الدوحة – العرب

قسم فضيلة الشيخ علي محيي الدين القرة داغي تأجير الأرض إلى عدة حالات فقال:

1 – إذا كانت الأرض بيضاء (لا زرع فيها) فيجوز تأجيرها بأجر معلوم لأي منفعة ممكنة كالمخازن، والمواقف للسيارات، ونحوها.

2 – أما إذا كانت الأرض زراعية فيجوز تأجيرها بالنقود عند جماهير الفقهاء، وخالفهم في ذلك طاووس وطائفة حيث قالوا: لا يجوز كراء الأرض مطلقاً، وإليه ذهب ابن حزم واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك.

3 – أما إذا أجرت الأرض الزراعية بنسبة من إنتاجها مثل النصف أو الثلث، فهذا أيضاً جائز عند جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء، وقد عقد البخاري (باب كراء الأرض بالذهب والفضة)، وقال ابن عباس: (إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة)، ثم روى بسنده حديث رافع بن خديج قال: (حدثني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء، أو شيء يستنبته صاحب الأرض، فنهى النبي عن ذلك، فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدراهم فقال رافع: (ليس بها باس بالدينار والدراهم)، قال الليث: وكان الذي نهى من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة).

فهذا الحديث وغيره يدل على جواز كراء الأرض مطلقاً بالنقود، وعلى أن ما ورد النهي في هذا الباب محمول على ما إذا أكريت بشيء مجهول يترتب عليه الغرر، أو على الكراهة، وهذا رأي جمهور الفقهاء، بل قال ابن المنذر: (إن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه).

وأما كراء الأرض الزراعية بنسبة من ناتجها فاختلف فيه الجمهور، فذهب أكثرهم إلى الجواز استشهاداً بما فعله بعض الصحابة مثل ابن عمر، بل قال ابن عباس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خيرا له من أن يأخذ شيئاً معلوماً) وهذه المسألة تدخل في باب المزارعة.

ونحن هنا نتحدث بإيجاز عما يتعلق بالأجرة والمنفعة من حيث الشروط وغيرها في مبحثين:

المبحث الأول

الأجرة

القاعدة العامة هنا هي: أن كل ما صحَّ أن يكون ثمناً في البيع صحَّ أن يكون أجرة في الإجارات سواء كان نقداً (دراهم، ودنانير)، أو عيناً، أو منفعة، ولذلك اشترط الجمهور في الأجرة ما اشترط في الثمن.

جاء في الأصل للشيباني: (وإن كان شرط في الإجارة أن الأجر عند انقضاء السنة فهو كما شرط وكذلك إن كان شرط كل شهر عند انقضائه، فهو جائز، وكذلك لو شرط تعجيل الأجر فهو جائز وعليه أن يعجله، وكذلك لو شرط تأخير الأجر..).

قال الرافعي والنووي: «يجوز أن تكون الأجرة منفعة سواء اتفق الجنس كما إذا أجر داراً بمنفعة دار، أو اختلف بأن أجرها بمنفعة شخص، ولا ربا في المنافع أصلاً حتى لو أجر داراً بمنفعة دارين، أو أجر حلي ذهب بذهب جاز، ولا يشترط القبض في المجلس»، ومنع الحنفية أن تكون الأجرة منافع.

وقد أجاز المالكية أن تكون الأجرة من الشيء نفسه الذي يعمل فيه الأجير مثل أن يستأجره لطحن إردب بدرهم وقفيز من دقيقه، ولعصر الزيتون بنصف الناتج، لأنهما لا يختلفان بعد العصر، ولجواز بيع نصفها كذلك، فإن كان يختلف امتنع، قال القرافي: «وتمتنع الإجارة على سَلَم الشاة بشيء من لحمها لأنه مجهول قبل السلخ». وعن أبي الحسن: إذا دبغ جلوداً بنصفها قبل الدباغ على أن يدفعها كلها، فإن فاتت بالدباغ فعلى الدباغ نصف قيمتها يوم قبضها، وله أجرة المثل في النصف الآخر لحصول العمل، وإن دبغها بنصفها بعد الدباغ فدبغت فهي كلها لربها، لفساد العقد بسبب جهالة المدبوغ، وللدباغ أجرة مثله..

ويجوز على قول أشهب الإجارة على الذبح، أو السلخ برطل لحم، لأنه يجوز بيع ذلك اعتماداً على الجنس.

معلومية الأجرة

اتفق الفقهاء على أنه يجب أن تكون الأجرة معلومة، فإن كانت نقداً فيجب بيان مقداره مثل مائة ألف، وبيان جنسه مثل الدنانير، أو الريالات، أو الدولار، ثم إذا ذكر نقد البلد -كالريال في قطر مثلاً- فإنه المقصود لا غير، لكن إذا كان في البلد نقدان مشهوران فلا بد من تحديد النقد مثل الدولار الأميركي، والدولار الكندي، أو الريال القطري والريال السعودي، فحينئذ يجب تحديده بأن يقال: الدولار الأميركي، أو الريال القطري، وهكذا..

وإن كانت الأجرة أعياناً فيجب بيان ما يؤدي إلى تحديدها والعلم بها علماً نافياً للجهالة المفضية للنزاع، فيذكر مقدار وزنها إن كانت من الموزونات، وكيلها إن كانت من المكيلات، وإذا كانت عقاراً فيجب تحديدها، أو وصفها بالأوصاف التي تفضي الجهالة، وأن على العاقدين بيان مكان الإيفاء إذا كانت الأجرة من المنقولات، وهكذا..

ثم إن الأجرة إذا فسدت، وقد تم الانتفاع فيجب أجر المثل عند الجمهور، وفرق الحنفية بين كون المسمى معلوماً وقد فسر العقد حيث قالوا: يجب هنا أجر المثل بما لا يزيد عن المسمى، فمثلاً لو كانت الأجرة المسماة عشرة، وأجرة المثل خمسة، وجبت الخمسة لا غير، وعللوا ذلك بأن المنافع عندهم غير متقومة بنفسها، وإنما ثبت لها حكم المتقوم بالعقد، وهنا قومت بالعقد فيجب عدم الزيادة على المسمى، لأن ما زاد يبقى غير متقوم وبين أن يفسد العقد لجهالة المسمى أو عدمه حيث تجب أجرة المثل بالغة ما بلغ.;