الراية- الدوحة

دعا فضيلة د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى الحذر من ارتكاب المحرّمات وعدّد لمثل هذه المحرّمات التي قد يتساهل فيها بعض الناس وحذر من الرشوة بقوله إنها من أخطر المحرّمات، واستدرك: “لكن الرشوة معناها واسع، فالرشوة تفسّر بمجرد أنك تريد دفع مال حتى يحقق لك غرض غير شرعي أو غرض أنت لا تستحقه. لكن هذا أحد معانيه، لأن الرشوة تشمل كل فساد مالي من قِبل من بيده السلطة بدءاً من الرئيس أو أي مسؤول حينما تقوم بالفساد سواء كان هذا الفساد مالياً أو إدارياً أو فساداً سياسياً.

وشرح فضيلته – في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب – الفساد المالي فقال: “إنك تأخذ الرشوة مباشرة وتصبح ثرياً من خلال وجودك في هذا المنصب، وقد غضب الرسول حينما استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم فلما جاءه وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً؟!) فأي شيء يأتيك أو أسرتك بسبب كونك موظفاً كبيراً أو صغيراً فإنه يدخل في باب الرشوة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشية والمرتشية والرائش) والرائش وهو الوسيط سواء كان محامياً أو شخصاً عادياً وقد قال الله: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ” ولعن رب العالمين بني إسرائيل لأخذهم الربا وأكلهم السحت، وقد فسر العلماء السحت هنا بالرشوة المباشرة وغير المباشرة”.

الفساد المالي

وقرر: “هناك مشكلة في مجتمعاتنا: مشكلة الفساد المالي من قبل المسؤولين وبالمقابل هذا الفساد المالي يشجع عامة الناس لأخذ أموال الدولة ونسميه بـ”الأموال السائبة”، لا يجوز هذا! وقد بيّن القرآن الكريم: “قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، فهل تبيح الرشوة إذا كثرت الخبث! لا أبداً! فكلاهما أكل أموال الناس بالباطل وكلاهما ملعونان. وإذا أردنا ترشيد الإنفاق في بلادنا الإسلامية فنحن ليست لدينا مشكلة في الموارد، وإنما عندنا مشكلة الفساد، وكانت تركيا على سبيل المثال من أفقر الدول قبل 20 سنة واليوم من أغنى الدول وليس عليها دين واحد، والدخل تضاعف عشرات أضعاف، ولما سألناهم عن سبب ذلك قال أردوغان إنه فقط استطاع ذلك من خلال سدّ أبواب الفساد. وقد علمت في بعض البلاد الإفريقية أن نسبة الفساد فيها تصل إلى 80 % أي 80 % من الدخل القومي يدخل في جيوب الحكام و20 % لكل الشعب. فهذا الفساد لا بد أن نقضي عليه وأن نكون بالمرصاد. وهلا صرفت هذه الأموال التي تؤخذ من خلال الفساد إلى فلسطين أو لإخواننا الفقراء ولهم حق فينا في سوريا ولإخواننا المحتاجين والنازحين في العراق واليمن؟ فكم من ذنوب نحن نرتكبها بإهمال إخواننا وهم بحاجة ماسّة إلينا.

