الرؤية – خاص

أوضحت دراسة تأصيلية بعنوان “الموجز في الصيرفة الإسلامية وعمليات التمويل والاستثمار الإسلامي وأخلاقيات العمل المالي الإسلامي ” للاستاذ الدكتور علي محيى الدين القره داغي، أن البنوك الإسلامية أثبتت تفوقها العالمي بالمقارنة مع البنوك التقليدية، وقدمت الدراسة عددا من الدلائل التى تؤيد وجهة نظرها.
كما وضعت الدراسة التأصيل الإسلامي والاقتصادي لأسس المعاملات المصرفية الإسلامية، والفروق الجوهرية بينها وبين المصارف التقليدية.
وللدراسة أهمية خاصة تكمن في أن السلطنة ستشهد عما قريب حضورا للمصارف الإسلامية بعدما سمح جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بذلك مؤخراً.
ويشغل الدكتور علي القره داغي منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كما أنه أستاذ متفرغ بجامعة قطر، ورئيس مجلس أمناء جامعة التنمية البشرية، ورئيس لعدد من الهيئات الشرعية.

المصارف الإسلامية
يقصد بالمصرف الإسلامي لغة: مكان الصرف، وهو بيع النقد بعضه ببعض، ويطلق كذلك على النقل والتحويل، ونحوه .
وفي عرف الاقتصاد الوضعي، يقصد بالمصرف والبنك معنى واحد، وهو: مؤسسة مالية تقوم بالإقراض والاقتراض بفائدة، وتقديم الخدمات المالية، وخلق الائتمان، وعرفه الدكتور محمد زكي شافعي بقوله : التعامل في الائتمان، او الاتجار في الديون .
هذا هو تعريف البنك أو المصرف الربوي، أو التقليدي، أما تعريف المصرف أو البنك الإسلامي وفقا لما أورده الدكتور على داغي في دراسته فهو: مؤسسة مالية تقوم بأعمال الاستثمار والتمويل والخدمات المالية على أساس العقود الشرعية، وتساهم في الادخار والتنمية والتعمير . الأعمال الأساسية للصيرفة الإسلامية
وتوضح الدارسة أن الصيرفة الإسلامية تقوم بعدد من الأعمال الأساسية أهمها الاستثمار المباشر أو غير المباشر من خلال العقود الشرعية والأدوات والآليات من الصكوك، والمحافظ الاستثمارية، وجمع المدخرات واستثمارها من خلال الودائع الاستثمارية .
كما يدخل التمويل ضمن أعمالها، وهو تمويل الأفراد، أو الشركات والمؤسسات للتجارة والتصنيع، وتحقيق الأرباح من خلال عقود المرابحة والاستصناع، والإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركات المتناقصة، وتحقيق السيولة في بعض الحالات من خلال عقد الَسلم، وعقد التورق المنضبط بضوابط الشرع .
وتقوم أيضا بتقديم الخدمات الخاصة بحفظ الأمانات وتأجير الصناديق، والخدمات المطلوبة للتمويل، وللتحويلات والتجارة، والمقاولات مثل خدمات التحويل والكفالات وفتح الاعتماد، وتحصيب الشيكات، ونحوها، كما تقوم بتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال بعض الأعمال الاجتماعية الإسلامية مثل: جمع الزكاة من المساهمين والمودعين وضرفها على المستحقين، ومنح القروض الحسنة لمن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وهي الأعمال في غاية من الأهمية تكمل دور المصارف الإسلامية في خدمة المجتمع.

