الدوحة – الشرق

الحلقة : العشرون

النواصب والخوارج والروافض:

هذه مصطلحات متعارضة ظهرت في عصر واحد وهو عصر الفتنة الكبرى بعد مقتل سيدنا عثمان (رضي الله عنه ).

فالنواصب جمع الناصبي، وهو الذي يعادي سيدنا عليَّاً وأهل بيته الكرام (على نبينا وعليهم السلام) ولكنه لا يكفرهم، وأما الخارجي فهو كان يكفِّر سيدنا عليَّاً، ويتقرب ببعضه (خذلهم الله تعالى )، والروافض جمع الرافضي، وهم (على عكس الفريقين السابقين) يقدسون عليَّاً (رضي الله عنه) وآل بيته، وهم فرق يصل بعضهم إلى جعل علي (رضي الله عنه) إلهاً، أو له سلطة الإله.

وهذه الفرق الثلاث شرٌّ كلها وفتنة كلها، كما أنهم من النتائج السلبية للفتنة الكبرى التي لا زالت آثارها الخطيرة جاسمة أمام أعيننا إلى اليوم من التفرق والقتال بين المسلمين.

ولكن أولى الفرق ظهوراً من الناحية العملية هي الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي (رضي الله عنه) بسبب قبوله اللجوء إلى التحكيم في معركة صفين بينه، وبين معاوية، ثم عاد بعضهم إلى حكم علي، ولكن بعضهم الآخر رفضوه فقاتلهم، ولكنهم خططوا لقتله على يد الشقي عبد الرحمن بن ملجم عندما كان يؤم الناس في صلاة الفجر.

ثم مع مرور الزمن ضعفت شوكتهم، ولكن جفوتهم وقسوتهم التي ظهرت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفكارهم التكفيرية بقيت، ثم ظهرت في الجماعات التكفيرية وبخاصة في جماعة جهيمان بالمملكة العربية السعودية التي كانت تسمى ” الجماعة السلفية المحتسبة ” حيث قامت باحتلال الحرم المكي، وقتلوا فيه عدداً من الشرطة والأمن وبعض الناس في 20/11/1979 م، حتى قضت على شوكتهم الأمنية، ولكن أفكارهم بقيت مع الأسف الشديد.

ومن هذه الجماعات التكفيرية المنبثقة من أفكار الخوارج جماعة شكري مصطفى التي اشتهرت بـ (جماعة التكفير والهجرة) بمصر التي كان شبابها مسجونين في سجون جمال عبد الناصر، ورأوا من العذاب والاستهانة بالدين ما دفعهم إلى الحكم بتكفير الدولة المصرية ومن يعاونها، ثم تكفير كل من يتعاون معها، ثم الدعوة إلى هجر المجتمع الجاهلي وتكوين المجتمع الإسلامي، ولكن الشيخ حسن الهضيبي مرشد الإخوان في ذلك الوقت تصدَّى لهم وهو في السجن فكتب كتابه المشهور (دعاة لا قضاة) فتراجع بعضهم ثم انبثقت من أفكار الخوارج الجدد (الجماعة السلفية المحتسبة) بالمملكة ومن جماعة التكفير والهجرة بمصر، والسلفية التكفيرية الجهادية: جماعة القاعدة بأفغانستان على يدي أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري ومن معهم، ثم جماعة داعش التي تسمى ” تنظيم الدولة الإسلامية ” والتي انتشرت في سوريا وعاثت فيها قتلاً وتدميراً وحرقاً، وساهمت في إفشال الثورة السورية، وأعطت صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين، ثم دخلت العراق وسيطرت على معظم مناطق السنة دون مقاومة بعدما تركتها حكومة نوري المالكي من خلال انسحاب حوالي ثلاث فرق عسكرية منها تاركة وراءها معظم أسلحتها المتطورة من خلال خطة جهنمية لسيطرة متطرفي الشيعة على المناطق السنية أيضاً.

فالخوارج الجدد أشد باساً وسوءاً وتشويهاً للإسلام والمسلمين من الخوارج القدماء الذين وصل بهم التطرف إلى أن يقتلوا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج فاطمة الزهراء وأبا الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، ويعدُّوا مقتله تعبداً وتقرباً إلى الله تعالى (سبحان الله ).

ولذلك قال في حقهم الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:” يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فُوقِه ” وبداية الجفوة والغلظة حتى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت في بعض الأعراب الذين وصفهم الله تعالى (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن أبي سعيد الخدري قال:” بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل ” قال عمر بن الخطاب:” ائذن لي فأضرب عنقه ” فقال:” دعه، فإن له أصحاباً يحقِّر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..، آيتهم رجل إحدى يديه، أو قال: ثدييه مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة الناس ” قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً قتلهم، وأنا معه، جئ بالرجل على النعت التي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال فنزلت فيه (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) وفي رواية صحيحة أخرى بلفظ ” إن من هذا، أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد ” وفي رواية لأبي داود:”.. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء “.

وأما الفرقة المكملة للخوارج فهي النواصب الذين عادوا عليَّاً وآل بيته الكرام، ولكن لم يكفروا علياً وإنما حكموا عليه بالفسق، وكانوا يسبونهم، فهذه الفرقة في نظر أهل السنة فرقة فاسقة خارجة عن أهل السنة والجماعة، فآل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق أو فاسق