جريدة الوطن – الدوحة
وأما الآثار عن الصحابة بهذا المعنى فثابتة، فقد روى البيهقي بسند صحيح عن سالم بن أبي الجعد قال: كان لنا جار سمّاك، عليه لرجل خمسين درهما، فكان يهدي إليه السمك، فأتى ابن عباس، فسأله عن ذلك؟، فقال: قاصّه بما أهدى إليك، وروى كذلك بسند صحيح عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (في رجل كان له على رجل عشرون درهما، فجعل يهدي إليه، وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهما؟، فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلاّ سبعة دراهم).
ورُوي مثل ذلك عن أبي كعب حيث قال زرين حبيش لأُبيّ:(إني أريد الجهاد فأتى العراق فأقرض، قال: إنك بأرضٍ،الربا فيها كثير فاشٍ، فإذا أقرضت رجلا فأهدى إليك هدية، فخذ قرضك،واردد هديته).
وروى البيهقي بسنده عن فضالة بن عبيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل قرض جرّ منفعة فهو وجه ومن وجوه الربا.
وروى البخاري بسنده عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا، وتدخل في بيت أي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: إنك في أرض الربا فيها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير، أو حمل قت، فإنه ربا)، ورواه الطبراني عنه بلفظ «وإن من الربا أن يسلم الرجل السلم، فيهدى له فيقبلها).
ولذلك أجمع السلف الصالح أن كل قرض شرط فيه الزيادة (أي زيادة) فهو حرام، قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المتسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) يقول ابن القيم: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .. وقد روي عن أبي كعب، وابن عباس، وابن مسعود: أنهم نهوا عن قرض جرّ منفعة، ولأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة)، فهذه النصوص والآثار تدل على أن مشكلة تأخر الديون ليست وليدة عصرنا، بل كانت موجودة، ومع ذلك لم ينقل إلينا أن أحدا أجاز اشتراط الزيادة على الديون بل أجمعوا على عدم جواز ذلك- كمـا سـبق-.
وكل ما ذكره المجيزون من الفروق والنصوص لا يدل على جواز اشـتراط الزيادة الدين كمـا ســبق.
الخلاصة:
والخلاصة أن اشتراط شرط في عقود المرابحات والالتزامات الدينية الآجلة ينص على إلزام المدين بدفع مبلغ محدد، أو نسبة من الدين، أو نسبة حسب أرباح ودائع البنك.. شرط فاسد لا يجوز ارتكابه، ولا يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم عليه، لأنه بهذا العمل تقترب تماما من البنوك الربوية، فالربا الجاهلي المجمع على حرمته فسره العلماء بقريب مما ذكر، بل يمثله، فقد قال قتادة وغيره في تفسير قوله تعالى (.. وحرم الربا …) : (إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حلّ الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر)، وذكر الجصاص أن العرب لم يكونوا يعرفون البيع بالنقد … فأخبر الله تعالى أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال المعين، لأنه لا عوض لها من جهة المقرض).
ولا خلاف بين الفقهاء في أن اشتراط الزيادة على الدين غير الربوي يجعل الدين ربويًا يقول الجصاص: ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم فقال له: أجلني وأزيدك فيها مائة درهم لا يجوز، لأن المائة عوض عن الأجل وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد، ونقل ابن عبد البر عن مالك عن زيد أسلم أنه قال: (كان الربا في الجاهلية: أن يكون للرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل، قال: أتقضي أم تربي ؟ فإن قضى أخذ، وإلاّ زاده في حقه، وأخر عنه في الأجل)، ثم ذكر ابن عبدالبر أن المعنى الجامع الذي حرم لأجله الربا هو أن يكون بإزاء الأمد الزائد بدل وعوض يزداده الذي يزيد في الأجل..).
فالخلاصة أنه لا خلاف (يعتد به) بين المعاصرين في عدم جواز اشتراط الشرط الجزائي في الديون، كما لا خلاف بين فقهاء السلف في ذلك، يقول الحطاب: (إذا التزم المدعى عليه للمدعى أنه إذا لم يوفه في كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه، لأنه صريح الربا، وساء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان شيئا معينا أو منفعة، وحكم به بعض قضاة المالكية الفضلاء بموجب الالتزام، وما أظن ذلك إلاّ غفلة منه).
وهذا ما عليه المجامع الفقهية والندوات والحلقات الفقهية والاقتصادية، حيث صدرت منها قرارات وفتاوى وتوصيات منها قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة القاضي بأن ذلك الشرط باطل، لأن هذا هو بعينه ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه، ومنها قرار رقم 53(2/6) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره السادس، كما سبق، ومنها فتوى من الندوة الرابعة لبيت التمويل الكويتي في 6-8 جمادى الآخرة 1416هـ الموافق 20-21/10/1995م التي نصت على أن: (الشرط الجزائي… إذا كان محل الالتزام ديناً في الذمة لا يجوز الاتفاق على أداء زيادة عنه بسبب التأخير، لأن ذلك صورة من صور ربا النسيئة « زدني أنظرك»).
غرامة التأخير وصرفها في وجوه الخير:
تبين لنا أنه لا خلاف بين الفقهاء المعاصرين الذين يعتد بآرائهم حسب إطلاعي على آرائهم في عدم جواز اشتراط تعويض محدد (كمبلغ من المال أو نسبة منه) على تأخير السداد في العقود الآجلة أي أثمانها آجلة سواء كانت هذه الأثمان ناتجة عن المرابحة، أو البيع الأجل أو المقسط أو الاستصناع أو نحو ذلك، فهذا عين ربا النسيئة الذي حرمه القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وقد أكدت ذلك القرارات والفتاوى التي ذكرناها في السابق.
وإنما الخلاف في اشتراط غرامة التأخير وصرفها في وجوه البر، فقد ذهب بعض العلماء إلى جواز اشتراط غرامة التأخير سواء كانت غرامة مقطوعة أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال التأخير عن السداد، وصرفها في وجوه الخير، وصدرت بجواز ذلك فتوى بالأغلبية عن ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي الثانية عشرة (12/8) نصت على أنه: (( يجوز اشتراط غرامة مقطوعة أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر مشروع، وذلك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر ولا يمتلكها مستحق المبلغ.
ويستأنس لذلك بالقول بالتعزي بالمال عند بعض الفقهاء، وبما ذهب إليه بعض المالكية من صحة إلزام المقترض بالتصدق إن تأخر عن السداد، وتكون المطالبة بذلك ـ عند الامتناع ـ على أساس دعوى الحسبة عما لصالح جهة البر الملتزم بالتصدق عليها.