إصلاح الجانب العقدي والفكري
أصابت الأمة الإسلامية في قرونها الأخيرة أمراض تتعلق بعقيدتها وفكرها، حيث ظهرت الخرافات والشركيات، والاستعانة بالجن والشياطين، وطلب الواسطة بين العبد وربه بمختلف الوسائل، كما ضعف الولاء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وقوي نحو الأعداء والمستعمرين والمحتلين، فقامت حركات جهادية في معظم العالم الإسلامي ضد المحتلين فأخرجوهم عسكرياً، ولكن بقيت قوانينهم، وهيمنتهم في معظم البلاد.
وفي علاج الخرافات والشركيات، ظهرت حركات اتسم بعضها برد الفعل الشديد، فوسعت دائرة التكفير، ودائرة البراء، لتشمل كثيراً من الفرق والطوائف والجماعات، التي تختلف في موضوع الصفات على أساس التأويل.
فإذا أردنا العلاج الفكري والعقدي، فعلينا أن نحدد الثوابت القواطع في مجال العقيدة، التي هي مما عرف في الدين بالضرورة، ونجعل ما عداها من الاجتهادات وإن كان مرجوحة، وبالتالي، فلا يجوز الحكم بكفر قائلها، وأن نُرسخ في الأذهان أن النصوص المتعلقة بالعقيدة ليست جميعها من الأصول القطعيات، بل هي مثل بقية النصوص، فيها الظنيات القابلة للتأويل، والاستنباط المتعدد.
التركيز في تربيتنا الدينية على أن الإسلام دين الرحمة للناس كافة، بل للعالم أجمعين، فإذا كان الإرهاب بمعنى تخويف الآخرين قد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة، فإن لفظ «الرحمة» ومشتقاتها قد تكررت في القرآن الكريم مئات المرات، حيث أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة، والمعاني الإنسانية، حتى لا نرى مثلها في أي نظام، أو دين آخر، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة «رحم» ومشتقاتها أكثر من 340 مرة، إضافة إلى تكرار «الرحمن الرحيم» في «بسم الله الرحمن الرحيم» في بداية السور مائة وثلاث عشرة مرة، تحدث فيها عن عظمة الرحمة، وكونها صفة لربّ العالمين، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى، يذكرهما المسلم في صلاته، وعند بدئه بأي عمل فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم»، بل جعل الله تعالى الغاية من إنـزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع، وليست للمسلمين وحدهم، فقال تعالى: «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين»، وجعل الله تعالى: «رؤوف رحيم» من أسماء الرسول، حيث قال: «بالمؤمنين رؤوف رحيم»، ويقول: « ورحمتي وسعت
كل شيء».
وجاءت السنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية، من خلال السنة القولية، والسنة العملية، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه «نبي الرحمة»، كما وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة في غاية من الأهمية تقضي بأنه «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم»، وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات، إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا، إضافة إلى أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقاً لهذه الرحمة، حيث كان يؤذى من قبل قومه بشتى أنواع الأذى والإهانة، ومع ذلك يمتنع عن أن يدعو عليهم، أو يطلب من الله تعالى أن يهلكهم بصاعقة في الدنيا، بل كان يدعو لهم، ويرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله، وينتصر في فتح مكة، ويرى كل أعدائه الذين آذوه فيقول لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
ومع كل ذلك، لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء، فوصفوه بالقسوة في تشريعاته، ولا سيما في الحدود، وبالعنف في استعماله القوة، وأنه انتشر بالسيف، فدين تحتل الرحمة فيه هذه المكانة لا يمكن أن يجيز لأتباعه بإرهاب الآمنين الأبرياء.
التركيز على أن الإسلام دين الأمن للإنسان، والسلام لهذا الكون كله، وأحد أسماء الله تعالى «السلام»، وليلة نـزول القرآن هي ليلة السلام، بنص القرآن الكريم: «سلام هي حتى مطلع الفجر»، بل الإسلام مشتق من لفظ «السلم»، وأن تحية المسلمين في الدنيا هي «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وتحيتهم في الجنة أيضاً السلام، فقال تعالى: «تحيتهم يوم يلقونه سلام».
وقد أمر الإسلام بالجنوح إلى السلم حتى مع الأعداء المحاربين، ما داموا قد جنحوا إليها، حتى ولو أرادوا الخداع، كما سبق».;