الدوحة – الراية:

وجّه فضيلة د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نداء إلى الدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر، بما في ذلك دولة قطر أن تلتجئ في التحكيم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون المرجعية للشريعة الإسلامية، وقال هل تجيز الشريعة الإسلامية قطع الأرحام؟ هل تجيز الشريعة الإسلامية القطيعة بين الأشقاء، وبين أبناء العم والخال، وبين أفراد القبيلة والعشيرة الواحدة، وبين من جعل الله بينهم نسباً وصهراً، وقبل كل ذلك يجمعهم عاصم واحد، ألا وهو دين الله عزوجل؟القرآن والسنة هما المرجع الأعلى لهذه الأمة، يجب عليها الرجوع إليهما، إن الله تعالى أمرنا بأن نرد أحوالنا جميعها إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يكون الدين مرجعاً لنا في زمن الفتن الهوجاء؟، قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ }.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إن بيان الحكم وعلاج القضايا التي تتعلق بتثبيت الأمن، أو البحث عن الحلول للمشاكل والمصائب هو للعلماء الربانيين، القادرين على استنباط أحكام تلك المستجدات من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعا إلى تشكيل لجنة من كبار العلماء في العالم الإسلامي لبيان المطلوب شرعاً من الطرفين.

قال فضيلته هذه دعوة لتشكيل هيئة من علماء الأمة لمناقشة موضع الخلل في هذه الفتنة التي اجتاحت بلاد الخليج العربي، ولتحل هذه الهيئة هذه القضية دون اللجوء إلى الأعداء الذين لا همَّ لهم إلا نهب ثرواتنا والاستيلاء على خيراتنا، وكلي ثقة في أن الحق سينتصر، وسيظهر واضحاً للعيان، كالشمس في رابعة النهار..ولنا في التاريخ عبر، خاصة وقد أمرنا الله تعالى أن نستفيد من عبره، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، وقد ذكر أهل المغازي والسير والتفاسير أن قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلاً من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول: « أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ « وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.. وقد سمى الله تعالى الاحتكام إلى العدو كفراً، وليس المقصود هو كفر العقيدة؛ لأن الخطاب للمؤمنين، وإنما هو كفر دون العقيدة فالآية تحذرنا من السماع إلى الأعداء وإلى المفسدين.

ودعا العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي والكلمة بأن يدعوا إلى الخير، وقال فضيلته :نحن ندعو إلى الخير ونحب الخير لجميع البلاد الإسلامية، كما نريد الخير لهذا البلد العزيز قطر، الذي آوانا وأكرمنا، والذي نرغد بالعيش في أرضه، وننعم بخيراته.

وقال: القرآن الكريم يدعونا إلى الاستفادة من التاريخ وعبره، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، أي لأصحاب العقول.. علينا جميعاً أن نستفيد من العبر التاريخية، العرب في الجاهلية وقبل الإسلام كانوا متفرقين وممزقين، قسم تستعمله الإمبراطورية الساسانية لمصالحها، والقسم الآخر تستعمله الإمبراطورية الرومانية لمصالحها، والعرب وقود نزاعات الإمبراطوريتين.. وداخلياً بين القبيلة والعشيرة الواحدة حدث ولا حرج عن القتل والنهب والانتهاكات، حتى قال شاعرهم:

وأحياناً على بكر أخينا    

إذا لم نجد إلا أخانا.    

  • التفرقة كفر دون كفر العقيدة

قال الدكتور علي القره داغي: جمع الله تعالى العرب على هذا الدين، وربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيل الأول على التقوى والوحدة والاعتصام، وعلى أن الوحدة إيمان، وأن التفرقة كفر دون كفر العقيدة. وهكذا يربينا صلى الله عليه وسلم من خلال سنته، والتاريخ يشهد أن العرب أصبحوا بهذا الدين قادة الدنيا، وأساتذة الأمم، وحينما تركنا وابتعدنا عن هذا المنهج عدنا إلى الجاهلية الأولى.. ولما ظهرت هذه الفتنة التي تعصف ببلاد الخليج العربي انشغلت الأمة عن مآسيها الأخرى، التي توهن جسدها وتضعف عزيمتها، ونسينا قضيتنا الأولى، واليوم تمرّ الذكرى الخمسون لقبلتنا الأولى ونحن منشغلون عنها بالفتنة التي أثيرت في منطقة الخليج، حتى أصبح المقاوم الذي له حق الرد شرعاً وعقلاً وقانوناً دولياً يوسم بالإرهاب.. فلنتقِ الله تعالى وليكن لنا شرف المساهمة في خدمة الأمة الإسلامية لرأب الصدع ووأد الفتن، لعل التقوى تسلك بنا سبيل النجاح والخروج من الأزمات.

