواسع وشذاه النديّ ، فليس هناك ظل أجمل وأورف من القرآن الكريم ، حيث يمنح هدوء النفس ، واطمئنان السريرة وقرارة الضمير ، ورباطة الجأش ، وثبات الخطوة ، والثقة بالنصر ، والإحساسا بانه في كنف الله تعالى ، وفي رعايته ، وانه في موكب الأنبياء والمرسلين والشهداء والصادقين وحسن أولئك رفيقاً ، وأنه بذلك يرتقي بقدر ما يرتقي في حفظ القرآن الكريم ، فيكون بذلك أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية ، حيث يأخذ القرآن بيديه للارتقاء به إلى أقصى درجات الكمال ثم ليقوده في طريق الكمال الصاعد إلى الله تعالى .

  أريد من أهل القرآن أن تثبت في قلوبهم شجرة القرآن الباسقة ، وتضرب بجذورها في جميع أعضاء الإنسان وأجهزته ، ثم تتطاول فروعها وتتشابك حول القارئ نفسه فتكون قطوفها دانية ، وثمارها يافعة ، ويكون خيّراً مفيداً كالشجرالمثمر الذي يرمى بالحجر فيرمي هو الآخر بالثمر .

  أريد أن يكون قارئ القرآن (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَئآزَرَهُ فَـﭑسْتَغْلَظَ فَـﭑسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ) أريد أن يكون كالحبة التي تضحي بنفسها لتخرج سنابل ليعيش عليها الناس .

أريد من القارئ أن يكون عاملاً بالقرآن ويكون كالأترجة ريحا طيب وطعمها طيب ، أن يكون قرآناً يمشي كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أريد أن يكون ممن يقرأ القرآن ، والقرآن يلعنه ، لأنه لم يطابق قوله فعله ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (من قرأ القرآن يقوم به آناء الليل والنهار ، ويحل حلاله ويحرم حرامه حرم الله لحمه ودمه على النار وجعله مع السفرة الكرام البررة حتى إذا كان يوم القيامة كان القرآن حجة له) رواه الطبراني.

 أريد ان يطبع القارئ نفسه على القرآن حتى يصبح هواه ورغباته وشهواته منسجمة مع القرآن الكريم متناسقة مع ذكره الحكيم متناغمة مع خلقه العظيم ، وأن لا يعيش في حالة ازدواجية بين العمل والقول ، والصوت والصورة .

أريد من القارئ الكريم أن يتفقه في آياته كما فسر الإمام الشافعي (يؤم القوم أقرؤهم) فقال : أنفعهم القوم ، لأن الصحابة الأجلاء ما كانوا يقرؤن عشر آيات إلاّ بعد أن فهمها ووعيها ، وتدبرها والعمل بها .

 أريد من القارئ الكريم أن يعيش على منهج القرآن الوسط بقوله كما وصفه الله تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) دون إفراط أو تفريط ودون تشدد ، ولا تفلت  ، أو كما صرح به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقال : (ثلاثة من إجلال الله تعالى : إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير المغالي فيه)

  وأخيراً أريد من إخواني القراء أن يحفظوا الأهداف النبيلة التي وضعتها المسابقة الكريمة نصب أعينها وهي :

  • إظهار الحفاوة بالقرآن الكريم.

  • تشجيع حفظ وتدبر آيات الله المسطورة.

  • ربط الأجيال المسلمة بالكتاب العزيز تلاوة وتدبراً وعملاً.

  • إحياء روح التنافس بين الناس في طلب هذه الغاية الشريفة

  • الإرتقاء بالهمم والعزائم عن صغائر الأمور للانشغال بعظائمها.

  • إعداد الجيل القرآني الذي سيكون – أنشاء الله – ذخراً للأمة.

  • إكرام الماهرين من أهل القرآن وترغيب الآخرين بتقليدهم.

  • الاقتداء بالسلف الصالح في إكرام أهل العلم وحفظ كتاب الله.

  • التاكيد على أن المخرج من مصائب الأمة يتمثل بالاجتماع حول القرآن.

  • تبصير الامة بما يقيها من طغيان وظلمات الفتن.

 والكلمة الأخيرة هي أن لهذا القرآن حقوقاً على الأمة التي رفع الله به شأنها وجعلها خير امة أخرت للناس ، وتتمثل هذه الحقوق في رعاية القرآن الكريم وتطبيقه ، والتحاكم إليه ، واستيعابه وتفقهه ، وفهمه فهماً شمولية للحياة كلها ، فالقرآن هو روح الأمة ، وحياتها ، حيث يقول الله تعالى (يَٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وقال تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ) فالقرآن الكريم هو روح الأمة ، فقال تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا) كما ان الإنسان فيه نفخة من روح الله تعالى فقال تعالى (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى) وبالتالي حينما تنسجم روح الإنسان مع القرآن فتنسجم الأمور كلها ، والكون كله ، ولذلك تبكي المساء والأرض لموت من يقرأ القرآن .  والتجارب الإسلامية شاهدة على أن عزة هذه الأمة وكرامتها وحضارتها وتقدمها في الالتزام بمنهج القرآن الكريم منهج الرحمة للعالمين وهو كما يقول الشاطبي ( كتاب الله هو … ينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر فلا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه) .

  ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تركتم فيكم ما إن اعتصمتم  به لن تضلوا أبدا : كتاب الله وسنتي) .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .   

 

ا.د. علي بن محيي الدين القرة داغي