أرجع فضيلة د. علي محيي الدين القره داغي هزائم الأمة ونكساتها الى
الطغيان والسلوكيات غير السوية وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع عائشة بفريق
كليب انه في ظل الحكام المستبدين خسرت الأمة الأرض وفلسطين رغم أن أغلبهم
جاء للحكم بحجة الدفاع عن فلسطين .

وقال إذا قرأنا تاريخ الأمم وكذلك لو قرأنا تاريخ أمتنا الإسلامية وتدبرنا في التجارب التي مرت بها هذه الأمم وأمتنا الاسلامية، لوصلنا الى حتمية قاطعة واضحة بل ظاهرة ان كل المشاكل والهزائم والابتلاءات تعود في أهم أسبابها إلى الأزمة الاخلاقية التي تعيش فيها تلك الامة، فالأزمات الاخلاقية بمعناها الشامل التي تشمل الطغيان والسلوكيات غير السوية واللا مستقيمة هي السبب فيما تصيب الامة من هزائم ونكسات، ومما يحدث لها من ابتلاءات ومشاكل على مر الزمان وعلى مر التاريخ، وحتى الازمات الاقتصادية تعود الى الازمة الاخلاقية في سببها الاساسي، وان لم تكن كل الاسباب فانها تشكل اعظم سبب واكبر خطر على المجتمعات على الاطلاق، وهذا ما يقوله الاسلام قبل كل شيء وتقوله كذلك الرسالات السماوية الصحيحة ويقول بها علماء الاخلاق، وحتى في الازمة الاخيرة الازمة الاقتصادية العالمية فقد ذكر الخبراء المربون المصلحون بأن السبب الاساس لهذه الازمة يعود الى الجانب الاخلاقي.

واشار القره داغي الى ان الهزيمة التي لحقت بنا في 1976 حرب الايام الستة كانت هزيمة اخلاقية قبل ان تكون هزيمة عسكرية، وكانت هذه الهزيمة الاخلاقية قد سبقت الحرب وكذلك صاحبت الحرب ثم مع الاسف الشديد لم يستفد منها الا القليل وازداد الفساد وزاد الطغيان وازدادت الدكتاتورية وهذه الامور كلها يدخل فيما يسمى باللاأخلاقية، واللاأخلاقية تتكون في اوجه خطورتها من عنصرين اساسيين عنصر الطغيان أي القوة والسلطة وعنصر الفساد والسلوك غير الصحيح الذي لا يتفق مع قواعد الشرع والعقل والقيم الصحيحة، لذلك بين الله سبحانه وتعالى سبب هلاك الامم بهذين السببين، فحينما نقرأ في سورة الفجر، وبعد ذكر كل هؤلاء المجرمين المفسدين يقول رب العالمين في سبب هلاكهم “الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد” فالطغيان اي قوة المال والجبروت والكبرياء والتجبر والعلو مع الفساد اي الفساد المالي والسياسي والاداري والاجتماعي والفساد الاقتصادي هما السبب في فساد الامم وبين ايضا ان هذا الحكم بالعذاب ليس خاصا بالفرعون ولا بقارون ولا بقوم عاد ولا بهؤلاء المتجبرين بل انما هي سنة الله سبحانه وتعالى على مر التاريخ مادامت الدنيا قائمة فامر الله قائمة “إن ربك لبالمرصاد”.

وقال القره داغي: يأتي القرآن الكريم فيولي اهتماما وعناية قصوى بقضايا الاخلاق والسلوك حتى أن أحد ائمة الكبار في القرن الخامس الهجري يجمع الايات القرآنية ويؤلف كتابا سماه جواهر القرآن وهو الامام ابو الحامد الغزالي رحمه الله سبحانه وتعالى فيجمع جواهر القرآن كلها، ويعود بهم الى عنصرين أو مبدأين أساسيين تتفرع منهما بقية الامور والمسائل والقضايا، المبدأ الاول هو المعرفة والعلم ويذكر ان الايات التي تتحدث عن هذا العنصر والمبدأ 763 اية، اما المبدأ الثاني هو عنصر السلوك والاخلاق فيجمع من الايات المتكاملة وليست الجزء من الاية الى 741 آية.. وبالتالي فحوالي أكثر من 1500 اية تتحدث عن هذين المبدأين الاساسيين والذي نتحدث عنه اليوم هو المبدأ الثاني وهو الجانب الاخلاقي والذي يأخذ من 18 الى 20 بالمئة من حجم القران الكريم بينما الاحكام العملية من الصلاة والصيام والجنايات والنكاح ومن هذه الامور تأخد بالكثير الى 700 آية من الايات المباشرة وهذه ان دل على شيء انما يدل على أهمية الاخلاق ولذلك يصف الله سبحانه وتعالى هذا الرسول العظيم بهذه الصفة الحصرية وبهذا القسم العظيم ” وإنك لعلى خلق عظيم ” بهذا القسم وبهذا التأكيد وبكلمة على الذي يدل على الاستعلاء والتمكن والسيطرة وخلق عظيم بصفة مبالغة، ولذلك جعله الله رحمة للعالمين والرحمة لا تأتي الا من الاخلاق والأخلاق لا تأتي الا من خلال العقيدة بالله سبحانه وتعالى فهي حلقات متواصلة والغرض منها توصيل هذه الامة لأن تكون امة اخلاقية صاحبة خلق عظيم مقتدية برسولها صلى الله عليه وسلم لانها هي القدوة فالرسول قدوتنا والامة يجب ان تكون بهذا المستوى من الاخلاق العظيمة.

وقال إن نسبة الفساد بمعناها الشامل تصل الى مرحلة كبيرة ففي بعض الدول في عالمنا الاسلامي تصل نسبة الفساد الى 80 – 90 % من أموال الدخل القومي أي ان من كل 100 فلس تدخل 80 فلسا في جيوب الفاسدين وليس المقصود الفساد الرشوة فقط بل الفساد اعم واشمل من ذلك بكثير فهي تشمل المحسوبية ووضع الشخص في غير محله.