صحيفة العرب القطرية
الاستحسان هو ترجيح قياس خفي على قياس جليّ لسبب يظهر للمجتهد، مثل المصلحة واستثناء مسألة عن القياس -أي القاعدة العامة الثابتة- بنص، أو إجماع، أو عرف.والعلم بالاستحسان له فوائد كبيرة من أهمها:
1 – أن الاستحسان هو بمثابة الميزان والمعيار للقياس، بحيث إذا لم يحقق القياس (ولو كان جلياً) المصالح المرجوة، فإن الاستحسان يتدخل فيرجح القياس الذي يحقق المصلحة، أو يتلاءم مع العرف.
2 – بيان الأوزان للأحكام والأدلة الشرعية، حيث إن المبادئ والقواعد الكلية هي الأصل الذي ينبغي أن يطبق، وما استثني منه ولو كان بدليل شرعي يظل في دائرة الاستثناء الذي لا يقاس عليه.. فمثلاً الأصل العام في العقود القائمة على الأمانة مثل الوكالة والإجارة والمضاربة والمشاركة هو عدم ضمان الوكيل، والأجير، والمضارب، والشريك، وقد استثني منه تضمين الصانع العام (الأجير المشترك) بالمصلحة، وبالتالي فلا يقاس عليه.
والاستحسان حجة عند الحنفية، ودليل توسعوا فيه، ولكن غيرهم أيضاً استعملوه في التفريعات. يقول القاضي عبدالوهاب المالكي: (لم ينص عليه مالك، وكتب أصحابنا مملوءة منه، كابن القاسم، وأشهب، وغيرهما). والإمام الشافعي هاجم الاستحسان الذي يكون نابعاً عن الهوى، فقال: (من استحسن فقد شرّع)، أما الاستحسان القائم على الدليل فقد استعمله هو وأصحابه، وأغلب أصحاب أحمد أجازوا الاستحسان بدليل.
سدّ الذرائع
وهو سد الوسائل المؤدية إلى مفسدة سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، والمنهج القرآني يدل بوضوح على أن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم الوسائل المفضية إليه، حيث يقول تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، حيث نهى الله تعالى النساء عن ضرب الأرض بأرجلهنّ في مشيتهنّ ليسمع الرجال صوت خلخالهنّ، لأن ذلك ذريعة ووسيلة إلى تطلع الرجال إليهنّ فتتحرك فيهم الشهوة، فيقاس عليه كل فعل مثير.
وسدّ الذرائع المنصوص عليها معتبر عند جميع الفقهاء، وكذلك لا خلاف في سدّ الوسيلة المحرمة بذاتها، وإنما الخلاف في الوسيلة المشروعة في ذاتها، ولكنها تتخذ وسيلة لمحرم ومفسدة، كما أن الخلاف في كونه دليلاً وحجة، وفي التوسع فيه. يقول القرافي: (وليس سد الذرائع من خواص مالك كما يتوهمه الكثير من المالكية، بل الذرائع ثلاثة أقسام:
– قسم أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه كحفر الآبار في طرق المسلمين، فإنه وسيلة إلى هلاكهم..
– وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تسدّ، ووسيلة لا تحسم، كالمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا..
– وقسم اختلف فيه العلماء، هل يسد أم لا؟ كبيوع الآجال عندنا..)، ثم قال: (اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره، وتندب، وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة، كالسعي للجمعة والحج)، وقال أيضاً: (وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد، وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل، وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط المتوسطة، ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، فأثابهم الله تعالى على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين، فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة).
استثناءات من الوسائل:
وقد استثني من القاعدة السابقة عدة استثناءات، منها: أن وسيلة الحرام قد تكون غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، كالتوسل إلى فداء الأسرى بدفع المال للكفار المحاربين، ومنها دفع مال لرجل فاسق لدفع الزنا بامرأة..