الحمدلله رب
العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيّبين وصحبه الغر
الميامين ومن تبعهم بإحسان الي يوم الدين.

وبعد

 فإن الاقتصاد
الإسلامي مع أنه يمتاز عن غيره بكونه اقتصاداً يولي عنايته نحو الاقتصاد العيني،
وتحقيق قيم مضافة في مجال التنمية والتعمير… لكن الميزة العظمى له هي أنه اقتصاد
قائم على القيم السامية والأخلاق الراقية، وعلى العقيدة القاضية بربط المال وكل
الأنشطة الاقتصادية بتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.

 وقد أثبتت
الأزمة المالية العالمية المعاصرة أن فصل القيم الدينية والأخلاقية عن الاقتصاد
كان له الدور الكبير في نشأتها وازدياد آثارها، حتى ذكر الكثيرون من الرؤساء
والاقتصاديين: أن سببها: الأزمة الأخلاقية التي يمرّ بها العالم، وذلك لأن معظم
وكالات التصنيف والمدققين ونحوهم كانت تغض الطرف عن بيان الحقائق والافصاح لأجل
المصالح، وأن بعض الرؤساء التنفيذيين للشركات والبنوك يبالغون في تضخيم الأرباح،
ويلعبون بالمعلومات..

 ولذلك فإن تفعيل
دور القيم الدينية والأخلاقية لا يعود أثرها على النجاح والفوز في الآخرة فحسب، بل
يعود أثرها على الاقتصاد بصورة واضحة، ومن هنا أولى الإسلام العناية القصوى
بالأخلاق والقيم في المعاملات حتى حصر الدين في أنه المعاملة، لأنها هي النتيجة
البارزة في الدنيا للدين، بل إن الرعيل الأول من شدة اعتنائهم بالقيم والأخلاق في
المعاملات اشتهر في العالم الإسلامي مصطلح:  
 ( بيع المسلم ) الذي يعني: الصدق
والأمانة والافصاح والشفافية والبيان.

 ونحن في هذه
العجالة نتحدث عن أصول الأخلاق بصورة عامة، وتطبيقاتها، وآثارها في الاقتصاد
الإسلامي وفي المعاملات المالية.

  متضرعين إلى الله تعالى أن يكتب لنا التوفيق
والسداد، وأن يعصمنا من الخطإ والزلل في العقيدة والقول والعمل وأن يتقبّل منا
بفضله ومنّه إنه حسبناً ومولانا فنعم المولى ونعم النصير.                                            

 

                                                                         
كتبه الفقير الى ربه

على محيى
الدين القره داغى     

 

 

 

 

أصول الأخلاق في الإسلام، وتطبيقاته في التعامل
الاقتصادي:

 

الأخلاق، لغة من الخُلق ـ بضم الخاء[1]
ـ، يقول علماء فقه اللغة إن الخَلْق، والخُلُق في الأصل واحد، لكن خُصّ الخَلق
ـ بفتح الخاء ـ بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، خُصّ الخُلق ـ بضم الخاء
ـ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة [2].

 

والأخلاق في الاصطلاح لا تخرج عن دائرتها اللغوية، فقد
عرفها الماوردي بأنها: (غرائز كامنة تظهر بالاختيار، وتظهر بالاضطرار)[3]
 وعرفها الغزالي بانها: (عبارة عن هيئة
في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة)[4].

 

 فالأخلاق هي
الصفات الجيدة أو السيئة التي يتصف بها الإنسان، وتنبثق من الداخل المتمثل بالقلب
والنفس، ثم إن هذه الصفات تكون في بعض الناس غريزة وفطرة، وفي بعضهم لا تتحقق إلاّ
بالترويض والتهذيب والاجتهاد[5].

 وبعبارة أدق: أن
بعض الناس تبقى عندهم الفطرة السليمة في الأخلاق، من خلال التربية والأسرة والبيئة
الصالحة، وتسمى الأخلاق الجبلية، وهذا ما يفهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم
لأشجّ عبد القيس: (إن فيك خلتين يحبهما الله: الحِلم، والأناة) قال: يا رسول الله:
أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: (بل الله جبلك عليهما) قال: الحمد لله
الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله)