الراية – الدوحة
أكد فضيلة د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن المسؤولية في الغرب ضمير ومصلحة يحميها القانون، ومساءلة أمام البرلمان، وثواب وعقاب في الدنيا.
وقال: إن المسؤولية في الإسلام تقوى ومحاسبة أمام الله تعالى ثم مصلحة، وقانون ومساءلة أمام البرلمان والمجتمع وثواب وعقاب في الدنيا والآخرة، كما أن المسؤولية في الإسلام مسؤوليات أمام الله وأمام تطبيق شرعه.
وأعرب عن ارتياحه لسماعه اليمين الدستوري التي أداها الوزراء الجدد في التشكيل الوزاري في قطر.. وقال: إن اليمين تضمّنت احترام الشريعة الإسلامية.
وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: إن مسؤوليتنا أمام درء المفاسد والمعاصي والذنوب والفساد والفجور والفساد المالي والنفسي، وقد سمعت من أحد المسؤولين حينما شجّعوا الفساد في إحدى الدول، قال: نحن نادمون فقد خسرنا أولادنا، وما قيمة البلد فيه آلاف الأبراج وفسد شبابنا، لهذا يجب أن تكون هناك موازنات، ولا أقول موازنات دينية وإنما موازنات أخلاقية. لما دخل هتلر فرنسا قال: نحن دخلنا فرنسا من خلال فساد شباب فرنسا لأنهم لم يستطيعوا أن يحاربوا. فالشاب المنشغل بالنساء والخمور كيف يستطيع أن يدافع عن الأمة!.
تحقيق المصالح
وأشار فضيلته إلى مسؤوليتنا أمام أمتنا، فالوزراء عليهم أن يحققوا الأمور الثلاثة، تحقيق المصالح ودرء المفاسد والتطوير والنظر في المستقبل. ومسؤولياتنا أمام والدينا وأهلنا وزوجتنا وأبنائنا وكذلك أمام إخواننا المتضوّرين جوعاً في سوريا الجريحة، وقد زادت هذه العواصف الثلجية من مسؤولياتنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم “ما من أهل عرصة يموت بينهم امرؤ جائعا إلا برئت منهم ذمة الله ورسوله”.
علماء من الغرب
وأشار إلى قصة ثلاثة علماء من الغرب فتح الله عليهم بالإسلام، والذين قالوا إن الغرب يحافظ على مجموعة من القيم الأخلاقية العملية وليس الدينية، لعدة أسباب منها لأجل المصلحة، ومنها القانون الذي ينظم هذه المصلحة ويرتب عليها المسؤولية والجزاءات.
وقال العالم الغربي: إن الغرب يُحافظ على الوعد، لأن أصحاب المهن إذا لم يفوا بوعودهم ستسقط سمعتهم، وحينئذ لا يتعامل معهم الآخرون، بالإضافة إلى المسؤولية القانونية، كذلك نحن نحافظ في الغرب على النظافة لأن النظافة تحقق المصالح وتدرأ المفاسد والأمراض، وكذلك الغرب يُحافظ على المسؤولية، فنحن في الغرب نحافظ على أن يكون الشخص المسؤول محافظاً على مسؤوليته، كما أن الغرب وفق ما يتمتع به من حريّة في الانتخابات فإن الشخص الذي لا يلتزم لا يتم انتخابه.. وقال: إن هذه القيم هي التي جعلت المجتمع الغربي مجتمعاً متقدماً ومتطوراً وقادراً على هذه الصناعات والإبداعات التي لديهم.
إبداع القرآن والسنة
وقال العالم الغربي المسلم – يقول القرة داغي-: إن القرآن الكريم والسنة النبوية المشرّفة بينا القيم الأخلاقية.. وقال: الإيفاء بالوعد جزء من الإيمان في هذا الدين وأن مخالفة الوعد من علامات النفاق.
وأوضح أن القرآن الكريم ركز كثيراً على الحفاظ على العقود، والرسول حافظ على وعوده في أشد وأخطر الأماكن، ففي غزوة بدر كان عدد الصحابة قليلاً وعدد المشركين من قريش كثيراً والصحابة مع الرسول أتوا لأجل قضية القافلة ولم يكونوا مستعدين للقتال وإنما فوجئوا بالقتال، وأثناء ذلك جاء شابان قويان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا: يا رسول الله نحن أتينا من هذا الطريق وأخذتنا قريش وحاولنا معهم أن يفكّوا أسرنا ففكّوا أسرنا بشرط واحد ألا نشارك في هذه الحرب، فقال الرسول في هذا الوقت العصيب: اذهبا ولا حاجة لنا بكما وقوما بالوفاء بعهديكما.
ولفت إلى أن الإسلام جعل الطهارة من الدين والطهور شطر الإيمان والقرآن الكريم ذكر المتطهّرين مع التوابين “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”.
.. وقال العالم الغربي عن المسؤولية في الإسلام: “لا يوجد دين مثل الإسلام شرح المسؤولية وفصّلها تفصيلاً على مستوى الحكام والأسرة والمسؤولين والمجتمع والبيئة”.
ثلاث عواصم
وتابع روايته.. ثم قال الرجل ومعه الاثنان الآخران: ولكن حينما جئنا للحج أحببنا أن نمر على العواصم الثلاث باعتبارها عواصم تاريخية، “القاهرة ودمشق وبغداد”، ثم التوجه إلى مكة المكرمة، وكنّا نقول في أنفسنا كيف تكون أمة لديها هذه القوانين ولديها المسؤولية وعندها هذا الدين العظيم في هذا المجالات الثلاث في الوعد والنظافة والمسؤولية؟!. ولكن بعد أن مررنا بهذه العواصم قلنا الحمد لله
وقال علماء الغرب “الحمد لله أننا أسملنا قبل أن نزور بغداد والقاهرة ودمشق ونرى أحوال المسلمين”.
وأضاف “يجب علينا أن نحس بالمسؤولية نحو الأسرة ثم القرابة ثم الجيران والمساكين والمسافرين ومسؤوليتنا عن الخدم والحشم الذين يخدموننا.
كلكم راع
وشرح د. القرة داغي الحديث المعجز الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
وقال: إن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ الراعي وليس الحاكم أو الزعيم أو المسؤول مسألة لها مغزى لأن الراعي من الرعاية وهذه مهنة عريقة زاولها جميع الأنبياء والرسل لأنها تنطوي على الكثير من جوانب الرحمة، حيث إن الراعي يسعى ويتعب ويتحمّل من أجل أن يصل إلى المرعى الذي يريده في الوقت المناسب.
وأوضح الخطيب أنه إذا كانت رعاية الحيوان بهذا القدر من الأهمية فكيف تكون مع الإنسان؟. وأشار إلى أن الخليفة راع والحاكم راع والرئيس راع من الرعاية لغوياً، أما من الناحية العملية فإنهم يرعون مصالح الأمة مثلما يرعون أنفسهم، وشدّد على أن الذي يرعى مصالح الأمة عليه ثلاثة أشياء بإجماع العلماء، حيث إن عليه أولاً أن يسعى لتحقيق المصالح والمنافع والطيبات لهم، ثم إن عليه أن يدرأ المفاسد والأضرار والخبائث سواء كانت ماديّة أو معنوية أو دينية أو أخلاقية.
أما الواجب الثالث عليه فهو أن ينهض ويرتقي بهم ويفكر بمستقبلهم، كما فعل سيدنا عمر حينما فتح العراق والشام ومصر حيث كان بإمكانه أن يوزّع الأراضي على أصحابه، ولكنه فكّر في الأجيال القادمة.