الدوحة – الشرق

الحلقة : الثالثة

تكفلت الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، وكذلك القواعد العامة والمبادئ والمقاصد العامة التي ذكرناها ـ أو سنذكرها ـ ببيان معظم هذه الحقوق المتقابلة، ونذكر هنا بعض الأحاديث الواردة بهذا الصدد، منها:

1- مسؤولية الراعي عن الرعية في كل ما استرعاه الله تعالى، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول فالإمام راع وهو مسؤول والرجل راع على أهله وهو مسؤول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول)، وهذه المسؤولية تشمل كا ما أمكنه الراعي من تحقيقه في مجال الأمن السياسي، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، وتوفير كافة حاجيات هؤلاء الذين هم تحت رعايته.

2- وجوب العدل والقسط، وعدم الظلم والبغي ـ كما سيأتي ـ.

3- الصدق والصفاء والبعد عن الخيانة والغش والتدليس، حيث روى البخاري ومسلم بسندهما عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنة) وفي رواية: (فلم يَحُطْها بنصحه لم يجد رائحة الجنة).

4- النصح للأمة، ونصح الأمة لهم ـ كما سيأتي ـ.

5- وجوب استفراغ الجهد لخدمة الأمة وتقويتها وحمايتها ونهضتها، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من أمير يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح لهم إلاّ لم يدخل معهم الجنة).

6 — وجوب الرفق بالأمة وعدم العنف، والتضييق عليهم، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهم مَنْ ولي من أمر أمتي شيئاً فشَقّ عليهم فاشقق عليه، ومَنْ ولي من أمر أمتي شيئاً فَرَفَقَ بهم فارفق به). ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن شرّ الرِّعاء الحطمة) والحطمة: هو العنيف برعاية الإبل، والمقصود به: الوالي القاسي.

7 — عدم الاحتجاب عن الشعب، وتحقيق حوائجهم، والاستماع لأصحابها، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من ولاه الله من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم، وخلّتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخَلّته وفقره يوم القيامة).

8 — الحب والدعاء المتبادل، ومراعاة الحقوق الاجتماعية من الطرفين، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، فهذا الحديث يدل على ضرورة أن يعمل الحكام من الأعمال التي تحببهم إلى شعوبهم فيدعون لهم، وعليهم كذلك أن يبادلوا هذا الحب بالحب والدعاء، بالإضافة إلى وجود تواصل اجتماعي بين الطرفين؛ بحيث يقوم الحاكم بالصلاة على موتاهم، وهكذا..

المبدأ الثالث: مبدأ المساواة:

فمن أهم القواعد التي أرساها الإسلام هي قاعدة المساواة بين المسلمين، مساواة في الحقوق والواجبات، ومساواة في الأحكام والمكانة والاعتبار، فالمسلمون متساوون كأسنان المشط؛ فلا فضل لواحد منهم على الآخر على أساس العرق، أو اللون، أو الشكل، أو القومية أو القبيلة، أو الاقليم، بل البشرية في هذا كلهم سواء فكلهم من آدمَ وآدمُ من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، ولا… ولا… إلاّ بالتقوى، علماً بأن التقوى هي في الصدر لا يعلم بها إلاّ الله تعالى.

فقد قضى الإسلام من خلال آيات وأحاديث كثيرة على كل مظاهر التفرقة، على أي أساس كان، فهي مرفوضة في الإسلام.

وكذلك المساواة أمام القضاء والمحاكم وفي تحقيق العدالة ووصول الحق إلى صاحبه مهما كان قوياً أو ضعيفاً، كما قال الخليفة أبو بكر رضي الله عنه: (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه حق الضعيف، والضعيف قوي عندي حتى آخذ له حقه من القوي).

المبدأ الرابع: مبدأ عدم اكتساب الحاكم أي ميزة على الآخرين، وبعبارة أخرى: مثلية الحاكم في البشرية، وأنه لم تزد إلاّ بالمسؤولية، ولذلك قال الخليفة أبو بكر في أول خطبة له بعد الخلافة؛ يحدد فيها برنامج عمله: (أيها الناس إني قد وُليّت عليكم ولست بخيركم..)، ولذلك رفض أيضاً أن يُسمى: خليفة الله، حينما دُعي به، فقال: (لستُ خليفة الله، ولكني خليفة رسول الله) صلى الله عليه وسلم، مع أن فيه وجهاً، ولكن الجمهور على منع هذا الاسم، لأن الاستخلاف للغائب، والله حاضر، ولأن فيه نوعاً من التقديس والتمايز، فالخليفة هو واحد من الناس، ولكنه كلّف بحمل أمانة أكبر، ومسؤولية أعظم، فهو ليس فوق البشر، ولا ظل الله في الأرض، كما تصورَه الناس، أو صور لهم في عصر الوثنيات والصنميات، وظلال الله المدّعاة في الأرض، ومثل ذلك أكد عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: في إحدى خطبه: (أيها الناس لقد رأيتني أرعى لحالات لي من بني مخزوم، فكنتُ أستعذب لهن الماء فيقبضني القبضة من التمر أو الزبيب)، ثم لما نزل قال له عبدالرحمن بن عوف: (ما أردت بهذا يا أمير المؤمنين؟ أجاب: ويحك يا بن عوف، لقد خلوت إلى نفسي، فقالت لي: أنت أمير المؤمنين وليس بينك وبين الله أحد، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها قدرها).

هذا المبدأ الجديد الذي أضفته، قد يثور حول ذكره التساؤل: فهل يمكن أن يدعي الحاكم غير ذلك في الأمة الإسلامية؟

الجواب: إن جميع الطغاة والظلمة يبررون ظلمهم بأنهم يمتازون بميزات شخصية، أو مكتسبة بسبب الحكم، فقد ادعى بعضهم الألوهية، وادعى الآخرون أن روح الإله قد حلت فيهم، وادعى بعض ثالث: أنهم مقدسون معصومون، وادعى بعض رابع: أنهم الأمة، والشعب، وأن الشعب هو، فكأنما يقولون: “أنا الشعب والشعب أنا، نحن روحان حللنا بدنا؟!!!، بل أنا الروح حللت بالشعب”، وادعى خامس: أنه الإنسان والمجد، والشعب هم الحشرات، أو الجرذان، كما قال شاوسيسكو عندما تظاهر شعبه، فقال هو وزوجته: “أبيدوا هؤلاء الحشرات بالمبيدات”، وقال القذافي: “أنا المجد وأنا العزة.. وهؤلاء المتظاهرون هم الجرذان والخونة”!! وهكذا.