الدوحة – العرب

دعا فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلين، الأمة الإسلامية إلى التواضع لله تعالى، وعدم التكبر على عباده، وأكد أن التواضع خلق رفيع، وليس نقيصة. وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة أمس، بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب، أن قادة دول الحصار أخذ الكبر منهم كل مأخذ، مما جعلهم يرفضون الحق ولا يرغبون في الحوار، ويأبون الانصياع للقيم والأخلاق، وأضاف: إن الكبر جرَّهم إلى التطاول بكل وسيلة أتيحت لهم على قطر، ولكن الله ردهم على أعقابهم خاسئين.

وأضاف: رأى العالم أجمع وسمع تلك الكلمات المفعمة بالحب والود والاحترام، التي أعلنها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بالجمعية العمومية للأمم المتحدة، عبر فيها عن اعتزازه بشعب قطر وبالمقيمين على أرض قطر، موضحاً أن شعب قطر وكل مقيم على أرضها يبادلون القيادة الحكيمة الحب والوفاء، وتجدد لها العهد والولاء.

وقال متوجهاً بحديثه لقادة دول الحصار: «لا نطالبهم بالقومية العربية، لأنها منذ ولادتها لم تجر على الأمة إلا الخيبة والعار، ولا نطالبهم برعاية أخوة القبيلة والعشيرة، فهم قطعوا تلك الأواصر كلها، ولم يعترفوا بشيء منها، ولم يحترموا لها ميثاقاً، وإنما نطالبهم بما تقره التشريعات من القيم والأخلاق، وبما يؤلف ولا يفرق، وبما يرأب الصدع ولا يزيده من قيم الإيمان والحكمة والتعقل.

وأكد فضيلته أن الإعجاب بالنفس منهيٌّ عنه حتى لو كان على أمرٍ صحيحٍ من العلم والإيمان والهدى وحسن الخلق، وأن من الواجب شكرُ الله على هذه النعم، فضلاً عن التكبر بسبب باطل من جمال أو مال أو نسب، إن الله تعالى ربط سبب السعادة في الدنيا والآخرة على التواضع، فقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

وأضاف القرة داغي: إن الله تعالى ربط قبول الأعمال الصالحات والعقائد والشعائر بسلامة القلوب، وخاصة في اليوم العصيب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، منوهاً بأن الكبر داء شيطاني، وذنب عصي الله تعالى به، وهو الذي جعل إبليس يستكبر عن عبادة الله تعالى وطاعته، حيث أمره بالسجود لأبينا آدم عليه السلام.

وحذر خطيب الجمعة من أن هذا الداء إذا استفحل في القلب أدى بصاحبه إلى الكفر والشرك والضلال، ومنعه من الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وصرف صاحبه عن اتباع الحق وآيات الله البينات، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

ختم بالضلال

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معنى الكبر، حين أعلن فيهم أنه: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه نظيف ونعله حسن، فقال عليه الصلاة والسلام: « ليس ذلك، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»، لافتاً إلى أن الكبر هو عدم قبول الحق من الآخرين، وازدراؤهم واحتقارهم، وما ذلك إلا لسبب من أسباب الدنيا المادية، يرى به المتكبر نفسه أعلى من الجميع، وفوق الآخرين من عباد الله تعالى، وقال: «إن الكبر يمنع صاحبه من قبول الحق واتباعه، فيستنكف عن قبول النصح والتوجيه والإرشاد، ولا يرضى بالحق حكماً ولا دليلاً، ويأبى أن ينصاع لما يمليه عليه واجب الإيمان من الرضوخ للحق، واتباع مسالكه.

مظاهر الكبر

وأكد فضيلته أن من مظاهر الكبر في حياتنا الاجتماعية، سلوك بعض الشباب، الذين لم ينهلوا التربية الصحيحة على أيدي آبائهم وأمهاتهم، وإنما تكفل الخدم بتربيتهم ورعايتهم، يظهر ذلك واضحاً جلياً في تصرفاتهم، خاصة إذا دخلت على أحدهم في أي مجلس وسلمت عليه، لا يرد عليك السلام إلا بطرف يده، ورؤوس أصابعه، لا يرعى فيك شيبة، ولا يحترم سناً، ولا يوقر فيك ما ميزك الله تعالى به من علوم ومعارف، وإن بعضهم يرد عليك التحية بغمغمة لا تبين فيها ما قال، حتى لكأنه يتلكم من أنفه، وأوضح أن هذا السلوك مخالف للدين الذي أوجب رد التحية بأحسن منها أو بمثلها.

 

نقيصة لا ترفع شأن صاحبها

اشار القرة داغي إلى أن التكبر نقيصة لا ترفع شأن صاحبها، وخاصة إذا جاء التكبر على امرئ فقير يدعي الفضل ويظن أنه من أهل الرفعة والكرامة، ويزعم أنه ينبغي أن يترفع عن الناس ويتضعضع الناس بين يديه، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر"، والعاهل المستكبر هو الفقير الفخور، المتكبر، الذي ليس عنده ما يدعوه إلى التكبر، وقد قال النووي: "العائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة في الدنيا، لكونه ظاهراً فيها، وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره، وأوضح أن الملك الكذاب هو الذي يتولى أمر المسلمين ويكون غاشاً لرعيته، لا يحفظ لهم وداً، ولا يقيم فيهم حداً.

وقال: "إن من الوسائل المساعدة على علاج الكبر والابتعاد عنه ترويض النفس على التواضع، وتدبر كتاب الله تعالى وتأمل ما فيه من التهديد والوعيد للمتكبرين، والعلم بأن الكبر من الأخلاق الرذيلة، التي تنزع الهيبة وتوقع في الفتنة.;