الدوحة – العرب
قال فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي -الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- إن الأمة تعاني حالياً من اتباع الهوى، وصمت العلماء عن الحق، وهي فتن نسأل الله تعالى أن يجعل لنا فيها من العبر ما يعيدنا إلى رشدنا.
وأضاف في خطبة الجمعة، أمس، بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب قائلاً: إن مرجعيتنا هي الله وسوله صلى الله عليه وسلم، وإن شريعة الله تعالى هي منهاج حياتنا في زمن الفتن، فهي التي ترشدنا إلى الفطرة السليمة والعقل المستقيم.
وأوضح أن اتباع الهوى والأهواء، هو اتباع شهوات البطن والفرج والجاه والحكم والملك، دون نور الهداية وبصيرة العقل المستقيم، ودون مشورة لأصحاب الرأي السديد، لافتاً إلى أن هذا المرض الخطير يعجل بهلاك الأمم؛ وفناء الحضارات على مر التاريخ. وقال: «إن الحضارات إنما تقام على عقل سليم أو استناداً على الوحي، أو على كليهما، كما هو الحال بالنسبة للحضارة الإسلامية، وحين يهمل العقل ويترك الوحي ولا يحتكم إلى الشرع الحنيف يكون الهلاك والدمار والخراب، ويحل الضلال ويكثر الظلام، وتعشعش الفرقة والتمزق، وينشب الاقتتال بين الأمة الواحدة، ثم يجثم على صدرها الشقاق.
الاجتهاد لولي الأمر..
وأصحاب الرأي
أوضح خطيب الجمعة أن ولي الأمر إما أن يكون مجتهداً فيجتهد ويقرر، فيكون اجتهاده موضع التقدير والاحترام؛ ويوضع على العين والرأس، وإن كان غير مجتهد فعليه أن يرجع إلى الذين وهبهم الله القدرة على استنباط الأحكام؛ إذ المرجعية الأولى في إدارة الأمن والخوف هي لولي الأمر في السياسة والدولة، ومرجعية الترجيح والاجتهاد، فلا بد من الرجوع إلى العلماء الذين يقولون الحق؛ ولا يخشون في الله لومة لائم.
وتساءل خطيب الجمعة قائلاً: "أين الذين يرون أن ترمب وفلاناً يقودان العالم الإسلامي إلى شاطئ الأمن والسلام، وتلهج ألسنتهم بالدعاء لهما بالتوفيق والسداد، ويسبحون بحمدهما ويقدسون ذواتهما، من الولاء والبراء الذي جعلوه رداً من الزمن سيفاً مسلطاً على رقاب العباد، يدخلون به من شاؤوا إلى الجنة، ويخرجون به منها من شاؤوا؟ موضحاً أن من آثار اتباع الهوى الشح المطاع، ويتمثل في أن يكون المرء بخيلاً وفاسداً في الإدارة المالية والسياسية، فهذا يأخذ بيد الأمة إلى التهلكة، لأنه لا يلقي بالاً لأحوال الأمة، ولا تشغله إلا نفسه، وهمّه أن يجمع المال بأي طريق، ويبخل به على عباد الله تعالى، لأنه آمن المساءلة القانونية ومحاسبة الشعب له، ولو علم أنه سيحاسب على كل درهم، أو دينار لما تطلعت نفسه إلى ما في أيدي الشعب، يفعل هذا اتباعاً لهواه في جمع المال، ورغبة في سطوة الجاه، يبعد صاحبه عن دائرة العدل والحق.
ثورات الربيع العربي.. وفقدان الرؤية
استشهد القره داغي بقول الحسن البصري: «إذا غلب الهوى على القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه»، لأنه يفتقد كل المقاييس والمعايير الضابطة، وإذا ختم الله على قلبه ضل عن الحكمة والرشاد، فلا يفقه إلا ما أُشرب قلبه من الشهوات والأهواء، ولا يستفيد من عبر التاريخ ولا دروسه، ويعيش في انفصام عن واقعه وعالمه، حتى يخال إليه أن كل ما يجري من حوله لا يعنيه في شيء، وهذا ما حصل أيام الربيع العربي. وأضاف أن اتباع الهوى وصل بالناس إلى فقدان الرؤية فيما جرى في ثورات الربيع العربي؛ وجرى في ثورتي مصر وتونس: عندما ثارت تونس زعم رئيسها أنها فورة وغضب وعما قريب تسكن، ثم ما لبث أن ولى هارباً لا يلوي على شيء، وكذلك ظن رئيس مصر؛ وقال: مصر غير تونس، فما توالت إلا أيام قليلة حتى أودع السجن، وكذلك تخيل من كان في ليبيا واليمن وغيرها من البلاد التي شملها ما يسمى بالربيع العربي. وتابع قائلاً: إن الذي يتبع الهوى تتعطل فيه الحواس كلها، فلا يرى ولا يسمع ولا يدرك إلا الهوى، ولا يدرس التاريخ ولا ينهل من معينه، وقد أمرنا الله تعالى بالسير في الأرض، ومطالعة تاريخ أممها للاستفادة من عبرها وحياتها.
وأكد فضيلته أنه إذا انتشر هذا المرض الخطير على مستوى الأفراد والجماعة والدول نزلت بهم البلايا عامة، ولا تخص أهل الهوى فقط، ولا يجوز لعامة الشعب ولا للعماء أن يسكتوا عن الأخطاء، ولا سيما إذا وصلت الأخطاء إلى مرحلة الخطيئة، وإلى انتهاك المحرمات، وإهمال الواجبات، وخرق الثوابت الشرعية التي تأسست الدولة الإسلامية عليها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الفوز بالجنة
ذكر القره داغي أن كبت الهوى وجماح النفس يصلان بالمرء إلى جنة المأوى، وأن الامتثال لأمر الهوى والرضوخ للنفس والشهوات أمور تبعد المرء عن سبيل الله تعالى، ولو كان المرء صاحب دين وخلق، قال الله تعالى مخاطباً بينه داود عليه السلام: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.
وحذر فضيلته من اتباع الهوى، فاتباع الهوى يهوي بالإنسان إلى الهاوية، وينزع عنه لباس العلم والمعرفة، ويدخله في دائرة الجهلة والظالمين.;