الدوحة – الشرق

الحلقة : الرابعة عشر

المذاهب الفقهية

إن المذاهب الفقهية المعتمِدة على الكتاب والسنة، وعلى الأدلة التبعية لهما، مهما اختلفت آراؤها الفقهية فهي في دائرة القبول والاجتهادات القابلة للخطأ والصواب.

المذهب هو: الطريقة التي يتخذها صاحبها لفهم شيء وتفسيره وبيان حكمه، أو لحل مشكلة وفق رؤية معينة، وبالتالي يختلف معناه حسب وصفه، أو المضاف إليه، فالمذهب الحنفي، أو مذهب الأحناف مثلاً هو: الطريقة التي سلكها أبو حنيفة وأصحابه للوصول إلى بيان الأحكام الشرعية، وفق أصول ومصادر معينة، وهكذا المذهب المالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والإباضي، ونحوهم، فهذه المذاهب لا تختلف كثيراً من حيث الاعتماد على الأصول، ومن حيث أصول الإيمان وأركانه الستة، في حين أن أصحاب المذهب الشيعي يضيفون إليها الإيمان بولاية الأئمة، فقد روى الكليني (أكبر مشايخهم) بسنده عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: “قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمِّداً لله وأثنى عليه، ثم قال: “… والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله ذلك منه، حتى يلقى الله بولايتي، وولاية أهل بيتي”، وفي رواية عندهم بلفظ “.. ثم جاء يوم القيامة وهو جاحد لولاية علي إلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم”، ومع ذلك فالشيعة الإمامية يقولون بالتوحيد، والعدل، وعدم رؤية الله، بتفسير مطابق لما يقوله المعتزلة، وبالنبوة وولاية أئمتهم الاثني عشر، فقد نسبوا إلى جعفر الصادق رضي الله عنه، قول: “بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قال زرارة وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن”.. ولكن المؤثر في هذا الجانب المذهبي هو القول بأن الإمامة والولاية أهم أركان الإيمان، ومنهم من يقول: لا يكون مؤمناً من يكتفي بـأن ينطق بالشهادتين، إلا أن يشهد بأن علياً ولي الله، حيث يعتقدون أن الإمامة “كالنبوة لطف من الله تعالى، فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هادٍ، يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم.. وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم”.

الإمامة بنص

وأن هذه الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أو على لسان الإمام الذي قبله، (مع أن عليا نفسه لم يرو هذا عن رسول الله، ولم يقل بهذا قط)، ولذلك يرون أن الإمامة ليست بالاختيار والانتخاب من الناس، مع أن علياً

خالف نظريتهم وطالب باختيار الإمام وانتخابه. ويترتب على ما سبق أنَّ عصمة الأئمة مثل عصمة الأنبياء، فهم معصومون من جميع الذنوب حتى من الخطأ والنسيان والسهو، “لأن الأئمة حفظَة الشرع والقوَّامون عليه حالهم حال النبي”، وبالتالي فالإمام يوحى إليه: “يتلقى المعارف والأحكام الإلهية، وجميع المعلومات من طريق النبي، أو الإمام الذي قبله، وإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية، التي أودعها الله تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء، وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، علمه قطعاً، لا يخطئ فيه ولا يشتبه”.

فضل آل البيت

فأهل السنة والجماعة مجمعون على فضل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليهم مع الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في الصلوات، فالجميع متفقون على وجوب القول في الصلاة: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد”، وأن الأئمة الثلاثة الأول: (علي، والحسن والحسين) من الصحابة الكرام، بالإضافة إلى أنهم من آل البيت، وأنهم مجتهدون وأئمة الهدى، كما أن أهل السنة لا يختلفون في إمامة الفقه للأئمة: “علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر) فهؤلاء أيضاً أئمة الفقه والهدى، وأن بقيتهم أيضاً لهم مكانتهم مكانة آل البيت.

أصول المذهب

وليست الإشكالية في ذلك، وإنما الإشكالية في أصول المذهب المتعلقة بما يترتب على الولاية، والعصمة والوصاية (حسبما قالوا، من التقديس الذي يساوي مقام الأنبياء، بل يفوق عليهم عند بعضهم)، فقد قال بعضهم: “ومن ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل”.. وقال: “فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون”، ويقول: “إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن، يجب تنفيذها واتباعها”، وهذه العصمة والتقديس تتعارض مع مقام النبوة الخاتمة، بل مع قدرة الله تعالى، حيث بالغ بعضهم بإسناد معظم الأمور الخاصة بالله تعالى إلى هؤلاء الأئمة الكرام (تعالى الله تعالى عن ذلك).

كما أنه يترتب على جعل الولاية والإمامة من أهم أركان الإيمان، أن من لم يؤمن بها من عامة المسلمين الذين تصل نسبتهم إلى 90 % يكونون غير مؤمنين، وهذا أمر في غاية من الخطورة، ولكنه مع كل ذلك، فلا يجوز إثارة ما يثير الفتنة والحروب بين الأمة الواحدة، بل يجب علينا رفع هذا الشعار الجميل، وتحقيق هذه القاعدة الذهبية الرائعة: “فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر (أو يسامح) بعضنا عن بعض فيما اختلفنا فيه).

المذاهب الفقهية

إن المذاهب الفقهية المعتمدة على الكتاب والسنة، وعلى الأدلة التبعية لهما، مهما اختلفت آراؤها الفقهية فهي في دائرة القبول والاجتهادات القابلة للخطأ والصواب، ولا يجوز تقديسها ولا التقليل من شأنها، ولا التبخيس من شأن أصحابها، فأهل الحق دائماً على المنهج الوسط؛ القائم على الابتعاد عن الإفراط والتفريط، والغلو، وإعطاء كل ذي حق حقه دون تنقيص وتبخيس ولا تقديس، فلا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وهو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما قال عدد من علماء السلف.