الدوحة – الشرق
دعا د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأمة الإسلامية إلى تبني الإصلاح الشامل للفرد والأسرة والقبيلة والجماعة والمجتمع وكذلك داخل الأمة.
وقال في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة -رضي الله عنها- بفريق كليب إن الإصلاح يشمل كل ما في داخل الإنسان من إصلاح القلب والنفس والعقل وكذلك إصلاح الخارج من حيث السلوك والأخلاق والتصرفات والأنشطة مع إصلاح المتخاصمين .
وأضاف: يجب الإسراع بالإصلاح دائما الذي لو حدث على مستوى الأفراد والدول والأمم لما حدثت هذه المشاكل التي الآن في مصر ولو قامت الدول العربية ووقفوا مع الحق لما حدث ما حدث ولما وجدت المشكلة في سوريا .
وقال إنه لو اتفق المسلمون والأمراء والعلماء والحكام ووضعوا شروطا واتفقوا عليها لما استطاع هذا المجرم الأسد أن يفعل ما فعل. ولو وقفنا وقفة واحدة مع قضيتنا الأولى لما استطاع الصهاينة أن يفعلوا ما يفعلون.
وقال د . القره داغي إن أركان الإسلام والإيمان تنحصر من حيث العموم في ثلاثة أشياء أساسية هي الإيمان بكل ما أراده الله -تعالى- وأمر به، ثم العمل الصالح ثم الإصلاح. ولفت إلى أن الإصلاح يكون في كل مجالات الحياة. إن الإصلاح هي كلمة جامعة، لذلك ذكره الله -تعالى- ومشتقاتها في القرآن الكريم حوالي 180 مرة، والقرآن الكريم لا يعطي الأولوية والتكرار إلا للقضايا المهمة، فيذكرها بجميع أنواعها وألوانها وإمكانياتها.
الإصلاح الحقيقي
وأضاف: مجتمعنا اليوم على مستوى الفرد والأسرة والجماعة والدولة، وعلى مستوى المجتمع والأمة، وعلى مستوى الحكام والعلماء والشعوب، في أمس الحاجة إلى هذا الإصلاح الحقيقي بين الناس لأن عدم الإصلاح يؤدي إلى مزيد من التفرق والتمزق، وإلى مزيد من الهيمنة من أعداء الإسلام علينا، فهؤلاء لم يستطيعوا في السابق ولن يستطيعوا في اللاحق أن يهيمنوا على المسلمين إلا من خلال ما يفسد المسلمين فيما بينهم، وما يجعلون بين شعب وجماعة وجماعة ودولة من الفتن والمشاكل حتى لا تجتمع الأمة، وكلما كان هناك فرقة كلما كان هناك سيادة للأعداء، لأنه كما يقول هؤلاء: إذا كان المسلمون مختلفين ومتفرقين حينئذ يضعفون، وكل جماعة تريد أن تتقوى على الأخرى من خلال الاستقواء بالخارج وبالأعداء وحينئذ تكون الكارثة الكبرى.
حرمة التفرق
وقال إن التفرق نهى الله -تعالى- عنه، وحرّمه الله أشد التحريم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- سمّى أي شيء يؤدي إلى فساد ذات البين بالحالقة، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- “أفلا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والحج؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: إصلاح ذات البين” إصلاح ذات البين أفضل عند الله، لأنه من نتائج الصلاة الصحيحة، والزكاة الحقيقية، والصوم والحج الحقيقيين، كل ذلك يؤدي إلى إصلاح الأعمال، وإلى إصلاح النفوس، وإصلاح بين الناس، وإلى منع الفواحش والمنكرات عند الفرد وداخل الأسرة والمجتمع ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
إصلاح وتقوى
وأشار إلى آيات الإصلاح قائلا: إذا قرأناها ما وجدنا آية إلا وتتضمن الأمر بالتقوى، إما قبل أو بعد، لأن الإصلاح بدون التقوى وبدون الإخلاص والتجرد لله -تعالى- لن تكون آثاره كبيرة، بل لن يكون هذا الإصلاح مجدياً إذا لم يربط بتقوى الله -سبحانه وتعالى-، وأن يتجرد الإنسان المصلح عن كل أهوائه ومصالحه. بيّن الله إذا لم تكن هذه النية الطيبة فسيكون الإصلاح فاشلاً، لذلك ربط الله الإصلاح في قصة الحكمين بين الزوج والزوجة فقال الله تعالى (إن يريدا إصلاحا)، فإذا كانت إرادتهم صافية على تقوى الله والإصلاح (يوفق الله بينهما)، لذلك كان سيدنا عمر إذا رتّب أو قضى بوجوب حكمين، ثم عادا ولم يوفقا، كان يرفع عصاه ويقول السبب يعود لكم لأنه كان في نفس أحدكما إشكالية، ولم يكن هناك تجرد، ولأن الله كان يوفقكما للإصلاح إن أردتم ذلك.
وظيفة الأنبياء
وأكد فضيلته على أن وظيفة الإصلاح هي وظيفة الأنبياء وشعار الأنبياء كما عبر عن ذلك سيدنا شعيب في سورة هود حيث يقول الله -تعالى- على لسان سيدنا شعيب (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، وقد حصر عمله ونشاطه في عملية الإصلاح ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)، هذه الآية الكريمة تتضمن مجموعة من القضايا الأساسية، القضية الأولى: أن الإصلاح شعار الأنبياء والمقتدين بهم، ولا بد أن يكون شعار المسلمين والمؤمنين منحصرا في الإصلاح، لأن نتائج العبادات تنصب على صلاح الإنسان في الداخل، وإصلاح الإنسان لغيره، لذلك بيّن القرآن أن (الإنسان لفي خسر) (إلا الذين آمنوا) الركن الأول (وعملوا الصالحات) الركن الثاني ( تواصوا بالحق) والركن الثالث وهو الإصلاح أن توصي بالحق، والنتيجة (وتواصوا بالصبر) أي أن تصبر على الإيمان وعلى عمل الصالحات، وأن تصبر على الإصلاح بالحق، وبدون الصبر لن تتحقق النتائج المرجوة.
الأمر بالمعروف
وذكر أن ضمن هذا الإصلاح: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر فيها من الآيات بالمئات، ويدخل في ذلك أيضا النصح وفيها من الآيات والأحاديث بالعشرات، فلو جمعنا الآيات القرآنية التي تتحدث عن أهمية هذا الجانب من المسلم من عملية الإصلاح والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، يكاد يصل حجمه إلى ثلث القرآن الكريم من حيث الأعداد ومن حيث الأهمية. نحن فقدنا إلى حد كبير هذا الجانب في مجتمعاتنا، وأصبحت هناك لا مبالاة، وأصبح البعض في ذلك مثل ما حدث لليهود، كانوا في الأول ينهون عن المنكر، أما في اليوم الثاني يجالسه فيؤاكله دون أن ينهى، فقد لعنهم الله سبحانه وتعالى على لسان داود وعيسى بن مريم لأنهم (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) .