الدوحة – الشرق

أنحى فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، باللائمة على دور منظمة التعاون الإسلامي، وقال إنها ضعيفة، وتساءل: كيف للمنظمة بهذا الضعف أن تعمل في خدمة الأمة وهي بهذا الضعف المالي الذي لا يكفي لحاجياتها والدول الأعضاء لا تستطيع أن تدعمها، لكن هذه الدول تدفع 2 تريليون و500 مليار دولار على الحروب إلى يومنا هذا، ولم أحسب بعد ما صرف على سوريا وليبيا، وأبدى أسفه على ضعف الجامعة العربية قائلا: كم نادينا في المجامع الفقهية بأن تسعى جامعة الدول العربية بتكوين قوة، علما أن الجامعة شكلت قبل 70 سنة وليس لديها جيش، بل ليس لديها محكمة دولية لفض النزاعات، فأي ضعف هذا!

هذه هي مشكلتنا

وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إن مشكلتنا من جانب آخر أن بعض الشباب وممن يدعي لنفسه العلم يثيرون الاحتقان والتبديع والتكفير، وهذا ما يريده الأعداء والنتيجة نحن الخاسرون.

ودعا د القرة داغي السنة والشيعة إلى التعقل، وقال إن الصراعات من الشيطان الرجيم وليست من مصلحتنا وإنما تصب في مصلحة أعدائنا. وقال: ليس هناك في الإسلام أفضل بعد العقيدة والإيمان بالله من الصلح (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

وذكر أن الإصلاح بين الأفراد والجماعات واجب، وقال إنه من واجبنا أن نصلح في مصر، فإلى متى تقتل عشرات الآلاف ويعدمون، فكيف يجوز أن نسكت على الباطل وكيف نسكت كذلك لما يحدث في سوريا، فالسكوت لا ينفع وليس من مصلحتنا، وتعالج المشكلة من خلال مشروع إسلامي حقيقي وتعالج من خلال إبعاد الحظوظ النفسية من المشكلة، وإنما تكون مصلحة الأمة هي الأساس.

الصلح ضرورة حضارية

وأضاف “إن الصلح واجبنا الأساسي وبيّن الله سبحانه وتعالى المرجعية لهذا الصلح وهي الأخوة الإيمانية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فرحمة الله تأتي مع الصلح، فالصلح فريضة شرعية وضرورة حضارية ومدنية تقتضيها المصالح العامة والمصالح الخاصة.

وقال إن الصلح واجب بين الدول والأفراد وكذلك بين الأسرة بين الزوج والزوجة وبين الأولاد وبيّن الله الخطورة وهي في شح النفس بالصلح، الناس مستعدون للقتال ولكن غير مستعدين للصلح، مع أن الصلح أفضل، فالرسول لما عرض عليه الصلح قَبِلَ به وسمَّاه الله (الصلح) بالفتح وهو صلح الحديبية، فقد كان الرسول بكل إمكانياته 1500 شخص قبل الصلح، أي سنة 6 هجرية، ولكن بعد سنتين انتشر الإسلام وجاء الرسول ومعه حوالي 10 آلاف مقاتل فالصلح خير ولا نخاف منه.

أمتنا الأفضل

وقال في مطلع الخطبة إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على هذه الأمة (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )، كما كان حريصا على مصير هذه الأمة في حياته وبعد مماته، ولذلك استجاب الله له الدعاء بأن تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس منهجا وسلوكا وأخلاقا وعقيدة وعبادات وشعائر، ولكن الرسول كان يحذر الأمة دائما مما وقعت فيه بقية الأمم من المهلكات الموبقات والمدمرات، ومن أخطر ما وقعت فيه الأمم السابقة التفرق والقتال والتحرش والتحريش فيما بينهم، فتنشغل الأمة بنفسها وحينئذ تتفتت وتتقوى الأعداء وحينئذ تخسر الأمة معظم ما عندها من الخيرات.

والصلح خير

وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم وجه هذه الأمة من خلال القرآن الكريم ومن خلال سنته الشريفة، بحيث إذا وقعت الفتن والمشاكل والمقاطعات والظلم أن تعالج هذه القضايا بسرعة من خلال الصلح والتصالح والصفح والعفو والإعراض والتنازل عن الحقوق الشخصية والحظوظ النفسية في سبيل المصالح العامة، وفي سبيل بقاء الأمة قوية مهما كانت التضحيات جساما بالنسبة للأفراد والجماعات.

وقال إن الإسلام رفع الشعار العظيم (والصلح خير)، وهذا الصلح هو جنس الصلح، وكل الصلح فهو خير دون أي استثناء وخاصة بين المؤمنين، والتنازل أمام أخيك لا يعد تنازلا وإنما يعد فضلاً، كما قال الله لسيدنا أبي بكر وأمثاله الذين قاطعوا من آذاه أشد الإيذاء، فقد كان سيدنا أبوبكر يُكرم شخصا ولكنه دخل في ساحة الإفك، كأي إنسان قاطعه سيدنا أبو بكر، فنزل قول الله سبجانه وتعالى (فليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، فحينما قُرأت الآية قال أبوبكر من يرفض مغفرة الله تعالى فذهب بنفسه وصالحه وأعطاه أكثر مما كان يعطيه، هكذا المؤمن، وهكذا كانت تربية الرسول إذا وقع من صحابته الكرام شيء يؤذي الآخر، فسرعان ما ذهب إليه حتى لو كان مسيئا، ثم يطلب منه الصفح والعفو كما حدث لبلال وأبي ذر، بعد أن أخطأ الأخير في حق بلال، فطلب أن يضع رجله على خده ولكن عفا عنه بلال.