  • الصيام محقّق للتقوى والنصر

وقال إن من أهم الانتصارات التي وقعت في هذا الشهر العظيم، غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في السابع عشر من رمضان، هذه الغزوة التي سماها الله تعالى بالفرقان، وسمى يومها بيوم الفرقان، الفرقان بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الطواغيت التي تجبرت وتكبرت وبين عباد الله الصالحين، وقد جعل الله تعالى يوم الفرقان وكل ما حدث فيه مطلباً إيمانياً، كما ربط الله تعالى بين الانتصار في بدر الكبرى، حيث المؤمنون قلة مستضعفة، وبين التقوى، فقال تعالى:{ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، وكما بين الله تعالى أن انتصار هذه الفئة القليلة المستضعفة يستوجب الشكر.

  • رمضان شهر الانتصارات

أوضح فضيلة الشيخ القره داغي أن الله تعالى جعل هذا الشهر العظيم شهر الصيام وشهر القرآن وشهر الانتصارات، وهذه الأمور الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض، وذلك حينما يكون الصيام المطلوب الحقيقي محققاً للتقوى، وحينما تكون هناك تقوى، وهي رقابة الله تعالى وتقديم أمره ونهيه على كل أمر ونهي، والامتثال الحقيقي لشرع الله تعالى، وتقديم كل ذلك على حظوظ النفس ومصالحها العامة والخاصة، وحينما نصل بهذه التقوى إلى مرحلة أن نعبد الله كأننا نراه، فإن لم نكن نراه فنتيقن أنه يرانا، وتؤثر هذه التقوى على قراراتنا وأعمالنا وأفعالنا على مستوى الفرد والجماعة، عندئذ يتحقق الصفاء ويتحقق القلب السليم، وتتحقق النفس المطمئنة وتتحقق السلوكيات الطيبة التي تقوم على نفع العباد والبلاد، والتي تكون بعيدة عن الإضرار بكل شيء من حولنا، حتى البيئة التي نعيش فيها.. ومن خلال هذه التقوى بشر الله تعالى المؤمنين بتحقيق نتائج عظيمة من الانتصارات التي وقعت في هذا الشهر العظيم، والتي يبلغ عددها 85 انتصاراً، غير كل انتصار منها مجرى التاريخ.

  • الإسلام دين الرحمة

اعتبر فضيلته فتح مكة لا يقل عن نصر بدر بقوله: كما حدث في هذا الشهر العظيم انتصار آخر لا يقل أهمية ولا عظمة عن غزوة بدر الكبرى، وقد سماه الله الفتح المبين، وهو فتح مكة، حيث كان في العشرين من شهر رمضان، فتح الله فيه قلوب العباد لدينه، وأثبت الإسلام أنه دين الرحمة وأنه لا يعرف العذاب والاضطهاد والثأر، ظهر ذلك جلياً واضحاً من خلال عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش التي كادت به وبأصحابه، والتي سامت المسلمين سوء العذاب، والتي نكلت بالمسلمين نكالاً عظيماً، « ماذا ترون أني فاعل بكم؟، أخ كريم وابن أخ كريم، قال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء «. وقال لو وجدت التقوى في النفوس لم يكن هناك اعتماد على الأعداء في حل مشاكلنا، ولو استقرت التقوى في القلوب لم يكن فينا من يوالي أعداءنا على حساب كرامة أمتنا وعزتها، ولما استسهل الواحد منا أن يلحق الأذى بأي كائن على وجه هذه البسيطة.

  • مرجعية الأمة كتاب الله تعالى وسنة نبيه

ذكر فضيلته أن الأمر الثالث الذي ربط الله تعالى هذه الانتصارات به، وهو القرآن الكريم، فالصيام يحقق التقوى، والتقوى تحقق النتائج الطيبة من الانتصارات، ولكن التقوى والانتصارات لا يتحققان إلا إذا كان القرآن الكريم مرجعية ومعيارية ودستوراً لهما، فيجب أن تكون مرجعية الأمة كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ السنة هي الحكمة المبينة والمفسرة والموضحة لما أجمله الله تعالى في القرآن الكريم، وأي دعوة للفصل بين القرآن والسنة دعوة باطلة تهدف إلى إفساد هذا الدين على الناس، يقصد أصحابها أن يلبسوا على الناس دينهم الذي ارتضاه الله لهم.. ولو كانت مرجعية الأمة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لما حدثت فيها المشاكل التي تستعصي على الحل، ولكانت الأمة في مأمن من الفتن التي تعصف بها من كل جانب ما ظهر منها وما بطن.