الإعجاز في شروط الوجوب :

الأصل والراجح – كما سبق – هو أن جميع الأموال التي لها قيمة مشروعة حسب العرف تجب فيه الزكاة بالشروط الآتية:

أولاً – أن يتحقق الملك التام لصاحب المال، أي ملكية عين الشيء، ومنافعه، بحيث يكون له حق التصرف الكامل ابتداءً، وذلك لتحقيق واجب الشكر عند تمام النعمة، كما أن الزكاة لو فرضت على الملكية الناقصة لكان فيه إجحاف بحق المالك، وعبء كبير عليه، كما هو الحال في المستأجر الذي يملك المنفعة فقط مؤقتاً، فلو فرضت عليه زكاة لما تحققت مقاصد الشارع، وكذلك إذا كانت الملكية عامة – كما في الوقف العام وأموال الدولة- فلا تجب فيها الزكاة ؛ لأنها مرصودة للمصالح العامة .

ثانياً- أن يكون المال نامياً بالفعل أو قابلاً للنماء، أما الأموال غير النامية مثل المال المغصوب ، أو الضمار، أو القنية (الأصول الثابتة) فالحكمة والإعجاز في عدم وجوب الزكاة فيها هي أن فرض الزكاة فيها يؤدي إلى نقصانها فعلاً، بل تلاشيها مع مرور الزمن، فيكون في ذلك إجحاف بحق المالك، في حين أن وجوب الزكاة في المال النامي ينسجم مع مقاصد الشريعة ، ويتناغم مع معنى الزكاة ومقاصدها.

ثالثاً- أن يبلغ المال النصاب وهو الحد الأدنى للغنى الموجب لدفع الزكاة (حسبما حددته الأدلة الشرعية) وفي هذا عدالة ، وسبق على الأنظمة الضريبية المعاصرة في ترك الحدّ الأدنى وإعفاء ذوي الدخل المحدود ، كما أنه معيار عادل مرن صالح لقياس حد الغنى في كل صنف.

رابعاً- أن يحول عليه الحول (فيما يشترط فيه الحول)  يقول ابن قدامه : (إن الأموال الزكاتية خمسة : السائمة من بهيمة الأنعام ، والأثمان -أي النقود- وهي الذهب والفضة، وقيم عروض التجارة، وهذه الثلاثة الحول شرط في وجوب زكاتها، لا نعلم فيه خلافاً، سوى ما سنذكره في المستفاد، والرابع : ما يكال ويدخر من الزروع والثمار، والخامس: المعدن، وهذان لا يعتبر لهما حول)

 

 ثم ذكر حكمة  عظيمة ، بل تحليلاً اقتصادياً جميلاً ، فقال : (والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لم يعتبر له، أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء، فالماشية مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا الأثمان، فاعتبر له الحول، فإنه مظنة النماء ، ليكون إخراج الزكاة من الربح ، فإنه أسهل وأيسر، ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط، كي لا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات، فينفد مال المالك ، وأما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها ، تتكامل عند إخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذ، …… فلا تجب فيها زكاة ثانية ، لعدم إرصادها للنماء ، والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض، بمنزلة الزرع والثمر)…

 ثم إن حولان الحول إذا كان مشروطاً في الأموال الثلاثة المذكورة ، فإن الموسمية متحققة في الزروع والثمار، ونحوهما، وبالتالي فقد اشترط الزمن للدفع، أو بعبارة دقيقة فإن دفع الزكاة مرتبط بتحقق النماء فعلاً في وقته، أو بتحقق النماء خلال العام.

خامساً- السلامة من الدين – على تفصيل فيه – حيث إن هذا الشرط يحقق العدالة ورفع الحرج، وقاعدة الملاءة، والملكية التامة ، فمن كان ماله مستغرقاً بالديون، أو لا يبقى له النصاب معها فليس غنياً ولا تجب الزكاة في ماله.

سادساً- الفضل عن الحوائج الأصلية، حيث يحقق أيضاً قاعدة العدالة والتوان والملاءة ، وقاعدة التيسير ورفع الحرج.

 والخلاصة أن هذه الشروط الستة لوجوب الزكاة تحقق عدالة، وتوازناً رائداً ورائعاً بين حقوق الفقراء والأغنياء، وتؤكد على ضرورة وجود الملاءة والقدرة، والتنمية الشاملة، والتكافل في ظل قاعدة التيسير ورفع الحرج.

الإعجاز في مصارف الزكاة :

مصارف الزكاة معروفة ومنصوصة في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فقد أوضحت هذه الآية أن مصارف الصدقات ثمانية، ولا مجال هنا للخوض في تفاصيلها أما مصارف الضريبة حتى في الدولة الشرعية العادلة فهي تصرف على حاجيات الدولة بل ومحسناتها، وبعبارة موجزة فالدولة تصرفها ضمن بقية أموالها في شؤون الحرب والدفاع والخدمات العامة، وفي تطوير برامجها ونحوها، فالدولة ليست ملزمة بتحديد مصرفها بل تصرفها حسب خططها وإرادتها بما يحقق المصالح العامة الشاملة