الحلقة : التاسعة

قال فضيلته: وبهذه النصوص وغيرها في تكفير من لا يؤمن بإمامة هؤلاء الأئمة الأطهار تكون حائلاً آخر وحاجزاً للتقارب الحقيقي إلاّ على المصالح المشتركة التي تقتضيها حالة الأمة في جميع الأحوال، ولكن من باب الأمانة فإن التكفير لأهل السنة ليس مذهب جميع الإمامية، وبخاصة المعاصرون الذين يدعون التقريب، ومهما يكن فلا بدّ من العلاج إذا أردنا التقارب، والوحدة.

وننقل هنا أيضاً ما ذكره آية الله محمد رضا المظفر في الفصل الثالث الخاص بالإمامة، حيث قال: (عقيدتنا في الإمامة: نعتقد أن الإمامة نعتقد: أنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربّين مهما عظموا وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوّة) وقال: (كما نعتقد: أنّها كالنبوَّة لطف من الله تعالى؛ فلا بدَّ أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه…، وله ما للنبي من الولاية العامّة على الناس،… وعلى هذا، فالإمامة استمرار للنبوّة،… فلذلك نقول: إنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار، والانتخاب من الناس.. وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة، منصوب من الله تعالى؛ سواء أبى البشر أم لم يأبوا).

عصمة الإمام:

إن الإمام في عقيدة الإمامية كالنبي فيجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها ما بطن من سن الطفولة إلى الموت عمداً أو سهواً).

صفات الإمام وعلمه:

يقول علماءهم: (نعتقد أن الإمام كالنبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال،.. وأمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الإمام من قبله، وإذا استجدّ شيء لابدَّ أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطىَ فيه ولا يشتبه).

وجماهير الشيعة الإمامية لا يعتقدون في الأئمة ما يعتقده الغلاة والحلوليون، بل عقيدتهم أنهم بشر مثلنا، ولكن عباد مكرمون معصومون، وأن عددهم اثنا عشر إماماً خاتمهم أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الذي ولد في 256هـ الذي يعتبرونه الإمام الغائب المنتظر الحجة.

ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة هذه العقائد، وإنما يهمنا أن هذا الخلاف في العقيدة وأصولها داخل المذهب، ولا يترتب عليه كفر المخالف، لأن الظاهر من هذا الخلاف العقدي أن من لم يؤمن بالإمامة، وبالعصمة، والوصاية فليس مؤمن لدى الشيعة؟ وهذه النتيجة هي أخطر الآثار، ولذلك يجب أن نعالج هذه الأمور أو الأصول العقدية بمنتهى الحكمة والحذر، والله المستعان.

وكذلك الإشكال في المواقف الخاصة بهم نحو الخلفاء والراشدين الثلاثة (ما عدا علياً رضي الله عنهم) وجمع من الصحابة، مثل: أبي هريرة، وخالد رضي الله عنهم جميعاً، ونحو أمهات المؤمنين، وبخاصة السيدة عائشة وحفصة رضي الله عنهن جميعاً.

ولذلك يجب أن تعالج هذه المواقف بالحكمة من الطرفين.

وحدة أمتنا فريضة شرعية وضرورة ومصلحة ملحة للنهضة والتنمية الشاملة:

يعتبر من ثوابت هذا الدين وقواطعه وجوب الاتحاد والوحدة والترابط بين المسلمين، وحرمة التفرق والتمزق فيما بينهم، فاتحاد الأمة فريضة شرعية يفرضها الدين الحنيف وضرورة واقعية يفرضها الواقع الذي نعيشه، حيث أصبحت بسبب تفرقها وتمزقها ضعيفة مهددة في وجودها وكيانها وسيادتها طمع فيها الطامعون، وغلب على معظمها المستعمرون والحاقدون، ولاسيَّما عالمنا اليوم الذي تكتلت فيه القوى وأصبح الإسلام الهدف الأساس لها.

ولا نجد ديناً ولا نظاماً أولى عنايته بالاتحاد وخطورة التفرق مثل الإسلام حيث توالت الآيات الكثيرة والأحاديث المتضافرة على وجوب التعاون والاتحاد، وحرمة التفرق والاختلاف.

فمنها قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

وقد نزلت هذه الآيات في الأوس والخزرج في الإسلام بعد أن بذل شاس بن قيس اليهودي جهداً كبيراً في إثارة ثغرات جاهلية بينهم، حيث أرسل شاباً يهودياً يذكرهم بيوم بعاث، فأنشدهم الأبيات فتذكروا، فتنازعوا وتفاخروا حتى كاد القتال أن ينشب بينهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فقال: (يا معشر المسلمين الله الله فقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أبعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر، وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟) فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، فأنزل الله تعالى هذه الآيات التي تبدأ بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون….).