الحلال والحرام

وقد بدأ خطبته قائلاً: “يمتاز المسلم الحقيقي داخل العالم كله بأنه يسير ويعيش وفق قاعدتي الحلال والحرام، فما أحله الله سبحانه وتعالى وهو كثير ودائرة واسعة، يلتزم به، وما حرمه الله وهو ضيق ودائرة ضيقة وحرام قليل، يجب عليه الالتزام به. ومن هنا نزلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والسيرة العطرة لحبيبنا صلى الله عليه وسلم والتربية الدائمة لهذا الرسول لأمته، كل ذلك يؤكد على أن ننشأ وينشأ المسلم في دائرة الحلال الطيب، وإذا لم يستطع فلا أقل من أن يبقى في دائرة الحلال العام. بل إن المسلم يحاول أن يكون بعيداً حتى عن الشبهات لأن الرسول يقول: “فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه”، وأن الشبهات كما ورد في حديث آخر: “كمثل شخص يحوم حول الحمى يوشك أن يقع فيه”، فيكون بين المسلم وبين المحرمات سد آخر وهو الشبهات، فلا يتجاوزها ولا يقترفها، حتى لا يقع في دائرة المحرمات؛ لأن المحرمات خطيرة جداً، ولها آثار خطيرة، ولا تنحصر آثارها على أنك ارتكبت أو أكلت محرماً، على الرغم من خطورة ارتكاب المحرمات، وإنما تتجاوز الآثار إلى أمور خطيرة منها عدم استجابة الدعاء، وقسوة القلب، وأن الله يسخر الظلمة يسيطرون على هؤلاء وبالتالي يدفع الظالم بالظالم، يدفع الظالم في الأموال بالظالم في قضايا السياسة ونحوها.

العبادة المالية

وأضاف فضيلته: “قد ورد في هذه الأمور كلها أحاديث، من أهم هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين” وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” هذا في حق الأنبياء، أمرهم بأكل الطيبات، وكذلك بالنسبة للمؤمنين فقال سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” ثم قال أبو هريرة: ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، يا رب ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له، لا يستجاب له. وقد قال علماؤنا: “ليس هذا خاصاً بعدم قبول الاستجابة، وإنما جميع العبادات المبنيّة على المال في ضياع. حجك وعمرتك نفس الشيء فعندما تقول لبيك وسعديك فيقال لك لا لبيك ولا سعديك. وكذلك الصلاة، رغم أنها ليست عبادة مالية ولكن عندما يكتسب الحرام لم تحقق الصلاة غاياته: “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ”، بالإضافة إلى أنه وردت أحاديث صحيحة أن الرسول يقول: “أي لحم غذي بالحرام فالنار أولى به”، وقد ورد أن سيدنا أبوبكر أكل شيئاً ثم علم أن فيه شبهة فوضع إصبعه في حلقه فاستفرغه ثم دفع أجره فقالوا: لماذا؟ قال: خفت أن يؤدّي ذلك أن ينبت منه لحم أو دم فيكون النار أولى بهذا الذي صنعه هذا الطعام الذي فيه شبهة ولم يكن حراماً محضا في ذلك اليوم.

تساهل المسلمين

وحذر من تساهل المسلمين قائلاً: “هذه القضية التي أولى الإسلام كل هذه العناية بها وميز المسلمين عن غيرهم، نجد أن المسلمين في معظم الأحوال قد تساهلوا بتلبيس إبليس أو بقوة الشهوات والرغبات، رغم أن الإنسان مهما كان غنياً ليس له إلا أن يأكل ويشرب ما يستطيع غيره، والغريب أنه كلما ازدادت الأموال قلت استفادة صاحبها بهذا المال، فتزداد الأمراض فيمتنع عن أكل بعض الأطعمة والحلويات، وحتى لو كان صحيحاً فكم يأكل ويشرب ويلبس، فلمن تترك هذه الأموال، قد يكون لذرية إذا طلبت منهم أن يبرئوا ذمة والدهم لا يفعلون ويقولون: لمَ لمْ يفعل هو بنفسه؟ فلينتهز الإنسان هذه الفرصة وهو حي وينظر إلى أمواله، فإذا كان لأمواله أصحاب حقوق فيردّها إلى أصحابها حتى يبرأ ذمته، وحتى تكون عبادته مقبولة ويكون دعاؤه مستجاباً وحتى لا يسيطر عليه الظلمة أيضاً.

الخوف والهلع أتيا من كثرة الحرام، وأكل أموال الناس بالباطل، فهذه القضية كلية وجوهرية، تتعلق بمصيرك وتتعلق بجميع عباداتك، فكيف تهملها ولمن تتركها؟! لمن؟! للذي لا يهتم بك في الغالب.