حمّل فضيلة الشيخ د.علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدول والحكومات العربية والإسلامية مسؤولية ما يحدث لأمتنا واعتبر أن مسؤوليتهم في ذلك مسؤولية عظمى.
ولفت إلى أهمية التغيير في حياة الأمم والأفراد، مشيرًا الى لقائه بالنائب الهولندي الذي أنتج فيلمًا مسيئًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وحين عرف حقيقته وقدره أسلم وأدّى فريضة الحج هذا العام.
وأكّد الشيخ القره داغي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب أن دور مصر في التغيير كبير على مر التاريخ الإسلامي، مضيفًا أن مصر وتركيا ودول الخليج بمثابة مثلث التغيير للأمة العربية والإسلامية.
وأضاف فضيلته قائلاً: إن قضية التغيير لهذه الأمة على الرغم من المسؤولية الخطيرة الأولية للإنسان كفرد كما أشار إليه القرآن الكريم ،”وهديناه النجدين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، هذا يعني أن الله سبحانه وتعالى أعطى المسؤولية كاملة للإنسان، فأنت تختار الطريق نحو الأحسن فالله يهديك ويأخد بيدك وأنت الذي لا سمح الله تختار طريق الضلال وأنت أخذت هذا القرار والله يحاسبك عليه.
قسم القرآن
وقال: أقسم الله أكثر من عشر مرات ولأول مرة في كل القرآن الكريم بهذا العدد الكثيف من القسم في سورة الشمس ويقول بعد القسم ” فألهمها فجورها وتقواها” فالله بيّن لنا طريق الخير وطريق الفجور” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” أي فاز في الدنيا والآخرة من زكاها، أي أنت الذي تزكي والله أعطاك هذه الإرادة. وعلماء التربية يقولون: إن العادات السيئة تأتي من ثلاثة أشياء: من الوراثة أي من المجتمع، ومن البيئة، ومن التربية، ويقولون أيضًا إن الجانب الوراثي ليس من الجانب الجيني، فالجين لا ينقل العادات والسيئات، وقد اكتشفت خريطة الجينات واكتشف معظمها بأنه للأعضاء وليس للأخلاق، لأن الأخلاق تكتسب، ولكن الإشكالية أن الطفل يكتسب الأخلاق وهو في بطن أمه، من خلال الأصوات وما يدور حوله، وإلا فإن الله لم يجعل في الجينات الأخلاق السيئة، بل يولد الإنسان على الفطرة، فلن يلام إلا غيرك، ومن ثم تأتي بيئة الوالدين، والمجتمع والدولة في التربية، وكل هذه الأشياء قابلة للتغيير.
النائب الهولندي
وذكر أنه تقابل مع النائب الهولندي، الذي أخرج سابقًا فيلمًا سيئًا عن الرسول، لكنه اليوم جاء مسلمًا حاجًا باكيًا، يقف ساعات طويلة للتوبة والمغفرة، هداه الله وتغير، وكان سبب تحوله هذا أنه قرأ بعض الكتب الصحيحة عن الرسول بعد أن كان لا يعرف عنه إلا أنه عدو للمرأة والإنسانية، فالتغيير ممكن ويحتاج فقط إلى الإرادة.. وحتى كلمة “دسّاها” تدل على الإخفاء، أي أننا نخفي الحقيقة حينما نعمل الفجور والعصيان، لأن الحقيقة هي الفطرة السليمة وتدس وتخفى بالكذب والفجور.
وأشار إلى أنه من جانب آخر فإن الدول والحكومات تتحمل المسؤولية الثانية الكبرى أمام الله، وأمام المجتمع، عما يحدث لأمتنا، هؤلاء لهم دور كبير نحو تغيير الأمة، فعلى سبيل المثال: تحوّل الشعب المصري بعد 25 يناير إلى إخوة، وكان ميدان التحرير مدرسة في الإيثار والأخوة والتعاون على البر، وجاءت الحالة الأخيرة، ومزقت الأمة المصرية إلى فريقين، إلى فسطاطين، حتى في الحج، السلطة اليوم بما فعلت، أخرجت مصر من المعادلة الدولية، بينما كان لها دور أيام الرئيس مرسي، فلقد كان لهم دور مع باقي الدول ليخرجوا بشار الأسد من جامعة الدول العربية، وحينما فقدت مصر دورها أعيد بشار إلى مكانته وحتى بعد استخدامه للأسلحة الكيمياوية.