الحسابات في البنوك الإسلامية
ووفقا لدراسة الدكتور داغي تقدم البنوك الإسلامية أنواع معينة من الحسابات ومنها الحساب الجاري، وهو يكيف فقهياً على أساس القرض الحسن أو القرض بدون فائدة، وحسابات التوفير، ويكيف على أساس عقد المضاربة الشرعية، حيث يقدم البنك عقد المضاربة، ويحدد نسبة المشاركة في الربح بنسبة 50% للبنك مثلاً، و50% لصاحب الحساب .
بالإضافة إلى الودائع (قصيرة الأجل، طويلة الأجل، متوسطة الأجل)، وتكيف فقهاً وقانوناً في البنوك التقليدية (الربوية) على أساس القرض بفائدة، حيث إن البنك ضامن لمبلغ القرض وفائدته، فقد نصت المادة 726 من القانون المدني المصري على أنه: ( إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً ) وهكذا معظم القوانين.
لذلك صدرت القرارات الجماعية بدءاً من المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة عام 1964م إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، ومجامع الفقه في الهند، وأوروبا، والسودان، وأمريكا بحرمة الودائع والتوفير ما دامت قروضاً بفائدة .

تفوق البنوك الإسلامية على “التقليدية”
ويري الدكتور على داغي أن البنوك الإسلامية تتفوق على البنوك التقليدية، ويقول فى دراسته: إنه خلال 34 سنة بلغت البنوك الإسلامية إلى حوالي 400 بنك، وعشرات الآلاف من الفروع، وبلغت موجوداتها حوالي تريليون دولار، ونسبة النمو بين 10% – 30%، وهو يرجع ذلك إلى عدد من العوامل أهمهما من وجهة نظره استناد هذه البنوك إلى الشريعة الإسلامية، واعتمادها على عقود تمثل الموجودات، مثل: عقود المرابحة، والمضاربة، والمشاركة، والإجارة، والاستصناع، كما أنها تحقق أرباحا أكبر بكثير من فوائد، أو عوائد البنوك التقليدية، سواء كانت على رأس المال وأموال المساهمين، أم على الودائع، فمثلاً بلغت الأرباح على حقوق المساهمين في بعض السنوات إلى 100% وأن المعدل العام هو بين 16% – 100% وأن المعدل العام هو بين 60% – 30% والمعدل على العوائد بين 5% – 8% وباتفاق الدراسات المصرفية أن العائد على النوعين أكبر بكثير في البنوك الإسلامية مما هو موجود في البنوك التقليدية.
وقال: إن الفوائد تعتبر عبئا على التمويل، وعلى المنتج والمستهلك، والأرباح ناتج وليست عبئاً. وأن البنك الإسلامي مؤسسة شاملة للتمويل والاستثمار، والبنك التقليدي خاص بالتمويل عن طريق الاقتراض لذا فهو الأكثر تفوقا، بالإضافة إلى أن القانون أعطى للبنوك الاسلامية حق الاستثمار، واستعمال جميع العقود الشرعية، في حين أن البنوك التقليدية ليس لها حق إلاّ في عقد القرض بفائدة، فيما يخص الودائع كلها، واستعمال عقد البيع والشراء في جزء من رأس المال .
وتواجه البنوك الإسلامية عددا من الأزمات المالية في العالم مثلها مثل البنوك التقليدية، ولكن الأزمة المالية العالمية الأخيرة عززت مكانة الصيرفة الإسلامية، فالشريعة حمت البنوك الإسلامية من الوقوع في أسباب هذه الأزمة، ولذلك كلما كان الالتزام بها أكبر كانت الحماية أكبر وأكثر .
كما دعم الدكتور على داغي وجهة نظره في تفوق البنوك الإسلامية بتصريحات قادة الفكر والسياسة والاقتصاد، وأخيراً الفاتيكان التي كانت لصالح الصيرفة الإسلامية عقب الأزمة المالية .
بالإضافة إلى أن عدم تورط المصارف الإسلامية في السندات، وفقاعة العقارات في أمريكا كان من ضمن أسباب صمود تلك البنوك.
ثم أوضح أن وجود تكامل في الهياكل الأساسية للصيرفة الإسلامية كان من أسباب تفوقها حيث حدث هذا التكامل من خلال المجامع والمؤتمرات والندوات، وصدور حوالي 80 معيارا شرعيا، ووجود هيئة للمعايير الشرعية والمحاسبية، ووجود اتحاد البنوك الإسلامية من خلال المجلس العام للبنوك الإسلامية، وأيضا تمتعها بتحكيم دولي خاص بها .
كما أشار إلى أن البنوك الإسلامية تلتزم بالمعايير الرقابية الدولية في منظومة بازل 1 وبازل2، وكفاءة رأس المال العامل، كما أن وجود معظم المصارف في الدول الخليجية قوة لا يستهان بها، وتوجه الدول الغربية إلى الصيرفة الإسلامية والصكوك الإسلامية يعد دليلا آخر على اهتمام العالم كله بتلك البنوك، وأيضا توجه البنوك الكبرى لفتح فروع أو نوافذ إسلامية صحيحة .
كما تم بحث الصيرفة الإسلامية في قمة مجموعة العشرين الاقتصادية بواشنطن، مع ووجود توصية منها بإقرار معايير موحدة لتنظيم عمل المصارف الإسلامية .
ثم اردفت الدراسة أنه يجب الاعتراف بأن البنوك الإسلامية تأثرت من خلال تحول الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية من خلال انخفاض قيمة الأصول الموجودة عنده، ومن خلال الركود ونحوه .
وتحتاج البنوك الإسلامية اليوم للتطوير، وتقول الدراسة إن ذلك يحتاج إلى وجود مراكز البحوث، والدراسات الجادة من خلال تخصيص جزء من الأرباح للإنفاق عليها بسخاء.
وأنه يجب على البنوك تطوير المنتجات والآليات والعقود والأدوات، بالإضافة إلى أهمية وجود مراكز للتدريب والتطوير.
كما ينبغي توفير العناية القصوى بالإداريين بداية وتطويراً، وأيضا الابتعاد عن الصورية والشكلية والحيل والمخارج المتعارضة مع مقاصد الشريعة.
وتدعو الدراسة إلى الالتزام بقرارات المجامع والمعايير الشرعية وضرورة توحيد الفتاوى في القضايا الأساسية، مع فتح المجال للاختلاف في الجزئيات، بالإضافة إلى الإبداع وإحياء سنة الأحسن والإحسان، بل الفريضة الغائبة.


