أسباب تأخير سداد الديون
تعود أسباب تعثر، أو تأخر سداد الديون بصورة عامة إلى عدة أسباب، وفي البنوك الإسلامية إلى أسباب أخرى، أما الأسباب العامة للتأخر، أو عدم السداد فهي ما يأتي:
السبب الأول: الإفلاس، وعدم القدرة على السداد بسبب العجز المالي، فالمدين له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون للمدين أموال ولكنها لا تكفي لسداد ديونه، وبعبارة أخرى يستغرق الدين مال المدين، فلا يكون في ماله وفاء بديونه.
الحالة الثانية: أن لا يكون له مال معلوم أصلاً.
الحالة الثالثة: أن يكون له مال ولكن يماطل في الدفع.
فالحالة الثالثة يخصص لها السبب الثاني الآتي، وأما الحالة الأولى فهي داخلة فيما يسمى في الفقه الإسلامي بالإفلاس حيث يحكم القاضي بالحجر عليه بسبب إفلاسه، وحينئذٍ تترتب على ذلك عدة أحكام وآثار من أهمها:
أ – تعلق حقوق الغرماء بعين ماله المدين.
ب- أن من وجد عين ماله عند المدين فهو أحق بها عند جمهور الفقهاء.
ج – منع المدين من التصرف في أمواله بكل ما يضر الدائنين.
د – توزيع جميع أمواله على الغرماء من باب قسمة الغرماء بعد بيع أمواله العينية.
هـ – حلول جميع ديونه الآجلة عند مالك، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في إحدى روايتيه، خلافًا للحنفية، والشافعي في قوله الآخر، وأحمد في أشهر روايتيه الذين ذهبوا إلى بقاء الآجال على حالتها.
أما المُفلس الذي ليس له مال معلوم أصلاً فلا يحجر عليه، ولا يحبس، ولكن عليه بإثبات إعساره بالأدلة، أو يصدقه الدائنون على تفصيل في ذلك، وإلاّ فيحبس حتى يثبت إعساره فيفرج عنه على رأي جمهور الفقهاء وذلك لقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة.
وبالنسبة للبنوك الإسلامية تستطيع الحجر على المدين في الحالة الأولى، وإذا كان لديها رهن فلها الأولوية بقيمة المرهون، وإلاّ فتأخذ نصيبها حسب قسمة الغرماء.
السبب الثاني: المماطلة، حيث يكون للمدين أموال ولكنه يماطل عمدًا للاستفادة من المديونية، وبالأخص عندما يريد الاستفادة من عدم وجود فوائد (ربا) على الديون في البنوك الإسلامية، ومن هنا فكلما تأخر في السداد استفاد من المديونية.
والمماطلة محرمة بلا خلاف، حيث سمَّاها الرسول صلى الله عليه وسلم بالظلم فقال: «مطل الغني ظلم»، ولذلك يجوز للحاكم أن يحبسه إلى أن يظهر إعساره، استنادًا إلى الحديث الآخر أيضًا وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته».
ولكن السؤال الذي يرد هو: هل يجوز للدائن أن يطالب المدين بالتعويض عمّا يدعيه من أضرار بسبب المماطلة؟ وهل أن ذلك داخل في الحديثين السابقين؟ وهذا هو موضع البحث.
وهناك أسباب أخرى كالموت، وجحود الدين، لا يتعلق كثير من الأهمية بها بشأن موضوعنا، ولذلك لا نخوض فيها.
وأما الأسباب الخاصة بالمتأخرات في البنوك الإسلامية فهي:
1 – عدم الأخذ بالأسباب الفنية والوسائل العلمية المطلوبة من دراسة الجدوى الاقتصادية الجادة، ودراسة الشركات أو الأفراد الذين يطلبون التمويل عن طريق الالتزامات الآجلة.
2 – المجاملات والوسائط التي تحول دون الأخذ بتنفيذ الوسائل والإجراءات المطلوبة.
3 – عدم وجود إدارات قوية للائتمان والبحوث والدراسات.
4 – التركيز على التمويل عن طريق المرابحات، وبالأخص المرابحات الاستهلاكية التي لا يبقى محل العقد فترة طويلة، وعدم التركيز على أساليب الاستثمار الأخرى مثل المشاركات، والمضاربة، والاستصناع، وإنشاء شركات استثمارية متعددة الأغراض تقوم بأنواع من التجارة والاستثمار المباشر وغير المباشر.
5 – عدم أخذ ضمانات كافية من الرهن، والكفالة ونحوهما لهذه الديون لأي سبب كان جسيمًا أرشدت إليه الشريعة الإسلامية، حيث طلبت منا عند تعاملنا مع الديون ما يأتي:
أ – توثيق الدين بالكتابة، حيث أمر الله تعالى بالكتابة والإشهاد عندما يكون الدين مؤجلاً فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدن إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربّه ولا يبخس منه شيئًا فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يمّل هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضّل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا إلاّ أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسُوق بكم واتقوا الله ويعلّمكم الله والله بكل شيءٍ عليم).
ولذلك ذهب جمهور الفقهاء بمن فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى استحباب الكتابة، والإشهاد في حين ذهب بعض الفقهاء منهم عطاء والشعبي، والنخعي وابن حزم إلى وجوب الكتابة كما ذهب الضحاك، وعطاء وجابر بن زيد، والنخعي وابن جرير الطبري إلى وجوب الإشهاد للآية السابقة التي أمرت بها، والأمر حقيقة في الوجوب.
ب – توثيق الدين بالرهن، قال تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة)، حيث يكون للدائن الحق بعد حلول الأجل وعدم دفع دينه أن يرفع الأمر إلى القاضي فيبيع الرهن وينصفه منه إن لم يجبه الراهن إلى ذلك.
ج – توثيق الدين عن طريق الكفالة التي هي ضم ذمة الكفيل إلى المدين في تحمّل الدين.
د – حق حبس العين المبيعة إلى أداء الحق وقبض الثمن أو أن يشترط عدم تسليم المبيع إلاّ بعد نقد الثمن.
يمكن أن تستفيد البنوك الإسلامية مما سبق من خلال عدم تسجيل العقار في السجل، أو السيارة لدى إدارة المرور رسميًا إلاّ بعد انتهاء الأقساط، ولكن يتم العقد كتابيًا بين البنك والعميل، ويتم كل شيء حسب الأصول ما عدا التسجيل الرسمي.
القرارات والتوصيات الصادرة بهذا الخصوص
نوقش موضوع متأخرات الديون للبنوك الإسلامية وغرامات التأخير في المجامع الفقهية والندوات والحلقات الفقهية والاقتصادية وصدرت بشأنه قرارات نضعها أمام العلماء الباحثين الكرام..
فقد صدر في المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة 13 ـ 20 رجب 1409هـ الموافق 26 /4 / 1989 القرار التالي: «إن الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه، أن يدفع له مبلغًا من المال، غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه».
ثم صدر قرار رقم 53(2/6) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي بدورة مؤتمره السادس بجدة في الفترة 17 ـ 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 ـ 20 مارس 1990، حيث نصّ بشأن البيع بالتقسيط على ما يأتي: «إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أيّ زيادة على الدين بشرط سابق، أو دون شرط، لأن ذلك ربا محرم».
وكذلك صدرت فتوى من ندوة البركة السادسة للاقتصاد الإسلامي منها الفتوى رقم (6/11) التي نصت على أنه «لا يجوز تطبيق غرامة التأخير على القرض الحسن».