وقال فضيلته إن مصر لها دور عظيم على مر التاريخ، وهو مثلث مشروعنا الإسلامي أو العربي، سميه ما شئت، أو أي مشروع ناجح، وهذا المثلث لن يتم إلا من خلال تركيا ومصر والدول الخليجية. مصر هي التي أنقذت الكويت مرتين، مرة في زمن عبدالكريم قاسم، ومرة في حرب الخليج، فلذلك الأعداء يريدون التحكم في الأقاليم كما يسمون مصر وتركيا وبغداد ودمشق والدول الخليجية..الغرب يعرف الطريق، ويعرف متى يستغلنا، فيستغلنا عندما يحكمنا الظلمة المستبدون، وإن الاستبداد لن يأتي بخير، ويعرفون متى نكون ضعفاء، حينما نكون مختلفين، فالذين أضروا بمصر يعرفون اليوم نتيجة ما فعلوا، ولذلك ليس أمام العرب لكي تكون لهم قوة في الأمم المتحدة، إلا أن يصلحوا ما أفسدوا في مصر، والمفسد لن تُقبل توبته إلا إذا أصلح.
الأكثر تقربًا لله
وكان قد بدأ خطبته بقوله: إذا نظرنا إلى عالمنا الإسلامي، وإلى واقعنا الإسلامي، وجدنا بفضل الله سبحانه وتعالى أن المسلمين اليوم هم أكثر الأمم تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، وأكثر الناس عبودية بحق، ونجد أن الصحوة المباركة تزداد يومًا بعد يوم، وأن كثرة المصلين والمزّكين والصائمين والحجاج والمعتمرين تزداد يومًا بعد يوم، ولو كانت الأماكن المقدسة تسع لأكثر من ذلك ربما يصل عدد الراغبين الى الحج إلى عشرات الملايين من المسلمين، والناس في شوق كبير الى هذه الديار المقدسة، بل قلوبهم تغلي شوقًا لله سبحانه وتعالى وأداء لهذا الواجب.. وهكذا نشاهد وشاهدنا في شهر رمضان المبارك، كيف أقبل الناس على ليالي القدر وكيف وصلت الصفوف في العالم أجمع بين المسلمين إلى الشوارع والأزقة.
وقال: لكنه إذا نظرنا إلى الجانب الآخر، الجانب النقدي، الجانب الذي ينظر إلى المسلمين نظرة دقيقة، نظرة انتقادية، بل نظرة واقعية، لوجدنا أن نسبة التغيير نحو الأحسن في العادات والسلوك والأخلاق والقيم، التي أنزل الله سبحانه وتعالى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل إكمالها “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” بل إن الله أرسله رحمة للعالمين، لوجدنا أن هذا الجانب لايزال قليلاً جدًا، بل إنه ضعيف جدًا، حتى داخل الديار المقدسة، وحتى أثناء الطواف والرمي، ونجد آثار العدوان، وعدم احترام الإنسان لأخيه الإنسان مازالت شائعة وغالبة في أمتنا الإسلامية.
العبودية هي منتهى الخضوع، ومنتهى الهدوء لله تعالى، فكيف تؤدى العبودية بالعدوان والضرب والإيذاء، فهنا تحتاج الأمة كلها إلى إعادة النظر في نفسها، لماذا لم تؤثر فينا كل هذه العبادات التي نحن نؤديها رغم أنها بدون استثناء مرتبطة بالأخلاق وبالإثار؟ فكل شعائر الله، وكل أركان الإسلام مرتبطة بها، فالإيمان الذي هو الأمن والأمان لك ولغيرك، والصلاة التي نص عليها القرآن الكريم بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، أي قولاً وفعلاً، والزكاة ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم” تطهرهم وتزكيهم من الداخل والخارج، والحج “فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، والصيام مدرسة شهرية للتقوى، فأين آثار كل هذه العبادات؟ لا بد أن نعيد ونوجه هذا السؤال إلى أنفسنا.