أخلاقيات العمل المالي الإسلامي

وتوضح الدراسة أن للأخلاق الفاضلة السامية دوراً كبيراً في الدعوة إلى الله تعالى، وتحببت الإسلام وأحكامه إلى الآخرين، كما أن لها دوراً مؤثراً في تسويق المنتجات الإسلامية، وجذب الناس إلى المؤسسات المالية الإسلامية، فالمؤمن ألف مألوف ومؤثر جذاب محبوب، وبالتالي يلتف حوله الآخرون.
التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية
كما آشارت إلى أنه يجب على المتعامل في المؤسسات المالية الإسلامية أن يكون ملما بعدد من الأشياء أهمها أن المال في نظر الإسلام، هو من أهم مقومات الحياة بعد العقيدة الصحيحة، لذلك سماه الله تعالى (قياماً) فقال تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (سورة النساء: 5) فيجب العلم بأنواع المال وأحكامه وضوابطه.
ويجب العلم بالعقود وأنواعها، وأركانها، وشروطها، وضوابطها، وأحكامها، وأن يكون متعرفا على النشاط الاقتصادي وضوابطه، المتمثل في الملكية وضوابطها، والإنتاج وقيمه وضوابطه، والاستهلاك وقيمه وضوابطه، والتبادل والتداول وقيمه وضوابطه، والتوزيع وقيمه وضوابطه، وإعادة التوزيع وقيمها وضوابطها، وفهم هذه العناصر الثلاثة فهماً عميقاً دقيقاً، هو المدخل الوحيد لفهم الصيرفة الإسلامية، والاستثمار الإسلامي، والتمويل الإسلامي.