صحيفة العرب القطرية 18/08/2010
فالإسلام كله قائم على العدل كما دلت على ذلك نصوص لا تحصى من الكتاب والسنة، وهذا المبدأ له تأثيره في الاقتصاد الإسلامي في جميع أنشطته ومفاصله وجزئياته، وفي عقوده وآلياته.

ولذلك يجب أن يكون التبادل (العقود) قائماً على العدل، وإذا تحقق الظلم فإن العقد غير جائز شرعاً، وأنه باطل في كثير من الحالات -كما سيأتي شرحه وتفصيله عند الحديث عن التبادل والتداول.

وتوضيح ذلك أن جميع العقود في الإسلام تقوم على العدل، والمساواة في الحقوق والواجبات، وأن كل عقد في الشريعة بمثابة ميزان له كفتان، وفي كل كفة حقوق وواجبات تتساوى مع ما في الكفة الأخرى من حقوق وواجبات.

فإذا اختل هذا الميزان بأن وجدت في كفة أحد العاقدين الحقوق فقط (الإيجابيات) -كما هو الحال بالنسبة للمرابي حيث في كفته ضمان قرضه، وأخذ زيادة الربا عليه- في حين وجدت في كفة العاقد الآخر الواجبات فقط (السلبيات) -كما هو الحال للمقترض المدين حيث عليه ضمان المال، وعليه ضمان فائدة زائدة عليه- فإن هذا العقد حرام، وباطل أو فاسد، لوجود هذا الظلم في ميزان العدل الذي أوجبه الله تعالى. فالعدل في القرض يقتضي توزيع الواجبات والحقوق على الطرفين، بأن يكون في كفة المقرض الدائن ضمان رأس المال في جميع الأحوال، وبالتالي فقد كسب حقاً، وعليه واجب وهو أنه لا يجوز أن يأخذ الزيادة على قرضه، بل تكون الزيادة للدائن في مقابل غرمه، وأما المقترض فيكون في كفته واجب وهو وجود الضمان، وردّ رأس المال مهما كانت الظروف والأحوال، وله حق وهو أن عوائد قرضه إن تحققت تكون له دون أن يطالب بأية زيادة.

وهكذا جميع العقود، فمثلاً أن عقد المضاربة (القراض) أيضاً له كفتان، ففي كفة رب المال حق وواجب، فالحق هو حقه في النسبة المتفق عليها من الربح، وأما الواجب عليه فهو تحمله للخسائر إذا تحققت دون تعدي المضارب أو تقصيره، أو مخالفته للشروط.

وفي كفة المضارب حق وواجب، فالحق (الجانب الإيجابي) هو عدم الضمان إلاّ في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، وأما الواجب (الجانب السلبي) هو إعطاؤه نسبة من الربح الذي أنتجه بجهده وفكره وتنظيمه.

ولأجل الظلم حرّم الله تعالى كثيراً من العقود وعلى رأسها الربا الذي سماه الله تعالى بالظلم فقال تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وهذا الظلم ليس ظلماً فردياً للمقترض بالربا فقط، وإلا لو كان كذلك كان يسعه رضاه بالربا، أو إبراء ذمة المقرض، بل إن الله تعالى لعن آكل الربا وموكله، مع أن موكله مظلوم في الظاهر، ولكنه بما أنه خالف نهي الله تعالى عن الربا، وبما أنه شارك في ظلم اجتماعي فهو أيضاً ظالم آثم، فمصطلح «الظلم» في القرآن الكريم يشمل جميع أنواع الظلم الفردي، والاجتماعي، كما أنه يشمل جميع المعاصي لأنها لا تخلو من ظلم إما في حق الفرد، أو الجماعة، أو في حق الله تعالى، حيث قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

وإذا نظرنا إلى جميع الأنشطة الاقتصادية وأحكامها الشرعية نجد أن مبدأ العدل هو المبدأ القاضي الحاكم عليها في جميع تطبيقاتها المعاصرة، وكذلك في جميع الحلول للمشاكل التي يقدمها الإسلام، وحتى في الملكية بأنواعها الثلاثة، والحرية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية.

وبذلك أصبح العدل أهم أساس للنظام الاقتصادي الإسلامي، وأهم خصيصة له، وذلك لأن الأساس الحاكم في النظام الرأسمالي هو الحرية والملكية الفردية -كمبدأ عام- في حين أن الحرية، والملكية الفردية، والمساواة يعترف بها الإسلام ولكن في ظل العدل أي إن العدل هو الحاكم عليها، كما أن العدل هو الميزان الذي يحقق الحقوق المتقابلة دون ظلم واعتساف.

الأساس الخامس: مبدأ العدالة الاجتماعية، التي تتحقق بمجموعة من الإجراءات التي تخص الدولة الإسلامية في المقام الأول من حيث التوجيه والتخطيط، وإعادة التوزيع العادل، كما أنها تخص الأفراد من حيث النفقة الواجبة، ومن حيث تحمل الديات، ورعاية حالات الطوارئ ونحوها للوصول إلى مجتمع متكافل يتحقق لكل فرد حدّ الكفاية -كما سيأتي في إعادة التوزيع إن شاء الله تعالى.