الدوحة – العرب
في تحليله لحقيقة التعاون يرى القره داغي أن التعاون سر من أسرار الله أودعه في جميع خلقه، وبما أن الله خلق الإنسان مدني الطبع لا يستطيع أن يعيش دون عون أخيه في حياته كلها، بل التعاون فطري حتى بين الحيوانات، ولكنه كلما ازداد التعاون بينها كلما ازدادت به رقيّاً، فالنحل والنمل إنما خصص الله تعالى لكل واحدة منهما سورة، لأنهما في قمة الصبر والتعاون والتنظيم، ولأن فيهما قدوة وعبرة وفوائد للإنسان ليستفيد من تنظيمهما وتعاونهما البنّاء.
مواصلة لتأصيل العمل الإنساني من الناحية الشرعية يتناول الدكتور القره داغي في مقاله اليوم التعاون الإنساني من الناحية الفطرية، مؤكدا أنه ضرورة حياتية كونية لا غنى عنها لأي كائن حي، ويقول: كل ما ذكرناه في بداية تعرضنا لتأصيل العمل الإنساني يدل بوضوح على أن التعاون ليس ضرورة إنسانية، بل ضرورة حياتية وكونية، فالكون كله بمكوناته البيئية والحيوانية والإنسانية تقوم على التعاون البديع الذي خلقه الله تعالى خلقا بديعا، وهداه هديا عميقا {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.
وتتجلى تجليات التعاون والتضامن بأجمل صورها في العيدين المشروعين في الإسلام من خلال صدقة الفطر لإدخال السرور في نفوس المحتاجين قبل عيد الفطر، وكذلك الأضاحي التي تدخل البهجة والسرور أيضا، وهكذا فالعبادات الشعائرية في الإسلام كلها تعاون وتربية وترويض وتعويد على التعاون وثقافته والتعايش معه وله.
وقد أفاضت السنة النبوية المشرفة في تفاصيل التعاون وأنواعه، وأجره وثوابه، فلو ضمت إلى ما ذكره القرآن الكريم لانبثقت منهما منظومة متكاملة في التعاون نحاول أن نذكر معالمها، بادئين ببعض النصوص والتعليق عليها:
1 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا»، قال ابن الجوزي: ظاهره الإخبار ومعناه الأمر، وهو تحريض على التعاون.
فالحديث يدل على الأهمية القصوى للتعاون، فكما أن البنيان لا يكتمل ولا يقوى ولا يقدر البقاء والاستمرار أمام التحديات إلا إذا كان متماسكا، فكذلك المؤمنون لا يمكن أن تتحقق قوتهم ويستمر عطاؤهم إلا بالتعاون.
2 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»، وهذا الحديث يدل على ربط النجاة في الآخرة بالقيام بحاجة المحتاجين في الدنيا، وعلى ضرورة التعاون على قضاء حوائج الناس.
3 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «..ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة». ويدل الحديث على الأجر العظيم على أي تعاون للتيسير على المعسرين، قال ابن دقيق العبد: هذا الحديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما يتيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو غير ذلك.
4 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» حيث يدل الحديث على الثواب العظيم عندما يكون الإنسان يعاون أخاه على تحقيق أي شيء مباح محتاج إليه.
5 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، فالحديث واضح في فضيلة التعاون وضرورته.
6 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا»، فهذا الحديث الشريف حديث عظيم يشبه حياة المجتمع أو الأمة أو الإنسانية بالسفينة التي فيها عدد كبير من الناس من مختلف المشارب والعقول والمدارك، وذوي المصالح المتنوعة، فالدنيا بأسرها كالسفينة الواحدة فيها المسلم والكافر، والظالم والفاجر، والبر والعاصي، فيجب أن يتفقوا -على الأقل- على ما يمنع الفساد ويدرأ المضار، وعلى ما يحقق المصالح والمنافع، فإن تعاونوا على حفظها وتسييرها بالشكل الصحيح بلغوا شاطئ البر والسلامة، وإلا سيصيبهم الهلاك والخسران بمقدار الخطأ الذي وقعوا فيه.;