الدفاع عن القدس وتحريرها بجميع الوسائل المتاحة فريضة شرعية، وضرورة قومية، ووطنية، وإنسانية. وأن التخلي عن هذه القضية هي التخلي عن هوية الأمة ومقدساتها

يتعرض القدس الشريف بصورة خاصة، وفلسطين بصورة عامة لجملة من الأخطار الكبيرة وهي أخطار الاحتلال، والاستيطان، و التهويد، مما يؤكد بوضوح أن الصراع الصهيوني مع العرب و المسلمين هو صراع الوجود، وليس نزاعا على الحدود.

إن مدينة القدس تتعرض لأبشع الجرائم مع أن فيها أعظم المؤسسات الإسلامية من أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي بارك الله حوله، حررها الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه، واستلم مفاتيحها من البطريك صفروينوس بصلح وسلام، ثم طهرها صلاح الدين الأيوبي من الغزاة الأوربيون الذين حاربوا تحت مسمى الحروب الصليبية .

يتعرض القدس الشريف اليوم لمحاولات مستديمة من الصهاينة لتغيير معالم هذه المدينة المقدسة، والبدء بتقسيمها زمنيا ومكانيا للتمهيد على السيطرة الكاملة، بالإضافة إلى حفر انفاق تحتها لهدمها في الوقت المناسب لبناء الهيكل المزعوم عليها.

إن الدول العربية ومنظمة التحرير قد بذلت جهودها السلمية خلال اكثر من ثلاثين سنة لإعادة الأرض المسلوبة في فلسطين بما فيها القدس الشريف فلم تتحقق أي نتائج إيجابية بل على العكس من ذلك استطاعت إسرائيل خلال هذه الفترة أن تتجه اتجاها معاكسا للسلام تماما وتستولي على 16 منطقة من المحور الشرقي لتبني فيها عشرات الألاف من البيوت والشقق، بالإضافة إلى استيلائها على 35 منطقة في المحور الغربي (الخط الأخضر) بالإضافة إلى الأحزمة الاستيطانية، و الجدار العنصري العازل بين الضفة و القدس الذي أخذ وحدها 5.6% من مجموع مساحة الضفة الغربية، ويكفي أن نذكر تقرير منظمة السلام الإسرائيلية: “إن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والقدس زادت بنسبة 70% حتى منتصف عام 2013م مقارنة بعام 2012م فقط”، هذا في مجال الاستيطان فقط، ناهيك عن الجرائم الخطيرة ضد الإنسان الفلسطيني والأرض والبيئة.

كل ذلك يثبت بالأدلة العملية المجربة أن خيار السلام والمصالحة مع إسرائيل قد فشل، و أنه ليس أمام الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل والإنسانية المحقة، إلا خيار المقاومة الشاملة، لإجبار العدو الصهيوني على رد الحقوق إلى أصحابها وإعادة الأرض إلى أهلها، والكف عن الممارسات العنصرية واللاإنسانية ضد الفلسطينيين.

 

وأمام هذه الحالة ليس أمامنا إلا المقاومة الشاملة من الفلسطينيين بجميع مكوناتهم وبكل إمكانياتهم، ومن العرب شعوبا ودولا بكل إمكانياتهم لدعم الصمود الفلسطيني، و من المسلمين جميعا كذلك بل والإنسانية المحقة حتى التحرير الشامل لكل الأراضي المحتلة.

نحن في قضيتنا نستطيع أن نستثمر هذه الأبعاد الثلاثة: البعد العربي، والإسلامي، والإنساني، لخدمة هذه القضية، ولكننا لا يمكننا تحقيق ذلك إلا من خلال الأخذ بمجموعة من المبادئ والأسباب نستطيع القول بأن طريق تحرير القدس يمر من خلالها، وهي:

أولا: توحيد أمتنا على ثوابتها والابتعاد عن كل ما يفرقها من النعرات الطائفية والحزبية الضيقة، وهذا ما سلكه صلاح الدين الأيوبي حيث انطلق من التوحيد إلى التحرير، فقد بذل كل ما في وسعه خلال عشرين سنة من حكمه لتوحيد الأمة وشكل من مصر والشام والعراق واليمن والحجاز وغيرها قوة ضاربة، وخصص بضع سنوات للجهاد والتحرير.

وهذا يقتضي مصالحة شاملة بين الحكومات وشعوبها وبين الدول الإسلامية بعضها مع بعض وبخاصة بين الدول العربية، بل يجب الوصول إلى وحدة في الأهداف إن لم تصل إلى الوحدة الشاملة.

ثانيا: تقوية الأمة من خلال الأخذ بزمام الحضارة والتقدم العلمي والإبداع لتحقيق التنمية الشاملة، والتكافل والتعاون البناء بين جميع الدول.

ثالثا: تسخير جميع إمكانيات الأمة لصالح القضية حتى تحل هذه المشكلة، فلن يكون هناك أمن حقيقي شامل لهذه المنطقة ولا استقرار ولا ازدهار لها إلا اذا حلت هذه المشكلة، لذلك فالدفاع عن فلسطين ودرتها القدس فريضة شرعية بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع، وضرورة قومية ووطنية وإنسانية.

إن أهل فلسطين كانوا على مر التاريخ مقاومين للمحتلين حتى كتب يوليبيوس عن مقاومة الفلسطينيين للرومانيين قبل الميلاد ” إنهم يحافظون على إيمانهم بالمقاومة، ويترجمون ذلك إلى مقاومة لا تقاوم”، وفي ظل الإسلام قال الرسول الحبيب في وصفهم:” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لإواء حتى يأتيهم أمرهم وهم على ذلك” قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال:” ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” الحديث رواه أحمد( 22320) والطبراني(20/317) وأكناف بيت المقدس تشمل أهل الشام والأردن أيضاً كما قال شراح الحديث، كما أكد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أنتم شرقيه ( أي شرقي نهر الأردن) وهم غربيه” رواه الطبراني والبزار ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.

لذلك على الأمة الإسلامية دعم المقاومة التي تشمل جميع الجهود المبذولة للتحرير، وكذلك تشمل الجهود الكريمة التي تبذلها المملكة الأردنية الهاشمية للحفاظ على القدس الشريف ومقدساته.

رابعا: ويقع على العلماء دور عظيم جدا في إعداد الأمة للوحدة والمقاومة وإزالة آثار الفرقة والاختلاف من خلال برامج توعوية كما فعله الإمام الغزالي ( رحمه الله) من خلال التركيز على تزكية الداخل وإحياء علوم الدين، ثم طوره الشيخ عبد القادر الجيلاني بإضافة الجهاد، فنشأ جيل صلاح الدين الذي وحد الأمة، وحررها من أعدائها في الداخل والخارج.

فما أحوجنا اليوم إلى تزكية الداخل بالتقوى وسلامة القلب من أمراضه، وسمو الروح، والى النفس اللوامة الراضية المرضية، والفعل المبدع لتأخذ أمتنا بمقتضى الخيرين الوحي والفعل، ولتسعد بالسعادتين الدنيا والآخرة.