الدوحة – العرب

يقف الشيخ علي محيي الدين القرة داغي في هذا الجزء من كتابه على ما يمكن أن نستقيه من الآيات والأحاديث النبوية التي وردت في الإجارة، فيقول:

المبادئ والقيم التي تستفاد من هذه الآيات والأحاديث

أولاً: مشروعية الإجارة، بل إثبات فضلها حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد من بني آدم طعاماً خيراً له من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من كسب يديه» كما ورد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤجرون أنفسهم، وأنه ما من نبي إلا رعى الغنم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط.

وهذا المبدأ يؤكد أن العبادة (أو الأجر والثواب) لا تنحصر دائرتها في باب الشعائر والمناسك، بل هي تشمل كل عمل نافع يراد به تعمير الكون على ضوء منهج الله، ولذلك تعتبر الإجارات في مجموعها من فروض الكفايات التي لا ينبغي تركها.

ثانياً: رعاية الحقوق المتبادلة والتركيز على حق الأجير، وذلك من خلال الأحاديث الدالة على أن يبذل الأجير ما يسعه جهده حتى يعرق، وعلى أن يعطى حقه قبل أن يجف عرقه، حيث شدد الإسلام في ذلك حتى إن الله تعالى يكون خصم ذلك الرجل الذي يأخذ حقه من الأجير، ولكن لا يعطيه حقه في الأجرة المتفق عليها.

ثالثا: استئجار الشخص الصالح القوي القادر الأمين الماهر الخريت.

رابعاً: عدم اشتراط ذكر العمل في إجارة الأشخاص حيث ترجم البخاري باب: إذا استأجر أجيراً فبين له الأجل ولم يبين له العمل حيث إن موسى عليه السلام أجر نفسه دون ذكر العمل.

خامساً: الاستثمار في أجرة الأجير التي تركها، حيث يكون المال كله له، وهذا من قمة الأخلاق الإسلامية.

سادساً: عدم البأس بأجرة السمسار.

سابعاً: عدم البأس من الاستئجار للكافر كقاعدة عامة.

ثامناً: جواز أخذ الأجرة على الرقية والتطبيب.

تاسعاً: عدم جواز الاستئجار في المحرمات والخبائث والشبهات.

عاشراً: الموت لا يؤثر في عقد الإجارة ومدتها ماضية حتى تنتهي.

الحادي عشر: الجمع بين الأحاديث الدالة على جواز الأجرة على تعليم القرآن والأحاديث الدالة على المنع، وذلك بحمل الأحاديث الأخيرة على حالة إذا ما كان الشخص ينوي الاحتساب، ثم يطلب الأجرة، أو بترجيح أحاديث الجواز على المنع لأنها أصح إسناداً.

الثاني عشر: عدم جواز الغرر والجهالة في الإجارة.

الثالث عشر: آداب إسلامية رائعة في تأجير الدواب تدل على منتهى الرفق بالحيوان، بل تتدخل السلطة لأجل عدم وقوع الظلم عليه، وهناك أحكام أخرى لا يسع المجال لذكرها.

الرابع عشر: جواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته، ويدل على ذلك حديث عتبة بن المنذر قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم، حتى بلغ قصة موسى عليه السلام، فقال: «إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه، وطعام بطنه» رواه أحمد وابن ماجه.

الخامس عشر: ضرورة الحرص على أداء العمل بإخلاص وإتقان وبعلم، بحيث إذا لم يكن عالماً بمهنته فإنه يكون ضامناً للآثار التي تترتب على عمله، لما رواه أبوداود والنسائي وابن ماجه بسندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطبَّبَ ولم يعلم منه طبٌّ فهو ضامن».

القيم والمبادئ الحاكمة في الإجارة

يتبين من هذه النصوص السابقة وغيرها أن عقد الإجارة محاط بمجموعة من القيم والمبادئ الحاكمة، من أهمها:

1 – مبدأ الإحسان بمعانيه الثلاثة وهي: الإتقان، والجودة، والتقوى (فالله تعالى قد كتب الإحسان في كل شيء).

2 – وجوب البيان والشفافية والإفصاح عن العيوب إن وجدت.

3 – حرمة الغش والتدليس والتغرير فقال صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس مني).

4 – وجوب العدل بحيث يكون العقد قائماً على العدل.

5 – ألا يستغل الطرف القوي حاجة الطرف الآخر بفرض شروط تعسفية، أو تقليل الأجر، فهذا أمر محرم لا يجوز للمسلم الإقدام عليه.

6 – عدم الضرر والإضرار بين الطرفين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) حيث يجب على المستأجر الحرص على أن يحافظ على العين المستأجرة عند استعمالها، وألا يضر بها، وكذلك يجب على المؤجر ألا يضر بالمستأجر.

7 – امتحان المسلم وابتلاؤه بعقد الإجارة من حيث التزام العاقدين بالأخلاق والقيم الإسلامية، أو طغيان المال عليه فيسعى لتحقيق المال بأي وسيلة مشروعة أم غير مشروعة، وذلك لأن الإسلام حريص كل الحرص أن تظهر آثار العقيدة، والشعائر التعبدية على تصرفات المسلم وأنشطته من حيث الالتزام بالقيم السامية والأخلاق العالية، ولذلك ربط الله تعالى بين العقيدة والشعائر وبين السلوك فقال تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»، وإن الآيات والأحاديث الواردة في وجوب التحلي بالأخلاق الحسنة أكثر من أن تحصى هنا.;